معالم وحضارات اندثرت بسبب الحروب

هناك العديد من اثار الأمم الماضية محى معالمها الزمن بفعل العوامل الطبيعية، غير أن هناك العديد من الحضارات التي اندثرت بسبب الحروب، مثال على ذلك حضارة بغداد القديمة التي دمرتها حروب المغول في العهد القديم. 

وتعبر الكثير من المعالم الأثرية والتاريخية عن حضارات عديدة محتها الحروب تماما ولا يعرف عنها شيئا سوى من الكتب، مثل مكتبة الاسكندرية القديمة. في الحروب تسعى كل قوة لطمس معالم القوى الأخرى من تاريخ وكتابة ومعالم وثقافة شعب، أما عن طريق الحرق مثل ما حدث بالإسكندرية القديمة أو عن طريق رمي وحرق الكتب مثل ما حدث قديما ببغداد أو عن طريق هدم الأثار وبقايا تلك الشعوب وتراثها المعماري والحضاري أو عن طريق تهجير أهلها منها مثل ما حدث بالأندلس. فالحروب تبقى آثارها بعدما تسكن أصوات المدافع والرصاص. يدفن القتلى ويعالج الجرحى وتبقى المدن المدمرة ركام وبقايا حطام يعاد بناء بعضه ويبقى آخر شاهدا على تلك الصراعات.

بيان اليوم ترصد بعض الأماكن التاريخية التي دمرتها الحروب

الحروب الرومانية – البارثية

الحروب الرومانية -البارثية هي الجزء الأول من سلسلة الحروب الرومانية -الفارسية والتي بدأت منذ احتكاك روما مع الفرس لأول مرة عام 92 قبل الميلاد واستمرت بلا نهاية حتى الفتح الإسلامي بعد أكثر من سبعة قرون. كان مسرح هذه الحروب سورية وما بين النهرين (ما بين النهرين = شرق سورية الحالية وجنوب شرق تركية والعراق)، وكانت تمتد أحيانا لتصل إلى أرمينية والقوقاز. ورغم أن هذه الحروب كانت حروبا مروعة ومكلفة واستمرت لسبعة قرون، إلا أنها لم تسفر عن أي تغير دائم في الحدود بين الإمبراطوريتين، حيث إنه رغم نجاح الفرس في احتلال سورية أو أرمينية أحيانا ونجاح الرومان في احتلال ما بين النهرين أو أذربيجان أحيانا أخرى، إلا أنه لم تكن لدى أي من الطرفين يوما القدرة الاستراتيجية على الاحتفاظ بالإقليم الذي يحتله، وهكذا فإن النتيجة دائما ما كانت انسحاب المحتل من الإقليم الذي احتله بعد نهبه وتدميره. وكان لاشتداد وتيرة هذه الحروب واشتداد شراستها خلال القرنين السادس والسابع الميلاديين أبلغ الأثر في إضعاف كلي الإمبراطورتين وتركهما فريسة سهلة للفتح العربي الإسلامي. عندما دخل بومبيوس سورية عام 64 قبل الميلاد كانت هناك هدنة بين الرومان والبارثيين، ولكن هذه الهدنة انتهت مع قيام الجنرال الروماني ليكينيوس كراسوس بمحاولة غزو فاشلة لما بين النهرين عام 53 قبل الميلاد تكبد الرومان خلالها خسائر جسيمة في معركة معركة قرهاي (قرهاي هو الاسم اللاتيني لحران)، ورد البارثيون بمحاولة غزو فاشلة أيضا لسورية عام 51.

