مثقفون وفنانون وإعلاميون يؤكدون في منتدى نظمه حزب التقدم والاشتراكية: الثقافة أولوية وطنية

أجمع عدد من السياسيين والفنانين والمثقفين على ضرورة النهوض بالشأن الثقافي والفعل الفني والإبداعي بالمغرب وذلك من أجل ضمان استقرار البلاد وازدهارها وتقدمها في شتى المجالات.
ودعا عدد من المتدخلين، في لقاء نظمه حزب التقدم والاشتراكية حول موضوع “الثقافة أولوية وطنية” ليلة الأربعاء الماضي، بالرباط، إلى فتح نفاش وطني حول الثقافة باعتبارها أولوية وطنية ومحورا رئيسيا لتطور البلاد وازدهار التنمية.
وأكد المتدخلون أن الثقافة هي وقود أي نموذج تنموي جديد من شأنه أن يساهم في التحاق المغرب بمصاف الدول المتقدمة والرائدة على جميع المستويات سواء اقتصاديا أو علميا أو غير ذلك، مشددين على دور الثقافة كمحرك أساسي للتطور

* محمد نبيل بنعبد الله: هناك حاجة ماسة اليوم لأن يعود المثقفون لحمل الكلمة

في هذا السياق، قال محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن الثقافة، على غرار قطاعات ومجالات أخرى، في حاجة لمن يحمل همها سياسيا، معتبرا أنه “لا يمكن أن يكون هناك فعل ثقافي أو فعل اقتصادي أو اجتماعي دون أن يكون هناك من يحمل هذا الهم”.
وتابع نبيل بنعبد الله أن هذا الإشكال والهم يخصان بالأساس المفكرين والمثقفين والمبدعين، “لأننا في أمس الحاجة اليوم لأن يعود المثقفون لحمل الكلمة وذلك على مستوى الأفكار المعبر عنها”، مضيفا أن “الثقافة التي نريدها والتي من الممكن أن يكون عندها عمق حقيقي في بلادنا هي الثقافة التي لا تعيش ولا تتنفس إلا في إطار فضاء ديمقراطي منفتح”.
وأبرز زعيم حزب “الكتاب” الذي يشرف على منتديات النقاش التي ينظمها حزب التقدم والاشتراكية أسبوعيا، في إطار التحضير للمؤتمر الوطني العاشر المرتقب التئامه في منتصف ماي المقبل، أن الثقافة تعبير عن أفكار وعن اختلاف في الرؤى للوصول إلى أحسن ما يمكن أن يحمله المجتمع، موضحا أن هناك حاجة ماسة لحضور “الهاجس الثقافي” في الفعل السياسي المغربي.
وأشار المتحدث إلى أن المفهوم الوحيد للثقافة الذي يجب أن يتم ترسيخه في المغرب هو الانفتاح والحرية والتعبير الحر عن الأفكار وبطرق مختلفة، مؤكدا على أن هذه الثقافة وهذا التصور “ورش كبير” يحتاج إلى انخراط المثقفين والسياسيين.
في هذا الإطار، قال نبيل بنعبد الله إنه يتعين الاعتراف بوقوع “ابتعاد” بين المثقفين والفنانين، من جهة، وبين السياسيين، من جهة أخرى، مبينا أن هذا “الابتعاد” أضر بالحقل السياسي والثقافي معا، سواء من خلال فراغ الأحزاب من النخبة الفنية والثقافية بالشكل الذي يجب أن تكون عليه، أو من خلال الوضع غير المريح الذي يعيشه الحقل الثقافي.
وعلى شكل إجابة للإشكالات التي طرحها، دعا الأمين العام للحزب إلى مصالحة بين المثقفين والسياسة ، من خلال “عودة رواد الثقافة من فنانين وكتاب ومفكرين ومبدعين وغيرهم إلى الاهتمام بالشأن العام إلى جانب الشأن الثقافي”، بالإضافة إلى “متابعة ما يحدث في هذه البلاد والانخراط في الدينامية المجتمعية والصراع من أجل الكرامة والعيش الكريم..”، وطرح المتحدث خيارا وحيدا قال إنه الخيار الذي يمكن أن نسير فيه ويؤدي إلى استقرار المغرب ويشق مساره إلى جانب الأمم المتقدمة، وهو “تعميق الديمقراطية وجعل المؤسسات تلعب أدوارها وتمارس صلاحياتها وترك الأحزاب تقوم بعملها ودورها المجتمعي ومهامها السياسية، بكل استقلالية فضلا عن ترسيخ الحرية وتمكين حاملي الرأي من مثقفين وحملة القلم ورجال الإعلام والفضاءات الأخرى من العمل بشكل مستقل ومتحرر، وأن يكون التنافس في ذلك من أجل إبراز برامج حقيقية، والانتقال بقفزة نوعية نحو الأمام في جميع القطاعات”.
وحذر بنعبد الله، في كلمته الافتتاحية للقاء الذي احتضنه المقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط، من السقوط في دوامة الفراغ من خلال غياب النقاش حول البدائل الممكنة للبلاد كالنقاش حول النموذج التنموي الجديد، وغياب النقاش حول سبل النهوض بالسياسة، بالاقتصاد، بالثقافة، التي قال “إنها غائبة تماما، ومن شأن هذا الغياب أن يؤدي إلى تفريغ كل الأشياء من معانيها والسقوط في الفراغ الذي يضر البلاد والمجتمع كثيرا”، داعيا إلى التركيز على الثقافة باعتبارها من الأساسيات الحاملة للمعنى والتي من شأنها أن تعطي المعاني كذلك لباقي المجالات والقطاعات.
كما دعا بنعبد الله الفنانين الحاضرين في اللقاء والإعلاميين والمثقفين إلى الانتصار للشأن الثقافي وحمله على العاتق والترافع من أجله لدى مختلف الهيئات والمؤسسات، من أجل ملء الفراغ الموجود بالمغرب، ومواجهة الركود الحاصل على مستوى النقاش المجتمعي حول القضايا المهمة.

