هناك العديد من اثار الأمم الماضية محى معالمها الزمن بفعل العوامل الطبيعية، غير أن هناك العديد من الحضارات التي اندثرت بسبب الحروب، مثال على ذلك حضارة بغداد القديمة التي دمرتها حروب المغول في العهد القديم.
وتعبر الكثير من المعالم الأثرية والتاريخية عن حضارات عديدة محتها الحروب تماما ولا يعرف عنها شيئا سوى من الكتب، مثل مكتبة الاسكندرية القديمة. في الحروب تسعى كل قوة لطمس معالم القوى الأخرى من تاريخ وكتابة ومعالم وثقافة شعب، أما عن طريق الحرق مثل ما حدث بالإسكندرية القديمة أو عن طريق رمي وحرق الكتب مثل ما حدث قديما ببغداد أو عن طريق هدم الأثار وبقايا تلك الشعوب وتراثها المعماري والحضاري أو عن طريق تهجير أهلها منها مثل ما حدث بالأندلس. فالحروب تبقى آثارها بعدما تسكن أصوات المدافع والرصاص. يدفن القتلى ويعالج الجرحى وتبقى المدن المدمرة ركام وبقايا حطام يعاد بناء بعضه ويبقى آخر شاهدا على تلك الصراعات.
بيان اليوم ترصد بعض الأماكن التاريخية التي دمرتها الحروب
كانت الصين واحدة من كبرى الدول التي شهدت تدميرا ثقافيا متعمدا، تجاه الأدب الصيني وذلك في عام 1860م، حيث تم تدمير القصر الصيفي المسمى بيوان مينغ يوان، والذي كان يمثل متحفا للثقافة بالصين.
وكان قد أنشئ إبان القرن الثامن عشر وعاش به العديد من الأباطرة الصينيون من سلالة أسرة تشينغ، والتي حكمت الصين لفترات طويلة، وهذا القصر الذي يعد تحفه معمارية على مر العصور، حيث كانت الصين إبان إنشائه من أقوى الإمبراطوريات الآسيوية على الإطلاق.
كيفية تدمير القصر الصيفي
إبان ما عرفت بحرب الأفيون والتي اندلعت بين كل من بريطانيا والصين، نتيجة لتضارب المصالح التجارية بينهما، ورغبة بريطانيا في ضرب الأداة البشرية الصينية، عن طريق الإدمان وإرسال لمواد المخدرة للصين من خلال التجارة، ولكن الصين تصدت للمحاولات البريطانية بقوة، مما أثار استياء بريطانيا التي أرسلت جيوشها من أجل أن تفتح الصين حدودها للتجارة الخارجية، وتحالفت فرنسا مع بريطانيا بهذا الأمر، واقتحمت قواتهما المشتركة القصر الصيفي بالصين وقاموا بنهبه ثم أشعلوا النيران بباقي محتوياته.
تسبب ما حدث من نهب وسرقة لمقتنيات القصر الصيفي بجرح بالغ للصينيين، وتناولت الأعمال الدرامية هذا الأمر مرارا وتكرارا ، مما يوضح كيف أن الأمر لم يكن سهلا بالنسبة لهم، وبالإضافة إلى ما تم نهبه وتدميره من الكتب نادرة للغاية، بلغ قدر ما تم سرقته من قطع أثرية بحوالي واحد ونصف المليون أثر صيني، لدرجة أن المتاحف البريطانية ما زالت تحتفظ حتى الآن بأجزاء وقطع مميزة من عرش الإمبراطور الصيني، ووضعت المتاحف الفرنسية قطعا أخرى، وتم كتابة جملة قطعة منهوبة من القصر الصيفي في الصين، على إحدى القطع الأثرية المنهوبة.
وقد عبر العديد من الكتاب الفرنسيون عن أسفهم لما حدث من نهب وسرقة للقصر الصيفي بالصين على يد حكوماتهم وكان من بينهم الكاتب فيكتور هوجو الذي استنكر ما حدث، قائلا أن هذا هو ما فعلته الحضارة البربرية بالثقافة والعلم والتراث، وأضاف أنه يرغب في الحياة حتى تسترد الصين كافة مقتنيات قصرها الصيفي، بدعوة من الحكومة الفرنسية.
وجدير بالذكر أن الصين كانت قد استعادت بعض القطع الأثرية خاصتها في عام 2013م، بعد جهود مضنية في البحث عن المتاحف التي تم توزيع القطع الأثرية عليها، خاصة عقب إعلان بيع قطع أثرية نادرة إحداهما رأس أرنب والأخرى لرأس فأر، وكلاهما تم نحتهما من قطع نادرة للغاية، وهذا الأمر أثار غضب الصينيين بشدة، مما جعل الحكومة تكثف مجهوداتها للبحث عن القطع المفقودة والمنهوبة من قصرها الصيفي .
وقد تحول القصر الصيفي مؤخرا إلى مزار سياحي يأتي إليه السائحون من كل حدب وصوب، حيث تركت المباني أطلالا لتبقى شاهدة على ما تعرضت له من نهب وسرقة، على أيدي القوات الفرنسية البريطانية، إبان فترة ضعفها التي مكّنت الدول الأجنبية من احتلالها ونهب تراثها، ويحتوي القصر حاليا على تمثالاً برونزيا خالصا للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو .
ولم يكن هذا الحادث هو الوحيد في تاريخ الصين، حيث سبقه تاريخ طويل من السرقة والنهب لثقافة ومقتنيات الشعب الصيني والذي طالته يد التخريب من تدمير وحرق، ويقدر ما تم نهبه من ثروات الصين الثقافية بحوالي نصف ما هو موجود حاليا ، فكما شرح وذكر الكاتب لوسيان بولاسترون في كتابه كتب تحترق، تاريخ تدمير المكتبات، أن كتب الصين تحديدا قد تعرضت لعمليات متسلسلة من الحرق والتدمير لملايين النصوص والمدونات النادرة والقيّمة للغاية، والتي قامت بأكثرها السلالات التي توالت على حكم الصين، حيث تتبعت كل منها السلالة السابقة لها وقامت بتدمير ما تركته من تراث ومخطوطات، ودمرته.
> إعداد: سعيد أيت اومزيد