يأتي كتاب «مخرجون واتجاهات في سينما العالم» للناقد السينمائي الراحل سمير فريد (1943 ــ 2017)، في طبعة مصرية صدرت مؤخرا عن هيئة قصور الثقافة، ضمن سلسلة آفاق السينما. وتحت سلسلة مخرجون واتجاهات، أصدر فريد 5 مؤلفات شملت السينما المصرية، السينما العربية، السينما الأوروبية، السينما الأمريكية، إضافة إلى سينما العالم. يستعرض الناقد الراحل أهم التجارب والأساليب السينمائية، التي اشتهر بها العديد من المخرجين حول العالم، الذين أثروا بدورهم بشكل أو بآخر في عالم الفن السينمائي. وفي (سينما العالم) يجمع فريد بين أصوات فنية غاية في التباين، بداية من البيئة والأفكار وتاريخ هذا الفنان أو ذاك، إلا أن اللافت يتمثل في كون معظمهم كانت له رؤية مختلفة عما هو سائد، كما يسود الحِس الانتقادي، والمُحمل في أغلبه بوجهة نظر سياسية وأيديولوجية، تسعى إلى خلق مساحة من الوعي الإنساني لدى المُشاهد، وأنه رغم اختلاف اللغات والأساليب، إلا أن الهم الإنساني واحد لدى الجميع، وأن البحث عن الحرية وقيمة الإنسان الذي يدخل رغماً عنه في صراعات اجتماعية وسياسية، هي الهدف الأسمى لمخرجي السينما في العالم. تأتي مقالات سمير فريد لتستعرض تجارب وأعمال الكثير من المخرجين، نذكر منهم.. أكيرا كوروساوا، عثمان سمبين، ساتيا جيت راي، محسن مخمالباف، جيم جارموش، وآخرون، كما تناول الكتاب هذه الأعمال في الفترة ما بين 1980 وحتى 2006. وفي ما يلي لمحة من هذه الدراسات.
هكذا يرى المخرج السنغالي والأفريقي عثمان سمبين. ويستحضر سمير فريد فيلم سمبين «معسكر تيروي»، الذي عُرض في مهرجان فينيسيا عام 1988. يستعرض وصول القوات الأفريقية التي كانت تقاتل في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية إلى ميناء داكار، وترحيلها إلى معسكر تيروي، قبل أن يعود كل من المحاربين إلى بلده أو قريته، مع ملاحظة أن سمبين نفسه كان من بين هذه القوات. عند عودة هؤلاء وقد شهدوا هزيمة فرنسا ودموية هتلر، فالرجل الأبيض لم يعد هو رجل الاستعمار المتعالي، صاحب الحضارة المُفترضة. من ناحية أخرى يمثل الفرنسيون العنصرية الغربية في افريقيا، ويتعاملون كما تعامل معهم الألمان، حتى أن المعسكر نفسه أصبح شبيهاً بمعسكرات النازي. وتبدو شخصية الكولونيل (دياتا) الذي يقرأ بالفرنسية ومتزوج من فرنسية، أنه رغم الانتماء لهذه الثقافة، إلا أنه ينتصر للثقافة المعادية للاستعمار والعنصرية. وعندما تفتش الشرطة العسكرية حجرته في المعسكر ويجدون بعض الكتب، يقول أحدهم: إنه شيوعي، فيرد عليه آخر: كل المثقفين شيوعيون.
الفيلم السوفيتي «آنا كارامازوفا» هو الأول لمخرجه روستام كمداموف، ويدور حول امرأة تخرج بعد سنوات من الاعتقال في عهد ستالين. يذكر سمير فريد أن مخرج الفيلم فنان تشكيلي بالأساس، والفيلم عن امرأة تبحث عن ذاتها، في ماضيها وحاضرها وأحلامها، وصولاً إلى مصيرها المحتوم الموت. وينقل فريد بيان المخرج عن الفيلم، الذي جاء اسمه نتيجة واقعة حدثت لفلادمير نابوكوف، إذ سأله طالب ذات يوم في جامعة أمريكية، عن رأيه في رواية «آنا كارامازوفا»، فأدرك نابوكوف أن الطالب يخلط بين آنا كارنينا والأخوة كارامازوف. ولعل بيان المخرج يوضح المعنى الدال والساخر، الذي جعله عنواناً لفيلمه الأول، فيقول: لقد نشأت في الاتحاد السوفييتي ولم أحصل على أي شيء منه. طوال كل هذه السنوات كان كل شيء في الاتحاد السوفييتي لا يصلني. ولهذا اخترعت هذه المرأة، التي هي مثلي لا يصلها شيء من كل ما يدور حولها، كل شيء حولها فارغ من المعنى، هذه المرأة تعرف أنها لا تملك إلا أن توجد وتموت.
ومن خلال التعرض إلى العديد من الأفلام والأسماء والتجارب السينمائية، يذكر سمير فريد تجربة لافتة تخص المجتمع المصري في خمسينيات وستينيات القرن الفائت، وهو عمل وثائقي بعنوان «تكملة مصرية» إنتاج عام 2005، لمخرجته الفرنسية والمصرية الأصل كلود غرونسبان، حيث تقوم غرونسبان بالبحث عن جذور والدها بين القاهرة والإسكندرية، خاصة أن الرجل من المصريين اليهود، والشيوعي الذي طالته يد عبد الناصر، حتى غادر مصر إلى فرنسا منذ عام 1961.
ومن خلال البحث عن تاريخ الرجل، يأتي المعتقلون القدامى للحديث عن تجربتهم في تلك الفترة، وحسب سمير فريد تعبر المخرجة عن دهشتها من دفاع بعض الشيوعيين عن عبد الناصر، رغـــم أنهم اعتقلوا في عهده.
فالعامل البسيط يقول إنه لولا التأمين الصحي الذي حققه عبد الناصر للعمال، لما تمكن من علاج مرضه في شيخوخته، وصولاً إلى رفعت السعيد ـ رئيس حزب التجمع وقتها ـ الذي يقول إنه مع عبد الناصر في كل شيء، ما عدا موقفه من الديمقراطية وحلّ الأحزاب! ويختتم فريد بعبارات تفسر موقف هؤلاء قائلاً.. فالشيوعي مثل الناصري من حيث إيمان كل منهما بالحكم من خلال حزب واحد، ويشتركان في ذلك مع الإخوان المسلمين، والثورة الإسلامية في إيران، ولهذا يمكن تحالف الشيوعي مع الناصري مع الإسلامي، ولكن الغريب أن يتحدث كل منهم عن الديمقراطية، إلا إذا كان المقصود بالديمقراطية أسلوب للوصول إلى الحكم، وعندها يكون القرار الأول إلغاء كل الأحزاب الأخرى باسم الديمقراطية، كما فعل هتلر في ألمانيا عام 1933.
مخرجون واتجاهات في سينما العال
الوسوم