  • الحسين الشعبي: مسعانا العام يتمثل في إشراك الأطر الحزبية والنخب الفكرية والسياسية والفعاليات المجتمعية في إنتاج الأفكار وتقديم البدائل

هذا وبعد كلمة الأمين العام للحزب، أوضح الحسين الشعبي، الصحافي والمسرحي، المنسق الوطني لقطاع الثقافة والاتصال والفنون التابع لحزب التقدم والاشتراكية، الذي أدار أطوار هذا المنتدى بسلاسة واقتدار، أن هذا اللقاء يندرج ضمن منتديات النقاش العمومي التي يشرف عليها المكتب السياسي للحزب لخلق فضاء للتواصل والتبادل والتفكير الجماعي في مختلف القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام، وذلك استعدادا للمؤتمر الوطني العاشر للحزب الذي سينعقد في غضون شهر ماي المقبل، مؤكدا أن “مسعانا العام من عقد هذه المنتديات، يتمثل في إشراك الأطر الحزبية والفعاليات المجتمعية والنخب الفكرية من مختلف التيارات والآفاق في التفكير والتحليل ومقاربة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الهامة، والخروج بخلاصات وأفكار وبدائل لإغناء مشروع الوثيقة السياسية التي يعدها الحزب للمؤتمر، انطلاقا من قناعة الحزب الراسخة بضرورة الانفتاح والإنصات لنبض المجتمع ومثقفيه ونخبه من أجل إنتاج أفكار جديدة قادرة على مواجهة كل الاستعصاءات والصعوبات والسير ببلادنا نحو التنمية والتقدم..
وبخصوص تيمة هذا المنتدى “الثقافة أولوية وطنية”، طرح الحسين الشعبي عدة محاور يمكن من خلالها الإطلالة على هذا الموضوع ومقاربة إشكالياته النظرية والعملية.. من بينها ضرورة تحديد مفهوم “الثقافة” الذي نتحدث عنه بعيدا عن المفهوم الأنتروبولوجي الشامل والعام والمتعارف عليه، واضعين الأصبع على المجالات الحيوية للثقافة في مختلف أبعادها السياسية والاجتماعية والبشرية. ومن ثمة لابد من طرح علاقة الدولة بالثقافة بما يعني علاقة السلطة السياسية بالفضاء الثقافي، ورسم معالم سياسة عمومية واضحة بنفس استراتيجي مستد على تشخيص الواقع واستشراف الآفاق.. وبالتالي فإن التحليل سيقودنا، يقول الشعبي، إلى طرح معضلات البنيات التحتية، والصناعات الثقافية، واقتصاديات الثقثافة، والدعم العمومي للإنتاج الثقافي والفني، وقيمة التظاهرات الثقافية والمهرجانات الفنية، ومسألة الاختيارات الفكرية وحرية التعبير والمسألة اللغوية وحماية التنوع الثقافي، وعرضانية الاشتغال في الثقافة وعلاقة المثقف بدواليب القرار السياسي.. وغيرها من المحاور الفرعية التي شكلت منطلقات الحزب في إعداد هذا النقاش.

