ينظم مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية، يوم الخميس 23 فبراير 2023، ندوته الثالثة حول “الأدب والفلسفة”، التي خصصها تكريما لروح الفقيد توفيق رشد (أستاذ الفلسفة وعضو المختبر).
ويشارك في الندوة التي تنظم برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، الأساتذة: عبد العلي معزوز، محمد مزيان، رشيد بن السيد، السعيد لبيب، أحمد توبة، إدريس الخضراوي، إدريس جبري، أحمد كوال، إسماعيل شكري، رشيد الإدريسي، عبد اللطيف محفوظ. وفيما يلي ورقة حول الأرضية الخاصة بالندوة:
“تتميز علاقة الفلسفة بالأدب بالتداخل والالتباس، إذ نجد أن الأديب والفيلسوف يتجاوران ويلتقيان في غالب الأحيان، لذلك فإن التفريق بين الفلسفة والأدب ما هو إلا ضرب من الوهم، ولا شيء يسوغ هذا التمييز والشرخ، ذلك أن الفيلسوف يواجه بالضرورة مشكلات
أدبية، مثلما أن الأديب يأنس من نفسه القدرة على لعب دور المفكر، فيجد نفسه غارقا في قضايا وإشكالات فلسفية. فداخل النصوص الأدبية نجد مواقف فلسفية، ونجد بالمثل صورا أدبية في ثنايا الكتابات الفلسفية.
الفلسفة والأدب يتقاطعان في جوانب ومستويات متعددة، لذلك فعلاقة الفلسفة بالأدب لا تحتاج إلى تسويغ أو برهان. قد يقول قائل إن التباين بين الأدب والفلسفة مرتبط بالشكل والمضمون في نفس الآن؛ فاللغة الأدبية مجازية وغير قادرة على التعبير الدقيق عن الحقيقة، كما أن مضامين الأدب تُعْنَى بالفرد وذاته ولا تمتد إلى الكلي والموضوعي. وقد يَرُدُّ عليه آخر بأن الفلسفة والأدب نتاج لنفس الخيال الإنساني الباحث عن الحقيقة والمعبر عنها بالإحساس أو المنطق أو الذاكرة.
إن الأدب يجعل حقل التجربة الإنسانية واسعا ومنفتحا على آفاق رحبة وفسيحة، كما يمنحه قيمة إنسانية كبيرة. وكما يرى تودوروف، فإن الأدب يستطيع الكثير، يستطيع أن يمد لنا اليد حين نكون في أعماق الاكتئاب ويقودنا نحو الكائنات البشرية الأخرى من حولنا،
ويجعلنا نفهم العالم بشكل أفضل، ويعيننا على أن نحيى. ليس ذلك لكونه، قبل كل شيء، تقنية لعلاج الروح فقط، بل هو كشف للعالم، يستطيع أن يحول كل واحد منا من الداخل… الأدب مثل الفلسفة والعلوم الإنسانية، هو فكر ومعرفة بالعالم النفسي والاجتماعي الذي
نسكنه؛ كما أن الواقع الذي يطمح الأدب إلى فهمه هو، بكل بساطة شكل تمظهر التجربة الإنسانية، لذا يمكن القول إن ما تعلمناه من دانتي وسرفانتس، لا يقل عما تعلمناه من كبار علماء الاجتماع وعلماء النفس.
إن الفلسفة تقدم نفسها على شكل نصوص، تجعلنا أحيانا نجد صعوبة في رسم الحدود الفاصلة بين ما هو أدبي وما هو فلسفي، كما نلاحظ ذلك مثلا من خلال أعمال مونتين، وروسو، وكيركجارد ونيتشه…
وانطلاقا من الطابع الإشكالي لتعريف الفكر الفلسفي بالنسبة إلى الفكر الأدبي، فإن سؤال تأويل الفلسفة يتلخص في مشكلة إنشاء المنهج الأكثر ملاءمة لفهم معنى النصوص الفلسفية التي نعرف طبيعتها بشكل مسبق، وطالما لم نعرف ما الذي يجعل هذين النمطين من التفكير مختلفين سنبقى عاجزين عن تأويل كل منهما على حدة.
وهكذا، يمكننا أن نتساءل حول إمكانيات الاستثمار الفلسفي للنصوص الأدبية، على أن
ينطلق هذا التساؤل من احتمالين: الأول يرى أن النصوص الأدبية قد تحمل في طياتها تصورات فلسفية دفينة، والثاني يعد النصوص الفلسفية أشكالا أدبية من حيث كونها نتاجا لنفس الخيال الإنساني.
وعليه، يبدو من المستحيل أن يعيش الفيلسوف بعيدا عن حقل الأدب إذا ما أراد أن يمنح لخطابه شكلا إبداعيا. إن الإبداعات الأدبية تقوم على الخيال، والنظريات الفلسفية تقوم على المنطق، بينما تقوم الاختراعات العلمية على التجربة. لكن، أليس للإبداع منطقه؟ أليس
الاختراع إبداعا؟ أليس المنطق اختراعا لطرق أخرى في الإبداع؟ أليس الإبداع منطقا آخر في تصور الناس والعالم؟
إن التساؤل حول مدى حاجة الفلسفة للإجراءات والطرق الأدبية، وحول مدى قدرة الأدب على إنتاج تفكير فلسفي، يتضمن إشكالية واحدة، هي إشكالية العلاقة بين الفلسفة والأدب. وبناء على كل ذلك يمكننا أن نطرح الأسئلة التالية:
-على أي أساس تقوم علاقة الفلسفة بالأدب؟ وهل هي علاقة اتصال أم انفصال؟
-ألا نجد في الأدب فلسفة؟ وفي الفلسفة أدبا؟
– كيف تساهم الفلسفة في إغناء الخطاب الأدبي؟ وبالمثل ألا يعمل الأدب على إثراء وتجديد السؤال الفلسفي؟
– ما تأثير التحولات الفكرية والعلمية التي يعرفها العالم على العلاقة بين الفلسفة والأدب؟”.