قال محمد ابن يحيا، المدير العام للوكالة المغربية للنجاعة الطاقية، إن المملكة المغربية تعتمد استراتيجية طاقية واعدة، تهدف إلى تنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، لضمان الأمن الطاقي الوطني، وخفض نفقات الميزانية على الوقود الأحفوري بالإضافة إلى المساهمة في التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة وضبط الطلب على الطاقة من خلال الاستخدام المعقلن لها.
وأبرز ابن يحيا، في حوار خاص مع بيان اليوم، على هامش قمة “كوب 28” بدبي، أن أمامهم تحد كبير ومهم يتمثل في تعبئة الموارد المالية لتشجيع الفاعلين، موضحا أن النجاعة الطاقية لا تشكل تحد للوكالة فقط، بل لكل مستهلكي الطاقة.
وشدد ابن يحيا، على أن التغيرات المناخية ببلادنا ثابتة، مستطردا أن المغرب بفضل السياسية الملكية، يبذل مجهودات للتكيف مع التغيرات، وهي تشكل مسألة أساسية ذات أولوية سواء في المغرب أو إفريقيا.
وأكد ابن يحيا، على أن مسألة العدالة المناخية هي مطلب لدول الجنوب منذ زمن ولم يتحقق، مردفا: “نحن في طريق تحقيق بعض الانجازات، أعترف بأن التطور يمضي بوتيرة بطيئة، يجب تسريعها، لكن هناك إجماع عالمي لأن المجتمعات العالمية والمنظمات من الشمال أو الجنوب أصبحت معبأة في هذا الاتجاه، للضغط على الحكومات في الدول المتقدمة للإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها”.
وهذا نص الحوار:
أي استراتيجية تعتمدونها لتحقيق النجاعة الطاقية على مستوى المملكة المغربية ؟
بداية يجب التذكير بأن المملكة المغربية تعتمد استراتيجية طاقية واعدة، تهدف إلى تنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، لضمان الأمن الطاقي الوطني، وخفض نفقات الميزانية على الوقود الأحفوري بالإضافة إلى المساهمة في التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة وضبط الطلب على الطاقة من خلال الاستخدام المعقلن لها؛ وفي هذا السياق تضع الوكالة المغربية للنجاعة الطاقية (AMEE) على عاتقها تطوير النجاعة الطاقية في القطاعات الرئيسية: الصناعة والنقل والبناء والفلاحة.
وفي هذا الصدد، تعد النجاعة الطاقية إجراء شموليا، يخص جميع القطاعات الاقتصادية؛ وقد أولى الخطاب الملكي لعام 2009 أهمية قصوى للطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية وذلك في إطار الاستراتيجية الطاقية الوطنية، ومنح هذه الأولوية جاء ضمن سياق طاقي غير موات اتسم بارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وتباطؤ في تنمية الموارد الطاقية الوطنية.
لهذا الغرض، حشدت الوكالة AMEE كل الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني، وكذلك الشركاء الدوليين والماليين لتحديد تدابير الدعم التنظيمي والمعياري والتقني والمالي، وكذا حملات التحسيس والتوعية والتكوين لفائدة القطاعات المستهلكة للطاقة.
فالمغرب يتوفر على استراتيجية للنجاعة الطاقية، تضم مجموعة من التدابير، نحن الآن بصدد إعادة النظر فيها بعد 5 سنوات من الأجرأة، كي نقيم الأمور التي لا تزال تعطي أكلها، والتدابير التي تم تجاوزها ويجب إعادة النظر فيها.
كما تعمل الوكالة المغربية للنجاعة الطاقية على تسريع مجموعة من البرامج، ونحن بصدد إنتاج برامج جديدة ذات بعد جهوي تهدف لمواكبة المجالس الجهوية في إعداد وتنفيذ برامجها الطاقية، وأيضا مواكبة الفاعلين في المجال الصناعي والفلاحي.
كما تجدر الإشارة إلى أن الوكالة بصدد توسيع مهامها لتشمل كذلك التنمية المستدامة، لأن هذه الأخيرة ترتبط ارتباطا وثيقا بالطاقة وكذا الاقتصاد الدائري، لأننا عندما نعيد استعمال بعض المواد نقلص من الكلفة ونقلص من انبعاث الغازات الدفيئة ونحقق النجاعة، ويهدف المغرب من خلال استراتيجيته للحد نهائيا مع الانبعاث الكربوني بالقطاع الصناعي والانتقال نحو اقتصاد أخضر.