*  محمد الأمين الصبيحي: على الدولة أن تقوم بدعم الإنتاج الثقافي والفني بدون التدخل في اختياراته ومضامينه

من جانبه، أكد محمد الأمين الصبيحي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ووزير الثقافة السابق، في ذات اللقاء، أن السياسات الثقافية تهتم بمجموعة من المجالات التي تساهم في صنع القيم، مشيرا إلى أن الدولة مطالبة بالتدخل في الشأن الثقافي. لكن في نفس الوقت أن تضمن استقلالية الأعمال الفنية والاختيارات الثقافية.
الفكرة يوضحها الأمين الصبيحي بالقول إن هناك رفضا لنماذج ثقافة الدولة أو مثقف الدولة، مشيرا إلى أن المطلب يكمن في أن تكون لهذه الدولة مسافة حقيقية مع الإبداع الثقافي والفني، وهي أحسن وسيلة، يقول المتحدث، “لضمان استقلالية الاختيارات الثقافية والفنية”.
وأضاف المتحدث أنه، إلى جانب ضمان استقلالية هذه الاختيارات، يبقى مطلب دعم الدولة قائما وذلك من أجل توصل هذه الأخيرة وسائل الدعم للإبداع الثقافي والفني في إطار الاستقلالية التامة للاختيارات الثقافية، مشيرا إلى أن هذه الاختيارات تتطلب شيئا من الذكاء لسن سياسة حقيقية يكون عليها توافق داخل مجتمعنا.
هذه السياسية التي يجب سنها، حسب الصبيحي، تقوم على أساس مبدأ حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الإبداع والحرص على استقلاليته، وذلك حرصا على تقوية التنوع الثقافي الذي ينص عليه دستور المملكة.
كما أبرز الصبيحي أن هناك حاجة ماسة كذلك إلى ضرورة تدخل الدولة للولوج إلى الثقافة وبلورتها على صعيد المجتمع، من خلال الالتقائية والشراكة بين مختلف القطاعات، موضحا، في هذا الإطار، أن هناك تضاربا في الآراء، إذ أن “هناك من يرى ضرورة تدخل الدولة في اختيار المجالات الإبداعية التي يجب أن تدعم، ونحن نرى عكس ذلك، أي يجب إقرار آلية لضمان استقلالية الاختيارات الثقافية مع ضرورة دعم الدولة، وهذا ليس تناقضا، بل تدخل الدولة في إطار استقلالية الاختيارات الثقافية”.
وتابع الصبيحي “حين نقول إنه يجب أن نخرج من النظرة النخبوية للثقافة ونبلور الحق في الثقافة الذي جاء به الدستور مجاليا واجتماعيا، الجواب لا يأتي لأن ميزانية وزارة الثقافة محصورة وليس لها الإمكانية في تنفيذ سياسة الولوج إلى حق الثقافة سواء من خلال إحداث مؤسسات ثقافية أو دعم التعليم الفني”، معتبرا أن هذه الإشكالات قائمة في الوقت الذي فيه إمكانية متوفرة في قطاعات أخرى والتي قال إنها لا تتطلب إمكانيات باهظة.
وأوضح الصبيحي أن هناك قطاعات أخرى كسياسة المدنية والسكنى ووزارة الداخلية والجماعات المحلية التي لها الإمكانية للمساهمة في هذا الأمر، لكن الإشكال هو أنه ليست هناك إرادة حقيقية من أجل هذه الالتقائية، يشير عضو المكتب السياسي لحزب “الكتاب”.
إلى ذلك أكد الصبيحي أن الثقافة يجب أن تكون مشروعا مجتمعيا يحمله الأشخاص الذين يؤمنون بالأدوار الأساسية للثقافة، سواء من فنانين ومثقفين، أو من المنابر الإعلامية المستقلة التي تعطي أهمية للأدوار التي تلعبها الثقافة، مشيرا في هذا الجانب إلى أن المغرب حاول، منذ الاستقلال، تدعيم الثقافة وحماية التراث، “لكن هذه الجهود، يضيف المتحدث، بقيت حبيسة لمقاربة متجاوزة والتي تتطلب ثورة فكرية”.
من جانب آخر، أكد الصبيحي أن هناك إمكانيات للدولة للمساهمة في تمويل ثقافة حقيقية، سواء من خلال الشراكة مع القطاع الخصوصي أو من خلال التقائية البرامج وذلك من أجل أن تلعب الثقافة دورا أساسيا في المجتمعات، سواء على الصعيد الاقتصادي والتنمية المستدامة، أو من خلال الصناعات الثقافية والابداعية.

