مجلة دراسات الفرجة المحكمة تناقش “المسرح وفن الأداء: الممر الفاصل/ الواصل”

أهدت المجلة العلمية المحكمة “دراسات الفرجة” عددها الجديد إلى روح عميد البحث المسرحي في المغرب الدكتور حسن المنيعي، وخصصت ملف العدد 11 لمقاربة “المسرح وفن الأداء: الممر الفاصل/ الواصل” الذي يهدف استكشاف خطابات جديدة تتناول بالدرس والتحليل العلاقة الملتبسة وأيضا التوترات القائمة بين المسرح وفن الأداء في سياق ما يصطلح عليه بالمنعطف الأدائي في المسرح عبر مجموعة من المحاور التالية: جماليات الفرجة الأدائية المعاصرة، والرقص كآلية سردية: جدلية ‘الجسد الناطق’ و’النص المتحرك’، والحكي الجريح: مسرحة الفاجعة وجدل الممثل/المؤدي، وعودة فنون الحكي العربي في الممارسة المسرحية المعاصرة، والنزعة الرابسودية في الممارسة المسرحية المعاصرة: رقص بين الدرامي والملحمي، وذلك بمشاركة مجموعة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين في الجامعات العربية والمغربية. تصدر المجلة التي يشرف على إدارتها خالد أمين عن المركز الدولي لدراسات الفرجة ومجموعة البحث في الدراسات المسرحية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، وهي متخصصة في المسرح وفن الأداء وباقي فنون المدينة، وتسعى إلى مد جسور التواصل المثمر بين الدراسات المسرحية وتخصصات مجاورة من قبيل: الأنثروبولوجيا الثقافية، ودراسات الفلكلور، والإثنو موسيقى، والرقص.. ومواكبة التنوع المنظور لدراسات الفرجة عالميا وفي العالم العربي.
افتتح العدد بنشيد الوفاء كتبه عز الدين بونيت بعنوان “حسن المنيعي: أبجديات متخفية، مثل شبح شكسبيري..” استحضر فيه أبجديات روح الفقيد با حسن التي تسكن الجميع بإنسانيته المفرطة، وأستاذيته المتعددة المدارك، ودوره الريادي في حركية التأسيس للدرس المسرحي الجامعية، وانخراطه كمثقف في تأطير الأجيال القادمة ضمن سيرورة الفنون فضلا عن عشقه للفرجة المسرحية.
تطرق خالد أمين في الورقة الافتتاحية لملف العدد “لماذا المسرح وفن الأداء: الممر الفاصل/ الواصل؟” إلى إمكانات المسرح بوصفه قلعة لمجابهة كل أشكال المحو، وقدراته المهمة في التأقلم مع ثقافة العصر وتقنياته في أفق تمثلها وتطويعها وهو ما أسهم في حدوث “تغييرات عميقة على مستوى بنيات إنتاج الممارسة المسرحية في العقود الأخيرة بفضل تفاعل المسرحيين مع الفنون الأخرى المجاورة مثل ‘فن الأداء’ والأداءات الفنية المجاورة المتسمة بخاصية التفاعل مع الجمهور… بالإضافة إلى تأثيرات المنعطف الوسائطي، واستيعاب الثقافة الرقمية وتقنياتها الجديدة أثناء صناعة الفرجة إلى حد الإفراط أحيانا. فمنذ ستينيات القرن الماضي انجرفت الممارسة المسرحية مع التيارات الحداثية العارمة التي خلخلت أسس ونظريات المسرح الحديث. فلم تعد تستقر على حال. وبحلول العقد الأول من الألفية الثالثة أصبح المسرح مستوعبا أكثر فأكثر خبرات الفنون الأخرى، وفن الأداء بشكل خاص”.