ما هي أبرز التحديات التي تواجهكم لتحقيق أهدافكم الطموحة؟ وما هي سبل تجاوزها؟
هناك تحد كبير ومهم يتمثل في تعبئة الموارد المالية لتشجيع الفاعلين؛ فالنجاعة الطاقية لا تشكل تحد للوكالة فقط، بل لكل مستهلكي الطاقة، إنه تحد مشترك، يستدعي تعبئة جهود جميع الشركاء، وهذا ما تقوم به الوكالة عبر حملات التحسيس والتوعية وكذا تقوية القدرات، كما لا يجب إغفال التحفيز والدعم المالي عبر آليات اقتصادية ومالية لإنجاح التعبئة المنشودة.
وفي هذا الصدد تم اقتراح مجموعة من الآليات، على الوزارة الوصية لدمجها في قانون المالية لعام 2024، كسن ضرائب خضراء تحفز المستهلكين لاستخدام الطاقات المتجددة، كما أن قانون المالية الحالي يتضمن آليات لتخفيف الضريبة عن القيمة المضافة على استهلاك الكهرباء النظيفة، وخلال هذا العام سنعد تصور موحد للآليات ذات النجاعة للدفع باستعمال الطاقة المتجددة والنجاعة الطاقية، وهذا تحد كبير يستلزم انخراط الجميع.
تحدثتم عن التغيرات المناخية، ما هي التحديات التي يطرحها التغير المناخي الآن على المغرب وكيف ترون السياسات العمومية المنتهجة في هذا الصدد مقارنة مع تحديات الواقع المعاش ؟
أولا نعيش التغيرات المناخية ببلدنا ونلاحظها يوميا، نلاحظ قلة التساقطات المناخية، ارتفاع الحرارة وهذه السنة هي أكثر حرارة مقارنة بالسنوات الماضية، إذن فالتغيرات المناخية ثابتة، وهناك بلدان تعاني من تأثيراتها بدرجة أكبر.
فالمغرب، بفضل السياسية الملكية، يبذل مجهودات للتكيف مع التغيرات، وهي تشكل مسألة أساسية ذات أولوية سواء في المغرب أو إفريقيا، ونذكر منها التدبير المعقلن للموارد المائية وتعبئة موارد غير مألوفة وغير كلاسيكية، كتحلية مياه البحر وتصفية وتحلية المياه العادمة في مجال الري؛ كما يجب أن تتظافر جهودنا جميعا سواء المدن والمقاولات والصناعيين، لتجنب المخاطر المحتملة لندرة الموارد مستقبلا.
فيما يخص التقليل من الانبعاثات، فالمغرب في إطار التوجيهات الملكية السامية انخرط عبر سياسة طوعية في الاستثمار في تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، وهذا يشكل قيمة مضافة لبلادنا لأنه يقوي السيادة الطاقية لأننا باعتمادنا على الطاقات المتجددة نقوي من الاستقلال الطاقي الوطني ونخفض في نفس الوقت من انبعاثات الغازات الدفيئة؛ وهما يشكلان ركيزتا المخطط الوطني للمناخ، أي التكيف مع التغيرات المناخية في كل البرامج (الصناعة والفلاحة والبناء وتدبير المدن والتخطيط الترابي)، وكذلك تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة باعتماد الطاقات المتجددة، بقوة وكثافة، في مجال النقل والصناعة، مما سيسمح للمغرب، في إطار المخاض العالمي حول الطاقات الجديدة، بضخ تمويلات واستثمارات يمكن أن ترفع وتيرة إنجاز هذه البرامج الكبرى.
وأخيرا هناك مشروع الهيدروجين الأخضر، وهو مهم جدا وبلدنا من الدول الثلاث أو الأربع الأولى عالميا التي تمتلك طاقات هائلة في إنتاج الهيدروجين الأخضر عبر الطاقات المتجددة واستعماله على المستوى الوطني سواء في الصناعة والتحويل أو في إنتاج الطاقة والتصدير، وتجمعنا برامج مع شريكنا الأكبر أوروبا في هذا المجال لتصدير الطاقة الجديدة أي الهيدروجين الاخضر.
