محاربة الرشوة…مرة أخرى

دخلت الاستعدادات الجارية للشروع في تطبيق مدونة السير مرحلة العد العكسي، وآخر ما نقلته الأخبار أن عشرات من عناصر الدرك الملكي ومن الشرطة باشروا تكوينا في كل من بنسليمان والقنيطرة لاستكمال الخبرة، وللاطلاع على مقتضيات القانون الجديد وسبل القيام بتطبيقه. وبعيدا عن الفصول ومساطر تنفيذها، وبغض النظر عن الجدل الذي لا زال يطفو بين الفينة والأخرى على السطح وسط مهنيي النقل بخصوص المدونة الجديدة، فإن المناسبة تفرض كذلك إثارة الانتباه إلى استشراء الرشوة على طرقاتنا، وبالتالي فساد الأجهزة الموكول لها إنفاذ القوانين.
كل الجهود التي تقوم بها السلطات في إطار محاربة الرشوة والفساد، تصبح بلا معنى، عندما يصطدم المواطنون والزوار بدوريات مرابطة في عدد من طرقاتنا همها الأول جمع «الروسيتا»، وجعل عناصر الدورية وغيرهم يعودون لبيوتهم في نهاية اليوم «غانمين»…
الكلام هنا لا يعني أن «أولاد عبد الواحد كلهم واحد»، إنما القصد أن الفساد موجود، والرشاوى تملأ طرقاتنا، والسائقون، وأيضا المواطنون يتداولون باستمرار فيما بينهم العديد من الحكايات والكثير من التفاصيل والدلائل وحتى الأسماء والعناوين.
هنا مدخل مناسب لمحاربة الفساد، ولجعل الناس يثقون في الإصلاح، ويتعبأوون للدفاع عن مدونة السير الجديدة وإبراز الحماسة لتطبيقها.
إن الفساد المستشري في الطرقات، بقدر ما أن له مسؤولية في حوادث السير وفي حرب الطرقات المرعبة، فإنه أيضا يمس في الصميم مستقبل الإصلاحات الكبرى التي تخوض فيها البلاد على مستوى محاربة الرشوة والفساد، وتكريس النزاهة.
المغرب منخرط، منذ سنوات،  في مسار محاربة الرشوة والفساد، ومن أجل تخليق الحياة العامة، وقام بجهود معروفة على هذا الصعيد، وأحدث آليات وتشريعات، ويواصل المسيرة اليوم بجعله هذه المعركة من أولوياته السياسية والقانونية والمؤسساتية، لكن عندما يصطدم المواطن بضرورة أداء الرشوة على الطريق، وأيضا داخل المقاطعات، وفي المستشفيات العمومية، وكل ذلك مقابل إنجاز مصلحة بسيطة هي من صميم حقوقه البديهية، فإن الثقة في الإصلاح وفي المستقبل، تتحول إلى يأس وإلى إحباط، وترتفع الثقة في أي شيء يرتبط بالبلاد وبمستقبلها، وهنا مكمن الخطورة.
عندما وجه جلالة الملك إشارته القوية في الحسيمة ضد الفساد، فإن ذلك حمل معنى الرسالة للجميع، بضرورة القطع مع عقلية التلاعب بالقانون، ومع سلوكات التحايل والفساد والاغتناء على حساب المنصب والمسؤولية…
إن عدم الانخراط في هذا الحزم الملكي يجعلنا أمام خطر يتهدد المجتمع، إنه خطر الفساد عندما يستشري ويتحول إلى ثقافة.

Top