مبدعون وصحافيون يكشفون «الخيط الخفي» بين الأدب والصحافة

في إطار فعاليات الدورة الخامسة والعشرين من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، التأم مجموعة من الكتاب والمبدعين والصحافيين في لقاء خاص، عن تجارب في الكتابة للكشف عن الخيط الخفي بين الأدب والصحافة.
وانقسمت الآراء، خلال ذات اللقاء الذي سيرته الكاتبة عائشة بلحاج، بين من يرى أن الصحافة تقتل الأدب وبين من يرى أنهما متكاملان ومترابطان، من خلال الممارسة على امتداد التاريخ، أي منذ القدم إلى حدود المرحلة الحالية.
في هذا السياق قال الصحافي والشاعر عبد الحميد جماهري الذي روى تجربته، أنه لا يضع ترتيبا بين الصحافة والشعر، لأن الصحافة بنظره كذلك تتميز بالشاعرية، مستدلا على ذلك بمجموعة من الكتب والمقالات التي تحدثت عن شاعرية الجريدة وشاعرية الحوار.
وعاد جماهري ليروي للحاضرين حكاية ارتباطه بالأدب حينما كان طفلا، انطلاقا من الحكايات الشتوية التي تحكيها الجدة والتي دفعته في وقت من الأوقات إلى الكتابة من خلال خيال العاشق وخيال الكاتب، ثم بعدها إلى السياسة التي بدورها دفعته إلى الصحافة وبالضبط بجريدة «ليبراسيون».
وأبرز جماهري أن الصحافة لم تثنه عن الأدب وكتابة القصائد، إذ سرعان ما جره قلبه إلى غرفة في الخيال وبالضبط إلى الشعر، حيث تحدث عن الانشطار الذي عاشه بين الصحافة والأدب، حيث كان يكتب أدبيا باللغة العربية، بينما يكتب صحافيا باللغة الفرنسية، إذ أصبحت اللغة لغتين والخيال خيالين، واصفا ذلك بالقول «كنت دائما أشعر أنني مسافر بيني وبيني».
وفي حديثه عن العلاقة التي تجمع الأدب بالصحافة، أكد جماهري أن جزءا من الثورة الأدبية التي عرفها المغرب في ما مضى لم تكن ممكنة بدون صحافة، لأن جزءا من الأدب الجديد والمعاصر والحداثي، حسب المتحدث، «مر عبر الترجمات التي نشرتها الجرائد والصراع الذي قامت به هذه الأخيرة والكتابات التي اهتمت بمواضيع الأدب». مشيرا إلى أن التاريخ الأدبي للصحافة لا يمكنه اليوم إلا أن يوضع في صلب تاريخ السياسة والتاريخ الاقتصادي والانزياحات الخيالية.
نفس الطرح يدافع عنه الكاتب والإعلامي علي أزحاف الذي اعتبر أن الصحافة لا تقتل الأدب، كما يقول البعض، مشيرا إلى أن كثيرا من الأدباء العالميين والكتاب هم صحافيون ولهم كتب معروفة في الأدب وإسهامات مهمة في الصحافة.
وأبرز أزحاف أن العلاقة بين الصحافة والأدب علاقة قديمة جدا، حيث قال إنه « عندما تقرأ الملاحم القديمة دائما ما نجد أن الجيوش يرافقها الأديب أو الشاعر ليدون ويوصل ما يراه إلى جمهور العامة، لكن بطريقة أسطورية من خلال التفسير وإضافة الأساطير كمساعدة الآلهة أو الرياح للجيش»، مستشهدا بحكايات أوليس.
وعاد المتحدث ليبرز أهمية الإعلام في القرون السابقة وفي الحضارة اليونانية، حيث أشار إلى أن أول جائزة رسمية في الإعلام كانت في اليونان قبل 4 قرون قبل الميلاد، معلقا على ذلك بالقول «لا أعتقد أن الصحافة قتلت أدبا ما».
وبدوره، كشف أزحاف عن تعلقه باللغة العربية التي قال إنه تعلمها في السابعة من عمره من خلال القراءة بحكم أنه كان لا يتقن إلا اللغة الأمازيغية فقط، موضحا أنه اتجه إلى القراءة التي قادته، وفق تعبيره، إلى «محاولة الكتابة».
وكشف المتحدث أن همه الأول كان هو مدى قدرته على تكوين مخيال ثقافي مواز لمخياله الحقيقي الذي تكون من خلال الحكايات التي كانت ترويها الجدة بالفصول خلال موسم الشتاء، حيث أبرز أن هذا البحث مكنه من اكتشاف ألف ليلة وليلة التي تعتبر هوية أدبية عالمية مشتركة.