تدخل البارثيون أثناء الحرب الأهلية الرومانية الكبرى أو ما يعرف بحرب قيصر حيث أرسلوا قوة لفك الحصار القيصري عن مدينة أفامية والتي كان محاصرا فيها أحد الجنرالات الموالين لبومبيوس، وبعد انتهاء الحرب أعد قيصر حرب المحررين) تدخل البارثيون لنصرة بروتوس وكاسيوس قتلة قيصر ضد أنطونيوس وأوكتافيوس المطالبين بدمه، وبعد هزيمة الأولين في معركة فيليبي في اليونان تحالف البارثيون مع أحد الجنرالات الموالين لهما وقاموا بغزو سورية واليهودية وتقدموا نحو آسية الصغرى. ولكن انتهاء الحرب الأهلية سمح للرومان بصد الغزو البارثي لآسية الصغرى ثم التقدم نحو سورية وإخراج البارثيين منها ومن اليهودية بعد معركة عند البوابات السورية في لواء الإسكندرون حاليا. وحاول البارثيون العودة مجددا عام 38 ولكنه تم صدهم وقتل قائد حملتهم باقوروس. ( وبعد أن أحكم الرومان سيطرتهم على الأقاليم التي استعادوها قاد ماركوس أنطونيوس حملة ضخمة لغزو أذربيجان بالتعاون مع الأرمن، ولكن البارثيين صدوا الهجوم مكبدين الرومان خسائر فادحة. وفي عام 33 عاد أنطونيوس مجددا إلى أرمينية سعيا لتشكيل حلف بينه وبين الميديين ضد بارثية وضد أوكتافيوس خصمه في روما، ولكنه اضطر للمغادرة بعد ذاك وسقطت المنطقة بكاملها في أيدي البارثيين. نظرا لأهمية موقع سورية على الحدود مع الإمبراطورية البارثية أحد أخطر أعداء روما بالإضافة إلى احتوائها على إقليم اليهودية كثير التمرد فإنه دائما ما كانت هناك قوة عسكرية رومانية كبيرة في سورية، وفي العصر الإمبراطوري الباكر (البرينكيباتي) كان هناك ثلاثة فيالق على الأقل متمركزة بشكل دائم في سورية، وهذا الحجم الكبير للجيش السوري جعله دائما ورقة مهمة في الحروب الأهلية الرومانية.

نهاية الحشمونين

أعطى بومبيوس عام 64 مملكة اليهودية وضعا خاصا حيث سمح لها بالبقاء ككيان يهودي على أن تكون تابعة إداريا لمقاطعة سورية الرومانية، وهكذا فإن مملكة اليهودية في العهد الروماني لم تكن مملكة مستقلة تدور في فلك روما (بخلاف مملكة أرمينية ومملكة الأنباط العربية المجاورة لليهودية اللتين سمح لهما بومبيوس بالاستقلال شرط الولاء لروما ودفع الجزية) ولم تكن اليهودية أيضا مقاطعة رومانية مستقلة حيث لم يكن لها حاكم خاص بل كان يديرها برايفكت، وهو مسؤول من الرتبة الإقوسطرية وهي رتبة أدنى من الرتبة السناتورية، التي تكون لحكام المقاطعات، وبالتالي فإنه لم يكن يملك الكثير من صلاحيات حاكم المقاطعة والتي بقيت لدى حاكم سورية العام الذي كان مسؤولا عن إدارة جميع الأمور المالية والاقتصادية لليهودية ومن ذلك جمع الضرائب بالإضافة لمسؤوليته عن إجراء التعداد والإحصاء ومن ذلك الإحصاء الشهير الذي أجراه الحاكم كويرينيوس في عموم سورية وفلسطين قبيل ولادة المسيح.

قام أولوس غابينيوس حاكم سورية في عام 55 قبل الميلاد بتقسيم اليهودية إلى خمس مناطق إدارية عرفت بـ (Sanhedrins) أو (Synedrions) مجالس قانونية.

عند الغزو البارثي لسورية واليهودية عام 40 قبل الميلاد أزيل ملك اليهودية الحشموني وحكام المناطق الإدارية من مناصبهم ونفي الملك إلى بارثية. كان هيرودوس (هيرود) حاكم الجليل أحد الذين أزيحوا عن مناصبهم ولجؤوا إلى الرومان. استغل هيرودوس علاقته مع الرومان وتعاون الملك الحشموني الجديد مع البارثيين وأقنع مجلس الشيوخ بتعيينه ملكا على اليهود عام 40 رغم أنه لا ينتمي إلى السلالة الحشمونية. وعندما استعاد ماركوس أنطونيوس سورية واليهودية تم تنصيب هيرودوس ملكا على اليهود وبذلك انتهى حكم السلالة الحشمونية. عرف هيرودوس بعدها بهيرودس الكبير، وبعد وفاته سنة 4 قبل الميلاد تقاسم أبناؤه الثلاثة اليهودية.

انتهت الجمهورية الرومانية فعليا في عام 31 قبل الميلاد مع انتصار أوكتافيوس في معركة أكتيوم البحرية على الجيش المشترك لأنطونيوس وكليوباترا آخر ملوك البطالمة في مصر، ومن ثم حصول أوكتافيوس على العديد من الامتيازات والصلاحيات وآخرها حصوله من مجلس الشيوخ على لقبي أغسطس Augustus (المبجل) وبرينكبس Princeps (المواطن الأول) في عام 27 قبل الميلاد، وبذلك صار أغسطس فعليا أول أباطرة الإمبراطورية الرومانية تحت اسم أغسطس قيصر، رغم أن الجمهورية بقيت اسميا.

> إعداد: سعيد أيت اومزيد

Related posts

Top