وشدد وزير الثقافة السابق على ضرورة أن تعطي الدولة الأهمية للصناعات الثقافية والإبداعية لما يمكن أن تحققه من إشعاع للقطاع الثقافي ككل، فضلا عن توجيه الدعم والتدخل لإشعاع الفعل الثقافي وليس الدعم كمجرد آلية، مشيرا إلى أن “أخطر شيء هو أن تقوم الدولة بدعم الإنتاج الثقافي والفني بدون ترويج”، لأن ذلك حسب، الصبيحي، يسمى “هدراً للإمكانيات”، لأن المبتغى من العملية الإبداعية هو تربية الأذواق والتربية الفنية والإحساس بالجانب الروحي الذي تسمح به الثقافة والفن والإبداع.

* مسعود بوحسين: يجب أن نكف عن اعتبار الثقافة قطاعا غير منتج

من جهته طرح المخرج المسرحي والأستاذ مسعود بوحسين رمن جهته طرح المخرج المسرحي والأستاذ مسعود بوحسين رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية مجموعة من الأسئلة المرتبطة بتدبير الشأن الثقافي بالمغرب من قبيل هل الثقافة تجارة؟ هل تخضع كليا للمعايير الاقتصادية؟
وكإجابة على الأسئلة التي طرحها يقدم مسعود بوحسين مجموعة من الإجابات حيث ركز في منطلق كلمته على اتفاقية اليونيسكو 2005، التي تؤكد على ازدواجية أن الثقافة هي سلعة وفي نفس الوقت قيم غير اقتصادية، أي أن فيها جانبين الاقتصادي والقيمي.
من هذا المنظور تحدث بوحسين عن ثلاث مستويات، الأول يكمن في النظر إلى الثقافة كخدمة عمومية هدفها إشاعة روح الابتكار في المجتمع وتجديد أنماط التفكير وبكونها خدمات ثقافية توجه للمواطنين. وثانيا باعتبارها مجالا لصناعة القيم، وبالتالي الثقافة تخلق قيما يحتاجها المجتمع وتنظم علاقة الأفراد بمحيطهم. وثالثا باعتبارها، أيضا، سلعة ونشاطا اقتصاديا من منطلق الصناعات الإبداعية التي لها مردودية اقتصادية محضة تتمثل في التشغيل والقيمة المضافة التي تستفيد منها الدولة.
انطلاقا من ذلك كله يخرج بوحسين بفكرة أساسية مفادها أن “الثقافة كلها أرباح” سواء قيميا أو في علاقتها في تنظيم المجتمع أو حتى باعتبارها مدخولا اقتصاديا. مشيرا في هذا الجانب إلى أن عددا من الدول تستفيد من مدخولات الثقافة بل وتعتمد عليها كدخل أساسي كفرنسا التي يبلغ معدل إسهام الثقافة في دخلها الوطني 7 بالمائة.
وفي حديثه عن الصناعة الثقافية قال بوحسين إن مداخيلها بالنسبة للدولة لا تحققها جميع المنتوجات الثقافية بما فيها المنتوجات المدعمة، معتبرا أن الصناعة الثقافية تدخل ضمن خانة المخاطر الاقتصادية، إذ أن الخطر في هذا المجال يشكل أعلى نسبة بالمقارنة بباقي المواد التي لا تعتمد على الذوق.
الخلاصة التي يقدمها الفنان والمخرج المسرحي بوحسين هي هو أنه يجب أن نغير وجهة نظرنا اتجاه الثقافة والكف عن اعتبارها قطاعا غير منتج، ولا سيما في المغرب، بالإضافة إلى تأكيده على أن ما يصرف على الثقافة بطريقة غير معقلنة أكثر بكثير من الخطاب الرائج. رغم أن 0.26 غي المائة فقط هي التي تخصص لقطاع الثقافة من ميزانية الدولة.
هذه الإشكالات يربطها بوحسين بوجود ضعف قانوني ومؤسساتي كبير جدا وغياب الالتقائية في القطاعات الحكومية، وعدم وجود أي تنسيق بين السياسات الحكومية في هذا المجال.
وعلى شكل استنتاج، دعا بوحسين إلى ضرورة سن إطارات قانونية وآليات كفيلة بخلق التقائية بين القطاعات الحكومية، وبين الدولة والقطاع الخاص، وعلى مستوى الجهوية التي يجب أن يتم، على مستواها الأخذ بعين الاعتبار أن الثقافة منطلق وأداء للتنمية المحلية وخلق التوازن المجالي.

