مخيمات تندوف تستقبل دي ميستورا بأطفال مجندين

زار المبعوث الشخصي للأمم المتحدة للصحراء، ستيفان دي ميستورا، المخيمات التي نصبتها الجزائر لاحتجاز مواطنين من جنسيات مختلفة بتندوف، وصفعه منظر أطفال أثقل النظام العسكري الجزائري أكتافهم الصغيرة ببندقيات للقتل عوض الجلوس في طاولات المدرسة لتلقي العلم.
سارعت الجزائر إلى تأثيث المشهد ونظمت معارض ولقاءات وأضفت على المشهد العام لمسة مفضوحة توحي بأن المنطقة تعيش أجواء الحرب.
أطلعت الجزائر دي ميستورا على ما أرادت أن يراه من منشآت ضخت المليارات من مصروف شعبها البائس على إحداثها وتزيينها، وحجزت دميتها ابراهيم غالي في الجزائر العاصمة حتى يكون آخر بيدق يراه المبعوث الأممي قبل السفر إلى قصر المرادية.
بعد البهرجة والضجيج الذي أحدثه المحتجون المغلوب على أمرهم، لم يقدم المدعو محمد عمار الذي عينته الجزائر ممثلا للمرتزقة في الأمم المتحدة، جديدا يذكر. بل لم يتفوه إلا بما أمرته المخابرات العسكرية أن يقول من كلام يقلل من أهمية الخطوة الأممية، وقولته وكالة الأنباء الجزائرية ما قاله وما لم يصرح به.
بمعنى آخر، وذلك ما يدركه دي ميستورا جيدا، لم تكن زيارة تندوف، ولا حديث المدعوين محمد عمار وإبراهيم غالي سوى مضيعة للوقت، مادام أن الأمر أعطي لهاتين الدميتين بأن يخبرا المبعوث الأممي أنهم في “حالة حرب”، وانهم لا ينتظرون منه شيئا، وأن قصر المرادية سيتحدث بدلا عنهم بصفته الوصي والمختلق لنزاع لا يريده قصر المرادية أن يحل لأن في ذلك نهاية للنظام العسكري الجزائري.
دي ميستورا ليس غبيا. فالرجل راكم تجارب طوال حياته الديبلوماسية. وهو يعلم أن محطته القادمة في الجزائر لا يرجى منها شيئا مادام أن الجارة الشرقية لا تريد من هذه الزيارة أن تكون انطلاقة فعلية لتنزيل المساعي الأممية لتحقيق تقدم في النزاع المفتعل في الأقاليم الجنوبية. ولعله أخذ علما بذلك في تندوف، وبات يذرك أكثر من أي وقت مضى أن النظام العسكري في الجزائر هو من يمسك الطرف الآخر من الحبل في هذا الملف المفتعل، والذي لا يراد له أن يجد حلال في إطار العملية السلمية التي تم تدشينها الخميس المنصرم بالرباط، في اللقاء الذي جمع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ستيفان دي ميستورا، بحضور السفير، الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى هيئة الأمم المتحدة، عمر هلال.
وكان بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج قد ذكر أن الزيارة الإقليمية لدي ميستورا تندرج في إطار تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2602، المعتمد بتاريخ 29 أكتوبر 2021، والذي جددت فيه الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة دعوتها لكل الأطراف مواصلة مشاركتهم في مسلسل الموائد المستديرة، بروح من الواقعية والتوافق، من أجل الوصول إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم وقائم على أساس التوافق.
وأضاف البلاغ أن الوفد المغربي جدد خلال هذه المباحثات، التأكيد على أسس الموقف المغربي كما ورد في خطابي جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ45 والـ46 للمسيرة الخضراء.
وفي هذا الصدد، أكد جلالة الملك، في الخطابين المذكورين، التزام المغرب باستئناف العملية السياسية تحت الرعاية الحصرية لهيئة الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وفي إطار مسلسل الموائد المستديرة، وبحضور الأطراف الأربعة.
وتأتي زيارة المبعوث الأممي في سياق مغاير للزيارات السابقة التي قام بها نظراؤه الأمميون، حيث تشهد قضية الوحدة الترابية للمغرب دعما دوليا متصاعدا.
لقاء دي ميستورا وبوريطة وعمر هلال أطرته مخرجات قرار مجلس الأمن الأخير، وارتكز على موقف المغرب الواضح والصريح، والذي سبق لجلالة الملك محمد السادس أن أكد بخصوصه في خطابه المسيرة الخضراء أن المغرب لا يتفاوض على صحرائه، بل يتفاوض فقط من أجل إيجاد حل سلمي للنزاع المفتعل.
وبتزامن مع مباحثات المغرب مع دي ميستورا، أكدت قصاصة لوكالة الأنباء الإسبانية “يوروبا بريس”، أن مخطط الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب بغية الطي النهائي للنزاع حول الصحراء المغربية، يحظى بـ “دعم غير مسبوق”.
وسجلت قصاصة وكالة الأنباء الإسبانية أن دولا كالولايات المتحدة، ألمانيا وفرنسا أشادت بمقاربة المغرب وأبرزت أهمية مخطط الحكم الذاتي في تسوية هذه القضية.
وذكرت بأن الإدارة الأمريكية كانت قد اعترفت في دجنبر 2019 بسيادة المغرب على الصحراء، وبأن الحكومة الفيدرالية الألمانية نوهت مؤخرا بأهمية مقترح الحكم الذاتي، واصفة إياه بـ “المساهمة المهمة”، فيما اعتبرته فرنسا “المسار الوحيد” الكفيل بوضع حد لهذا النزاع المفتعل.
بمعنى آخر، فإن الدول الكبرى المؤثرة توجه رسائل غير مشفرة للنظام الجزائري الذي يعيش الترهل والصراعات الداخلية الخطيرة، مفادها أن لا حل للنزاع المفتعل سوى مقترح الحكم الذاتي، كسبيل أوحد لحفظ ماء الوجه بعد ستة وأربعين سنة من الزج بالمغرب في أتون لا يرحم رسم معالمه القذافي، وأنجزه بوخروبة بكثير من الحقد الدفين.

مصطفى السالكي

Related posts

Top