تتابعون عن قرب هنا بدبي مجريات هذه القمة الدولية للمناخ، كيف تقيمون القرارات المتخذة من الدول ومدى عدالتها بخصوص الدول النامية خصوصا في أفريقيا -على سبيل المثال صندوق الخسائر والأضرار- ؟
أولا بخصوص الصندوق الذي يتم إحداثه، يعد هذا إنجازا كبيرا لإخواننا المصريين في شرم الشيخ في كوب 27، وكان هناك نقاش منذ عشرات السنين حول إحداث هذا الصندوق لصالح الدول النامية التي هي أكثر عرضة لأضرار التغيرات المناخية، ونعلم بأن التعامل مع التغيرات المناخية يتضمن درجات، التكيف أي نتخذ تدابير في مختلف القطاعات للتكيف مع هذه التغيرات، لكن عند تجاوز هذا المستوى يصبح التكيف غير ممكن، وهنا تأتي الأضرار.
فالدول خاصة الصغيرة والجزر طالبت بالتعويض لأن الدول المصنعة تتحمل مسؤولية تاريخية في هذه التغيرات المناخية ويعترفون بهذا، والصندوق يأتي كلبنة أولى للعناية بالأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية؛ وقد كان هناك بعض المانحين الدوليين الذين التزموا بمنح اعتمادات مالية للصندوق، لكنه غير كاف وضئيل جدا بالنظر للمتطلبات، لا أود الدخول في الأرقام لأن الأمر يتعلق بترليونات الدولارات، والآن ما تم منحه بمئات الملايين فقط وهو غير كاف، ويجب مضاعفته 100 مرة، لكنها البداية.
وهناك مسألة أخرى أساسية، هو أن مجموعة من الشركات الكبرى تلتزم بالتحول، وهذا يدخل في إطار البرامج التي تقوم بها المؤسسات غير الحكومية كالمقاولات، فكان هناك التزام بالانتقال من الاعتماد على الطاقات الأحفورية إلى الطاقات المتجددة، وكذلك هناك اتفاق لاتحاد دولي لوقف حرق غاز الميتان المنتج بفعل آبار البيترول أو النفايات، والذي يتحول إلى ثاني أكسيد الكربون، بل أن يستعمل كطاقة ولا يتسبب في التلوث، لأن قوة الاحتباس الحراري للميتان تساوي عشرات المرات الاحتباس الناجم عن ثاني أكسيد الكربون، فإذا قلصنا من استعماله سنساهم في التخفيض الانبعاثات الملوثة.
كما تجدر الإشارة إلى أن الأشقاء في الإمارات بذلوا مجهودات جبارة لتعبئة الدول المعنية بالطاقات الأحفورية وكذلك المقاولات للعمل سويا وبشكل فعال وملموس لتحقيق نتائج تشعر بها الشعوب والمجتمع المدني. هذا مسار يهدف التقليص تدريجيا من الطاقات الأحفورية كي نصل في 2050 إلى مزيج طاقي يزاوج بين الطاقات المتجددة والطاقات البديلة حيث سيكون الهيدروجين في ذروته عوض الطاقات الأحفورية.
أما مسألة العدالة المناخية فهي مطلب دول الجنوب منذ زمن ولم يتحقق، نحن في طريق تحقيق بعض الانجازات، أعترف بأن التطور يمضي بوتيرة بطيئة، يجب تسريعها، لكن هناك إجماع عالمي لأن المجتمعات العالمية والمنظمات من الشمال أو الجنوب أصبحت معبأة في هذا الاتجاه، للضغط على الحكومات في الدول المتقدمة للإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها.
عودة إلى التراب الوطني، كيف تشتغلون مع القطاع العام والخاص لتشجيعه على اعتماد تدابير النجاعة الطاقية ؟
لقد حشدت الوكالة AMEE كل الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني، وكذلك الشركاء الدوليين والماليين لتحديد تدابير الدعم التنظيمي والمعياري والتقني والمالي، وكذا حملات التحسيس والتوعية والتكوين لفائدة القطاعات المستهلكة للطاقة.