*توفيق بوعشرين: التحول التكنولوجي يطرح أسئلة عميقة حول إشكالية الثقافة
بدوره، قال الكاتب الصحفي ومدير نشر جريدة “أخبار اليوم”، توفيق بوعشرين، إن هناك تحولات عميقة يشهدها المجتمع المغربي بفعل عدد من التحولات، وأساسا التحول التكنولوجي، واختلاف الوسائط التي يستمد منها المغربي ثقافته.
وقسم بوعشرين وسائط امتلاك الثقافة إلى خمسة حوامل، أولها، حسب المتحدث، المسجد باعتباره الفضاء الأول الذي يؤطر المغاربة، حيث أن 7 ملايين مغربي يؤدون صلاة الجمعة ويسمعون لـ 30 ألف خطبة بمعدل ثلاثين دقيقة أسبوعيا، وهو ما قال المتحدث إنه “يطرح أسئلة من قبيل: من المسؤول على هذه الخطبة الدينية التي تسمع لها شرائح مختلفة من المجتمع وما أفقها الفكري والإيديولوجي والفلسفي وما رسالتها التي تلقيها من أعلى المنبر؟”.
ثاني حامل للثقافة يشير المتحدث هو الفيسبوك، إذ أن 15 مليون مغربي له حساب على هذا الموقع، مبرزا أن هؤلاء الأفراد ينتجون ويستهلكون في هذا الموقع أشياء لها علاقة مباشرة بالثقافة، معتبرا أن المشكل ليس هو التواصل بل المضمون.
وعلى شكل تحليل، يقول الكاتب الصحفي إنه عوض أن ينتج المجتمع أدوات المساعدة على الحياة وتغيير نمط التفكير انطلاقا من هذا الموقع إلا أنه عكس ذلك تماما، لأن المغاربة على “فيسبوك” يعكسون، فقط، الأعطاب الاجتماعية بدل إفراز أفكار وبدائل مجتمعية.
ثالث حامل للثقافة، يشير بوعشرين، هو المدرسة والجامعة والمعاهد والتي تعيش أعطابا كبيرة بالنظر لوضعية التعليم على الصعيد الوطني ونتائجه الكارثية التي اعتبرها المتحدث ضعيفة جدا بالمقارنة مع عدد من الدول.
بوعشرين حدد الحامل الرابع للثقافة في موقع “يوتيوب” الذي كشف، وفقا لإحصائيات الموقع، أنه يقدم أزيد من 25 مليون ساعة لـ 20 مليون مغربي يستعمل الإنترنيت يوميا، مشيرا إلى أن هذا يطرح مجموعة من الإشكالات حول اهتمامات الناس من خلال ما يبرزه موقع “يوتيوب” حيث أن الثقافة غير موجودة ضمن هذا الاهتمام.
في الأخير يقدم بوعشرين التليفزيون والإذاعة والصحف كحامل خامس للثقافة والتي قال إنها تراجعت كثيرا، حيث أن برامج “اليوتيوب” تسجل أعلى نسب مشاهدة بالمقارنة مع التلفزيون، مبرزا أن الإعلام التقليدي يفقد حضوره رغم ما يؤاخذ عليه من عدم الاهتمام بالثقافة.
وخلص المتحدث إلى أن التحول التكنولوجي يطرح أسئلة عميقة حول إشكالية الثقافة، التي قال إنها تحتاج إلى نقاش وتفكير مجتمعي عاجل من أجل إيجاد الحلول الممكنة.