يضيف أمين “صحيح أن فن الأداء، من الناحية التاريخية والنظرية، ظاهرة أمريكية بامتياز رغم انتشار المفهوم وتداوله عالميا، كما يؤكد ذلك مارفين كارلسن في كتابه القيم “فن الأداء: مقدمة نقدية”. غير أن بوادر هذا الفن التجريبي المتعدد الاختصاصات حيث تتناسج شتى أنواع الفنون السبعة السمعية البصرية كانت قد ظهرت مع تجارب المستقبليين الإيطاليين والروس بعد الحرب العالمية الثانية (أمثال مارينيتي وماياكوفسكي)، والتجارب الفنية الدادائية رفقة هوغو بال وآخرين، وتجارب جماعة فلوكسيس، ومجموعة غوتاي اليابانية، وإبداعات جون كايج… كما ظهرت البدايات الأولى لفن الأداء بفرنسا بداية الخمسينات مع جورج ماثيو الذي رسم لوحة على منصة مسرح سارة بيرنار خلال عشرين دقيقة أمام الجمهور. وابتداء من ستينيات القرن الماضي سيصبح فن الأداء ظاهرة فنية كونية من حيث هو توليف فني يتجاوز الحدود بين الفنون السبع، وبين الفن والحياة بخاصة. ومع ذلك، يعد فن الأداء مجالا يشوبه الكثير من الالتباس وسوء الفهم حتى فيما يتعلق بمفاهيمه المؤسسة…  غالبا ما يتم تعريف فن الأداء بوصفه نقيضا للمسرح بدعوى أنه يتحدى الأشكال الفنية المكرسة والمعايير الثقافية التي تنتجها. والحال أن المسرح بدوره لم يستكن إلى المهادنة منذ بداياته الأولى، بل أبدع في طرائق تفكيك بنياته والانبعاث
يعتمد فن الأداء على حدث مشهدي عابر، لكن من الصعب نسيانه. ولعل أبرز خاصيات فن الأداء التي تميزه عن المسرح وباقي فنون العرض الأخرى هي كونه غير خاضع لأية قواعد فنية متعارف عليها؛ إذ قد يكون الأداء مسليا أو مثيرا للرعب، كما قد يكون داخل قاعة متحف أو مقهى، أو غرفة نوم، أو حافلة، أو سوق عمومي، أو ساحة… الخ. لكنه يبقى دائما حدثا فنيا استثنائيا راسخا في الذاكرة. فأعمال الفنانة اليوغسلافية مارينا أبراموفيش (1946-)، التي تعد من رواد فن الأداء، تعتمد جسدها من حيث هو موضوع ووسيلة تعبيرية في فنها وذلك منذ بداية السبعينيات، حتى إن ذلك قد أدى في الكثير من الحالات إلى إلحاق أضرار بهذا الجسد الشقي. مع حلول السبعينات من القرن الماضي، أصبح فن الأداء مفهوما كونيا؛ وأصبح يعني بالدرجة الأولى: أنه فن مباشر، لكنه ليس مسرحا… إذ لا توجد حدود لفن الأداء. كما أن تفاعل التقنية مع الخيال سيجعله مشرعا على آفاق تجريبية رحبة. “لقد أبان كل من المسرح وفن الأداء باستمرار اهتماما خاصا بالتأمل في البنيات المشكلة للفرجة وصيرورات التحول المتناسجة المرتبطة بها، وذلك منذ ستينيات القرن الماضي.” لإيريكا فيشر ليشته، The Transformative Power of Performance، (181)
ويشارك في هذا الملف الذي أعده كل من هشام بن الهاشمي ومحمد العناز عدد من الأكاديميين في مقدمتهم عبد الرحيم جيران بدراسة موسومة بـ” الميتا- ذاكرة والمستذكر فيه في ألف ليلة وليلة (الحكاية الإطار)”، في حين تقارب دراسة عبـــد المجيـــد اهــــــرى “من الحدود إلى العتبات: أشكال المثاقفة والتناسج وإشكال الخصوصية الثقافية”، وتدور دراسة سعيد موزون حول “السردية الدراماتورجية في مسرح برتولد بريشت وصمويل بيكيت”. أما دراسة سعيد كريمي فجاءت بعنوان “جدلية التمثيل والأداء في مسرح روميو كاستلوسي بين التلقائية والإبهار”، تعقبها دراسة سمية الحاج عمر عن “المسرح وفن الأداء: وهم الفصل وحقيقة الارتباط”، وتنصب دراسة مصطفى رمضاني حول “منعطفات