فبالنسبة لقطاع البناء، تدعم الوكالة AMEE العديد من المؤسسات العمومية، منها المؤسسات الوزارية، والمؤسسات العامة والجماعات المحلية في تنفيذ تدابير النجاعة الطاقية بمبانيها، تماشيا مع نموذجية الدولة في مجال النجاعة الطاقية وذلك من خلال رفع مستوى التدبير الطاقي في المباني العامة وإدخال تدابير النجاعة الطاقية واستخدام الطاقات المتجددة كبديل لاستهلاكها الطاقي. ويهدف دعم المؤسسات والهيئات العامة إلى التقليل من استهلاكها الطاقي حيث يمكن توفير أكثر من 40٪ من فاتورة الطاقة.
وقد نفذت AMEE أكثر من مائة تشخيص طاقي للمؤسسات والوزارات العامة في مختلف القطاعات (الصحة، الإدارة، التربية الوطنية، التعليم العالي، إلخ)، بالإضافة إلى إنجاز عدد من المشاريع النموذجية لتحقيق النجاعة، بهدف تثمين إمكانات اقتصاد الطاقة في كل قطاع وتعميمها على المباني الأخرى في نفس الإدارة.
فيما يخص مجال الصناعة، تم اتخاذ العديد من الإجراءات ابتداء بالدعم التقني والاستثمار في مشاريع نجاعة الطاقة، وإجراء عمليات افتحاص طاقي للسماح بمعرفة نوعية الاستهلاك وبالتالي تنفيذ حزمة من الإجراءات لتوفير الطاقة تتلاءم مع القطاع من جهة ومع السياق الوطني من جهة أخرى. وبهذا الخصوص تعمل الوكالة AMEE مع مختلف الشركاء على مواكبة ودعم القطاع الصناعي للتقليص من الكربنة، وذلك من خلال أوارش تحسيسية وتكوينية ونشر العديد من الكتب والدلائل التقنية والعملية حول التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، التوليد المشترك للطاقة والافتحاص الطاقي الإلزامي.
في مجال التنقل المستدام فبالإضافة إلى دورات التكوين حول السياقة البيئية والمعايير والحوافز الضريبية، تم تنفيذ إجراءات تحسيسية مع جميع الأطراف المعنية، إضافة إلى تعزيز ممارسات القيادة البيئية الجيدة من خلال الدورات التدريبية وورشات العمل، لزيادة الوعي لدى المستخدمين وصناع القرار المحليين.
من المهم اليوم تعزيز وسائل النقل العام والمركبات النظيفة والصديقة للبيئة مثل (الدراجات والدراجات الكهربائية والمركبات الكهربائية). في الواقع، حاليا يكتسي التحول إلى التنقل المستدام أهمية كبيرة نظرا لأن قطاع النقل يمثل ما يقرب من 38 ٪ من إجمالي الطاقة المستهلكة في بلدنا.
أما في قطاع الفلاحة فقد تم إعداد برنامج الضخ الشمسي بالقطاع الفلاحي بالتعاون مع صندوق البيئة العالمي (FEM) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وذلك للمساعدة في استبدال استخدام مضخات الديزل وغاز البوتان، بمضخات تعمل بالطاقة الشمسية، مع برنامج لتحسيس الفاعلين بالقطاع وأيضا برنامج لتكوين المهنيين وكذا القطاع البنكي. وبفضل المجهودات المبذولة يوجد اليوم أكثر من 60 ألف مضخة شمسية مركبة في المغرب، وعلاوة على ذلك، تقدم منصة التدريب الخضراء الخاصة بـ AMEE في مراكش (مركز الفئة 2 التابع لليونسكو) شهادات مختلفة للعاملين في قطاع التركيب.
وتنظم الوكالة AMEE حملات تواصل وتحسيس حول النجاعة الطاقية بالتعاون مع الجهات الفاعلة العامة والمواطنين، والمهنيين الخواص لدعم التغييرات في السلوك وتقليل النفايات والحد منها.
حاوره مبعوث جريدة بيان اليوم إلى قمة المناخ بدبي عبد الصمد ادنيدن