 * عز الدين بونيت: النموذج التنموي الحقيقي هو الذي يعتبر الثقافة نواته الأساسية
من جانبه، أكد عز الدين بونيت، المدير الجهوي السابق لوزارة الثقافة بجهة سوس ماسة، أستاذ باحث في مجال المسرح والثقافات المحلية، أن الدولة لها الحق في التدخل لتقديم الدعم من المال العمومي للقطاعات الثقافية، مشيرا أن هذا الجانب تم الحسم فيه منذ عقود طويلة، ولم يعد يطرح السؤال بشأنه على اعتبار أن هذا الدعم يذهب لمجال هش يمثل الثروة المشتركة، إذ رغم أنه ظاهريا هناك أشخاص وراء تنفيذه، لكن يستفيد منه الجميع، ولو بدرجات متفاوتة.
وقال في هذا الصدد “إن عددا من الفلاسفة الذين اشتغلوا على الموضوع، توصلوا إلى خلاصة مفادها أن تدخل الدولة في هذا القطاع لا علاقة له بتدخلها في القطاعات الأخرى التي تكون فيها المنافع جزئية، في حين هذا القطاع يهم الأفراد والفئات والمجموعات على حد سواء”، مشيرا إلى أن التحديات التي باتت مطروحة على المثقف تتمثل أساسا في المساهمة في النقاش العام والاستفادة من الجوانب الإيجابية التي يعرفها تطور التقنيات الحديثة، علما أن هذا النقاش بات محجوزا من طرف أوساط معينة، حسب ذكر المتحدث.
هذا، وعاب بونيت على الإعلام الوطني عدم المساهمة بشكل إيجابي في الانتقال الديمقراطي، قائلا بهذا الخصوص “لدي نظرة قاسية اتجاه الإعلام الوطني سواء كمؤسسات أو كممارسين للمهنة، فهذا الإعلام لم يساهم، بشكل إيجابي، في الانتقال الديمقراطي، ولم يتح الفرصة لتطوير مجال النقاش العمومي وجلب المثقف للمساهمة في هذا النقاش الذي يجب أن يتمحور حول القضايا الكبرى الأساسية في البلاد”، لافتا إلى أن تطوير النقاش العمومي من طرف الإعلام هو الذي يجلب المثقف أو غيره للنقاش.
لكن للأسف، يستطرد المتحدث، يسجل حاليا على الإعلام فتحه المجال لممارسات أصبحت تعرف بما يسمى بالخبراء، وهم أشخاص يقلصون خيارات النقاش العمومي ويقلصون أيضا من مساحة التفكير في القضايا الأساسية والكبرى وأحيانا يشوهون هذا النقاش العمومي، مؤكدا على ضرورة حضور المثقف في النقاش العمومي وهي مهمة يتحمل مسؤوليتها قطاع واسع من الإعلام من أجل استعادة النقاش، وإتاحة الفرصة لهذا المثقف واستفزازه إن تطلب الأمر ذلك وإعادته رغما عنه للساحة.
واعتبر بونيت أن ما يسمى بالتنمية المستدامة هي في نهاية المطاف تنمية ثقافية، تعني أساسا تنمية ذكاء الأشخاص في التعامل مع المقدرات المتوفرة، مبرزا، في هذا الصدد، أن صلب التنمية هو التنمية الثقافية، وأن أي نموذج تنموي لا يعتبر الثقافة نواته الأساسية يبقى دائما نموذجا تنمويا ناقصا جدا”.
وبالنسبة لعلاقة الدولة بالثقافة، أشار المتحدث أن ذلك يتوقف على التصور الذي نحمله حول الدولة، والتي لا تعد كيانا متعاليا على الأشخاص، بل هي بمثابة شركة مساهمة يملكها كافة المواطنين، حيث يساهمون فيها عبر دفع الضرائب وينتظرون منها أن تحقق لهم الأهداف المشتركة التي يتضمنها الدستور.

  • سعيد الناصري: غياب ميكانيزمات تحول الثقافة لعنصر اقتصادي ينتج اعتمادا على إمكانياته الذاتية

من جانبه، اعتبر المخرج والفنان سعيد الناصري، أن ما يزكي المن جانبه، اعتبر المخرج والفنان سعيد الناصري، أن ما يزكي الاستقلالية لدى الفنان والمثقف في اختياراته هو اعتماد الدولة لنهج تعتبر فيه الثقافة عنصرا مهما في الاقتصاد الوطني، وأورد في هذا الصدد نماذج دولية مقارنة، ليؤكد هذا الطرح، قائلا “إن مدنا عالمية اقتصادها مبني على الثقافة، فإذا أخذنا على سبيل المثال مدينة باريس فقد تبنت هذه المقاربة ووضعت الإمكانيات الضرورية لتيسير إحداث بنيات من طرف الخواص لترويج المنتوج الثقافي، كالمقاهي التي تقدم بها عروض مسرحية، وقاعات سينمائية وغيرها.
وأشار، بنوع من الغصة، إلى غياب وضع الميكانيزمات في المغرب، وهو جانب تضطلع به الدولة حتى تتحول الثقافة لمحرك أساسي للاقتصاد، إذ لم يتم الانتباه إلى هذا الجانب بالشكل الجدي، والذي بإمكانه أن يجعل الثقافة تتحول لعنصر اقتصادي ينتج اعتمادا على إمكانياته الذاتية ويوزع منتوجه، مشيرا إلى أن غياب الميكانيزمات والأشخاص الأكفاء الذين لديهم تصور، فضلا عن عدم وضع التشريعات اللازمة، يساهم في غياب إنتاج إبداعات لها من عناصر الجودة ما يمكن من جلب الجمهور.