إلى ذلك، شدد أزحاف على أن الذي يعرف اللغة الأمازيغية لا يجب أن يحس بعقدة نقص إزاء اللغات الأخرى، وعلى العكس من ذلك يجب أن يتعلمها، مشيرا إلى أن هذه الروح هي التي قادته إلى القراءة وحب الكتابة فيما بعد.
ومن وجهة نظر أخرى، يرى الصحافي الساخر والكاتب حميد زيد أن الصحافة عدوة للكاتب والأديب، لأنها، بنظره، مهنة من أجل الراتب فقط، وتقتل الشاعر، معتبرا أنه كلما كتب الأديب والشاعر في الصحافة إلا وفقد جزءا منه، حيث أوضح أنه فقد جزءا منه كمبدع.
ويرى زيد على أن الكاتب والمبدع «عاطل» بطبعه، وأن هذا الأديب يجب أن يستثمر عطالته في الكتابة والأدب، لأن الإبداع ذاتي، معتبرا الأدب فضاء للعزلة بينما الصحافة فضاء للزحمة.
وتحدث زيد عن تجربته الخاصة والتي علق عليها ببعض من السخرية، حيث قال إنني عندما اخترت أن أجمع بين الصحافة والأدب، ضحيت بالكاتب والمبدع فيّ، والآن لا أعرف من أنا، أنا نصف صحافي فقط، ونصف كاتب، أحاول مرة وأخرى أن أربح الكاتب لكني أفشل، ويجرني الصحافي، الصحافة سهلة لا يحاسبك فيها أحد، ويمكن أن تخدع جميع الصحافيين أنا كاتب أخدع هذه المهنة ولا أكتب بمعاييرها، أنا لست صحفيا مهنيا، لا أكتب خبرا ولا أي جنس صحفي، أنا أكتب هجانة، ولكن الصحافيين اعترفوا بي كزميل لهم، بينما الشعر يحاسبك وبينك وبين نفسك تعاني».
واستمر زيد في تقديم رؤيته للعلاقة بين الأدب والصحافة، حيث قال إن الصحافة تسمح بالكتابة عن أي شيء بينما الأدب يتيح الكتابة عن اللاشيء، وهو ما قد يصبح مضحكا في الصحافة، كالحديث عن الحشرة والدعسوقة والنحلة.
بدورها قالت الإعلامية والشاعرة فاطمة البارودي إنها تختار أن تصطف إلى جانب من يعتبرون أن الصحافة مقبرة للإبداع، مستدلة بوصف نجيب محفوظ لقاعات التحرير بكونها تسطو على المبدع وتلتهم كثيرا من إبداعه، معترفة أنها خسرت في معركة التوازن بين ما هو إبداعي وما هو صحفي وأنها فشلت في الخلود للكتابة والإبداع وأن لحظات استنشاق نفس الكتابة كانت قليلة بالنسبة لها.
وبالمقابل، تستدرك البارودي بالقول إن الصحافة بدورها عالم جميل بالنسبة للصحافي دون أن تكون له علاقة بالأدب والإبداع، مشيرة إلى أن العلاقة بين الصحافة والأدب تتكامل من حيث التعريف بالأدب والأديب، حيث قالت إنه لولا الصحافة لم تكن لتبرز كشاعرة».
وتخلص البارودي من خلال العلاقة التي تجمع الصحافة بالأدب إلى أن الصحافة لها ميزاتها بالنسبة للمبدع بالإضافة إلى المساوئ التي يجب أن يتحملها.
وتحدثت البارودي بدورها عن تجربتها وصراعها في عالم الصحافة، التي تعتبره مسارها في الحياة، لأن الصحافة بنظرها مسار من مسارات إسماع الصوت إلى جانب الأدب، حيث تحدثت عن صراعها الداخلي للاختيار بين عالم الصحافة المكتوبة التي كانت تحبها وبين انجذابها للتلفزيون.
وفي حديثها، أيضا، عن تجربتها الخاصة، عادت البارودي لتعترف بعد 30 سنة من الاشتغال في مجال الصحافة أن عملها أكل الكثير من موهبتها الأدبية والشعرية، معتبرة أن الاشتغال في التلفزيون خاصة في مجال الأخبار «معركة يومية وصراع لإدارة الوقت وسطوة زمنية يستحيل أن يتحكم فيها».

> محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top