التمسرح بين فنون الأداء وفن المسرح: فرجة اشريكة جات نموذجا”، أما دراسة محمد نوالي تقارب “عتبة المسرح وفن الأداء”، ويفكك لحسن احسايني في دراسته “جسد الممثل بين الأداء الطبيعي والأداء الفني” بينما تدرس ليلى بن عائشة “توقيع الروح بالجسد /تجليات الجسد المعنّى بين الفرجة الطقسية والمسرح”. أما دراسة مفتاح خلوف فتحلل “أنساق التعبير الجسدي بين سيميائية الحركة وتكاملية الأداء المسرحي التواصلي” في حين تدرس جميلة مصطفى الزقاي “تجليات جمالية الفرجة الأدائية المعاصرة في المسرح العربي المعاصر بين التعرضن والتقليد” وتليها دراسة يوسف الريحاني عن “استنفاذ التمثيل أو ما بعد تمركز اللغة” ثم دراسة المصطفى شرفي حول “أطياف بكيت Beckett أو الكف عن التمثيل”. أما دراسة محمد نوح المهنا فيتناول فيها “ملامح الأداء الفني في عروض فرقة aod” تقبها دراسة أحسن تليلاني حول “صناعة الفرجة في مسرح القوال والحلقة” في حين تخوض دراسة محمد سيف في إشكال “الممثل وإزالة القناع عن نفسه تماما” أما  دراسة يوسف أمفزع فجاءت بعنوان “نحو بيداغوجيا لفنون الأداء”، ويختتم العدد بترجمة هشام بوغابة لدراسة إلين أستون حول “المسرح والأداء: مقاربة جدلية”.  كما شارك عبد الحي الديوري في القسم الأجبني بدراسة حول Art Frontiéres ( the 1952 black mountain college untitled Event)، وتطرق كل من جمال القبلي ومحمد المجدقي  إلى ” Towards Interweaving choreographed bodies in sutra”، وتناولت دراسة رفيقة زهروني ” Reading rituals in wole soyinka’s death and the king’s horseman “.
وعن هذا الملف العلمي يقول خالد أمين مدير مجلة دراسات الفرجة: ” فعلى الرغم من انتشار فن الأداء في ربوع العالم يصعب الحديث عن ترسيخه في عالمنا العربي كممارسة فنية… وذلك راجع ـ بالدرجة الأولى ـ إلى القيود المفروضة على الجسد الفرجوي في حدود علاقته بالمجال العمومي على أكثر من مستوى… لقد تأثر المسرح بكل هاته الديناميات إلى درجة أصبح معها من الصعب تمييز الحدود بين الممارسة المسرحية الصرفة وباقي فنون المدينة. كما تأثر بتراكم الخبرات المسرحية التي تفاعلت مع مختلف دعوات الثورة على القوالب الجاهزة التي أصبحت تضيق الخناق عليه، بما فيها تقليد البروسينيوم الذي يقسم المسرح إلى ركح/صالة..
والملاحظ هو انتشار ظاهرة المؤدي في مسارحنا العربية المعاصرة، وهو شخصية مجوقة. غالبا ما يندفع المؤدي نحو ميكروفون ما من أجل تحقيق وهم ذلك التدفق المفاجئ لدواخل الذات ومعاناتها وانكساراتها. وهنا تحديدا يصبح الميكروفون الآلية التي تمكن من تحقيق عملية البوح، من جهة، ووسيلة الانفتاح على الآخر (الجمهور)، من جهة ثانية. وهو في نهاية الأمر أداة وسائطية تذكر مستعمليها بأنهم بصدد مخاطبة أناس آخرين عبر أثير ما…. فاستعمال المسرحيين للميكروفون ينم عن إدراك عميق لأهمية توظيف ممكناته بوصفه جهازا إلكترونيا يحول الموجات الصوتية إلى طاقة كهربائية؛ وبالتالي فهو يخلق قناعا صوتيا إلكترونيا يحجب الصوت الحقيقي للممثل. وهنا أيضا نكون إزاء قطيعة مع التمثيل المصطنع والاندماج مع الشخصية. كما أن نص المونولوج، غالبا ما يقدمه الممثلون/ المؤدون وهم في وضعية جسدية ثابتة لا تعكس تعبيرا معينا، وهي وضعية أشبه بالقناع المحايد لدى جاك لوكوك؛ وهذا القناع يزيح الاندماج الكلي في الشخصية.

Related posts

Top