  • إبراهيم مزند: المهرجانات مناسبة لارتقاء الفنانين بإنتاجاتهم ولمنافسة بعض العروض الأجنبية

أما إبراهيم مزند المدير الفني لمهرجان تيميتار السنوي بأكادير، والمؤسس للمنتدى الدولي للموسيقى الإفريقية والشرق أوسطية، المعروف بمهرجان “موسيقى بدون تأشيرة”، فقد اختار في بداية تفاعله مع النقاش توجيه إشادة للتجربة الاستثنائية والخاصة للوزير محمد أمين الصبيحي، خلال تدبيره قطاع الثقافة بالنظر للمجهود الباهر الذي بذله على رأس القطاع والذي يسجل لأول مرة بعد أزيد من خمسين سنة على الاستقلال. واعتبر أن تنظيم المهرجانات خاصية مغربية، ذلك أن العلاقة مع الفضاء العام في المغرب ليست هي العلاقة مع هذا الفضاء في منطقة الشرق الأوسط وبعض دول الجوار، وأوضح في هذا الصدد، على أن جل مناطق المغرب كانت، فيما مضى، تشهد موعدا سنويا يبدأ مع حلول الصيف على شكل “موسم” يجمع ما بين التجارة والثقافة وعنصر الدين الذي لم يكن يستفز أحدا، وكانت الساكنة تحرص على جلب أحسن ما أنتجته المنطقة من ثمار ومنتوجات لعرضها في الموسم، كما كانت المناسبة تشكل فرصة لتلاقي الذكور بالإناث وعقد زيجات، وتنظيم فرجات وحفلات.
وأشار إلى أن المهرجانات بشكلها الجديد اليوم، والتي أحدثت في المغرب خلال العشرين سنة الأخيرة تندرج ضمن الصيرورة والاستمرارية لهذه الدينامية، مسجلا أن المغاربة على العموم يستهلكون المنتوج الثقافي في الفضاء العام في حين في مناطق المشرق يتم ذلك في الصالونات.
ونبه المتحدث إلى نوع من الخلط وعدم الفهم أو الخطأ الذي يقع فيه بعض منظمي المهرجانات على المستوى المحلي، حيث حينما ينظم بعضهم مهرجانا يعتبره ملكية خاصة له، في حين أن المهرجان يعد محطة سنوية مهمة للالتقاء يقدم فيها أحسن ما تنتجه المنطقة على جميع المستويات.
كما نبه إبراهيم مزند، إلى وجود ظاهرة إحداث مهرجانات تكون انطلاقتها بالشهب الاصطناعية لكن وهجها يخبو بسرعة، فضلا عن تسجيل مد محافظ أظهر احتقارا واستصغارا لكل ما هو ثقافي، ينتعش خلال تنظيم هذه المهرجانات، حيث يستغل الفرصة لتوجيه انتقادات حادة للحدث، بدعوى أن الأمر يتعلق بهدر للمال العام، في حين أن عملية حسابية بسيطة تظهر أن حق كل مواطن من تلك الفرجة صرف عليه درهم واحد فقط في حال وصل عدد الجمهور إلى 50 ألف متفرج، مشيرا أنه لا ينظر إلى العائد المادي واللامادي للأمر حيث تساهم بعض المهرجانات في الحفاظ على بعض الفنون التقليدية .
ولفت المتحدث إلى الأهمية التي يمثلها تنظيم المهرجان لارتقاء الفنانين بإنتاجاتهم وخلق نوع من التنافس مع بعض العروض الأجنبية، كما لفت إلى الأهمية التي تشكلها المهرجانات بالنسبة لاقتصاد المناطق التي تحتضنها ولترويج الموروث الموسيقي أو الفني عموما، مشيرا في هذا الصدد إلى قلة عدد المهرجانات المنظمة مقارنة بعدد المواسم التي كان يشهدها المغرب قبل عقود، وهذا الأمر أدى إلى اختفاء عدد من رقصات أحواش مثلا بسبب قلة أو غياب تنظيم المهرجانات في بعض المناطق، بل وتغيرت معالم عروض موسيقية بسبب تراجع مشاركة النساء في الفرق الموسيقية في بعض المناطق.
محمد برادة: الدعم الذي يقدم للإعلام المغربي لا يصرف بطريقة منطقية
أما محمد برادة، الرئيس المدير العام الأسبق لشركة “سابريس” للنشر والتوزيع، والذي خبر مجال الإعلام والمؤسسات الإعلامية المغربية على مدى عقود، فقد أكد، من جانبه، على غياب النقاش العمومي الهادف، معتبرا أن الإعلام المغربي الذي واجه في الستينات تمنعا من طرف الدولة بشأن تقديم الدعم، لازال يعيش أثر ذلك إلى اليوم، حيث أن الدعم الذي يقدم له لا يصرف بطريقة منطقية، وبالتالي، لا ينعكس على جودة الصحف وانتشارها وإمكانية لعب دورها الطبيعي، بل باتت، حاليا، تواجه المد التكنولوجي.

 *  محمد المصباحي: الثقافة تصنع الإنسان وعلى المثقفين أن يندفعوا في هذا الاتجاه بنوع من الجرأة

في المقابل، اعتبر الفيلسوف الدكتور محمد المصباحي أن الجانب الإيجابي من المفارقة التي يعرفها المجال الفكري في العالم العربي، هي أن المغرب يوجد على رأس المنارة التي توجه الفكر في جميع أنحاء هذه المنطقة، ذلك أن 80 في المائة من الإسهامات في المجلات الفكرية التي تصدر في المشرق هي إسهامات مغاربة، فضلا عن أن الإنتاج الفكري والكتاب المغربي هو أول ما يباع في المعارض التي تنظم في البلدان العربية والمغاربية.
وأفاد في هذا الصدد، أن المغرب يعد، مقارنة ببلدان المنطقة، قبلة مميزة في عدة ميادين، مسجلا مفارقة خطيرة يشهدها المغرب، ممثلة في انهيار الجامعة بشكل مطلق وانهيار القيم بشكل كبير وتفشي ثقافة الإرهاب والداعشية بدل ثقافة التسامح، وهذا الأمر يتم لمسه عبر عدة مظاهر باتت للأسف تحدث في الفضاء العام.
وأكد المصباحي، الذي اختص في الدراسات العلمية المعمقة في الفلسفة، أن معالجة هذا الوضع لن تتم إلا عبر إعادة الاعتبار للجامعة عبر إحداث شعب خاصة بالفنون، قائلا “محاربة انهيار الإنسان المغربي لا يمكن أن تتم إلا بأمور وتدابير مؤسساتية، كما ينبغي أن تلعب الثقافة دورها المتمثل في صناعة الإنسان وأن يندفع المثقفون في هذا الاتجاه بنوع من الجرأة المطلوبة وعدم التواري وترك الساحة فارغة . واعتبر أن الأساسي بالنسبة للدولة في هذا الوقت هو أن تعي أنه يمكن أن تجعل المغرب قياديا على هذا المستوى في العالم العربي إذا وضعت ثقتها في المثقفين، محذرا، بالقول، إذا “تركنا الأمور على ما هي عليه، فالمصير هو الانقراض”.

  • لحسن زينون: ضرورة إحداث معاهد ومؤسسات رسمية لتدريس الفنون والرقص بطريقة أكاديمية
    ومن جانبه أكد الفنان والكوريغراف والمخرج السينمائي، لحسن زينون، على ضرورة إحداث معاهد ومؤسسات رسمية، قائمة الذات، لتدريس الفنون المغربية والرقص بطريقة أكاديمية وتدريس هذه الفنون أيضا في المدارس العادية الموجودة، من أجل الارتقاء بالذوق وإشاعة ثقافة الانفتاح على ثقافات أخرى عبر هذه البوابة.
    ودعا إلى القطع مع الطابوهات التي تعتبر الرقص شيئا مشينا في حين أنه فن من الفنون ونوع من التصالح مع الجسد بتعبيراته الفنية، واتباع نهج بيداغوجي جديد داخل معاهد الموسيقى والفنون يسهر عليه مدرسون ممارسون للعمل الفني وليس فقط أساتذة يكتفون بإلقاء الدروس، قائلا هل يعقل أن يتم تدريس الجراحة بكلية الطب من طرف مدرس تخرج من هذه الكلية لكنه لم يمارس قط مهنة طبيب جراح.

محمد توفيق امزيان وفنن العفاني

تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top