معاناة يومية للظفر بمقعد على متن طاكسيات الدار البيضاء

«عييت بالإنتظار ولا طاكسي بغا إيوقف و اخا خاويين»… «شبعوا فلوس بالسيف وولاو دافعين كبير» حوار وليد اللحظة، معاناة مشتركة، تدمر متبادل بين مواطنين بساحة السراغنة يتربصان بسيارات الأجرة لعلهما يظفران بمقعد يحملهما إلى الوجهة المقصودة.
صورة تتكرر باستمرار في كل الشوارع المغربية، انتظار طويل يقابله تعنت من سائقي سيارات الأجرة، منظر أصبح من معالم البيضاء.                                                     
يقول عماد البصيري (اسم مستعار) 45 سنة، مساعد تاجر «مابقيت فاهم والو واش طاكسي لشيرت ليه كيتجاهلني وإلى وقف كيفرض عليك طريقو»، مبعث استغراب هذا الزبون، هو ما بات ينتهجه بعض سائقي سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة بالبيضاء إزاء الزبائن، خصوصا وأنه يتعارض مع ما هو معروف عنها وخاصة الصغيرة منها، بكونها وسائل نقل ذات طابع خدماتي صرف، وتكون تحت تصرف الزبون في المسافة أو الوجهة التي يختارها هو.   

تحكم سائقي سيارات الأجرة الصغيرة في الوجهة يستفز المواطنين

يضطر عدد من المواطنين من سكان الدار البيضاء، ممن دفعتهم الظروف المادية وعدم امتلاكهم وسيلة نقل خاصة بهم إلى الاعتماد على وسائل النقل العمومي، هذا الأخير الذي يعتبر من بين أهم القطاعات وأكثرها حيوية وتأثيرا في الحياة اليومية للمواطن، لذا فأي خلل يصيب القطاع، يؤثر بشكل مباشر على المواطن، الذي ينتمي بدوره وينقسم إلى فئات معينة، تعتمد على وسائل النقل العمومي في حياتها اليومية، وخصوصا سيارات الأجرة التي يعول عليها المواطن في قضاء مصالحه، ويعول على سهولة وجودة استعمالها، خاصة سيارات الأجرة الصغيرة.
عماد مجاهد 28 سنة، يعمل في أحد مراكز الإتصال “أعتمد على سيارات الأجرة الصغيرة كثيرا لأن مكان عملي ليست هناك لا حافلات ولا وسيلة أخرى غير سيارات الأجرة الحمراء“، ثقة المواطن في وسيلة المواصلات هذه، يفترض أن ترمي بثقلها على عاتق أرباب وسائقي سيارة الأجرة، الشيء الذي لا نكاد نراه في التعامل بينهم وبين الزبون اليومي.
“لا أخويا كملت سربيس ديالي صافي ساليت”، هكذا رد سائق أجرة عندما حاولت “بيان اليوم” استفساره عن تصرفه حين رفض نقل أحد الزبائن معللا بأنه حر في نقل من يريد وأينما يريد،و أنه يرد بهذا الجواب عندما يرفض نقل أي زبون تجنبا للمشاكل و المخانقات.
سلوك هذا السائق يمحو عن سيارة الأجرة كوسيلة نقل صفتها الخدماتية وينحو بها إلى أن تدخل في مفهوم الاستغلال والفوضوية، الشيء الذي لا يمكنه إلا أن ينعكس بالسلب على الزبون وحتى على السائق، فلكل منهما على الآخر مجموعة من الملاحظات و التساؤلات.
واستقل طاقم بيان اليوم أحد سيارات الأجرة للتقرب أكثر من سلوك السائقين، وبعد الكشف عن الوجهة، بدأ السائق يتحكم في مسار القبلة، وبعد التعقيب على المسار كشر السائق عن أنيابه قائلا” شوف نتا تعرف غير توصل ما شغلكش في الطريق نمشي منين ما بغيت ما عجبكش الحال عطا الله طاكسيات”.     
السائق من جهة يأخذ على الزبائن، عدم احترامهم لمهنته وإتيانهم بمجموعة من التصرفات التي تزكي ذلك، كالسب والقذف داخل سيارة الأجرة والتدخين واللامبالاة في التعامل مع السيارة، كإقفال الأبواب بشيء من الرعونة إلى ما ذلك من التصرفات، يقول محمد خطي (اسم مستعار) 29 سائق أجرة”صراحة، عديد المرات يفقدك نوع من الزبائن التحكم في أعصابك فتفرغها في زبائن أخرين”.
من جهته، الزبون هو الآخر له على السائق عدة ملاحظات، كالمعاملة السيئة، عدم احترام قانون السير والسرعة المفرطة أحيانا، التدخين وقدم السيارة.
                                  
زبائن من خاص

هناك نوع من الزبائن يفضل خدمة سيارة الأجرة الخضراء رغم تكاليفها إلا أن هذا النوع يفضل دفع أكثر مقابل انتظاره لساعات طوال وتحمل الوقوف في غيابات المحطات وازدحامها، تقول مريم مسعد 27 سنة موظفة “صراحة هذه الخدمة أحسن بكثير من الوقوف وتحمل مشاق التقاط سيارة للأجرة رغم مصاريفها المرتفعة نوعا ما إلا أني أفضلها أكثر”.                                                                                               
أما سعيد سائق أجرة فيقول “خدمة في صالح من تتوفر لديه الإمكانيات إذ تبقى حكرا على  فئة معينة”. هذه الخدمة تبقى وسيلة للذين لا يفضلون الانتظار وتتوفر لهم  إمكانية استعمال هذه “الطاكسيات”.
المسافة والحالة الميكانيكية و تكلفة الوقود وحالة الطرق بل حتى شكل الزبون و لباسه بل الأكثر من هذا جنسه، من بين الأولويات والاعتبارات التي يضعها سائق الأجرة في حساباته قبل أن يوافق على أن يقل زبونا ما إلى وجهته، ولعل هذا ما يفسر بعض الشيء تصرفات بعض السائقين اتجاه الزبائن، التي تتصف تارة بالتعنت وتارة بالاستهجان. يقول محمد خطي “نحن سائقي سيارات الأجرة خاصة الصغيرة لنا ظروفنا ومصاعبنا ونصطدم بعدة إكراهات أهمها الحفاظ على السيارة و توفير الوقود لإستمرارية الكسب …”.
حالة الطرق تشكل الهاجس الأكبر للزبون والسائق على حد سواء فهي تستهلك الوقت وتؤثر بالسلب على نفسية السائق، تقول الصالحي .م 25 سنة موظفة “أستيقظ ساعتين قبل وقت العمل تحسبا لأي تأخير أرسم في بالي ازدحام الطريق والتقاط سيارة أجرة صغيرة، وأستهلك حوالي الساعة  للوصول إلى عملي كل صباح، نصف المدة أقضيها في التقاطعات المرورية المزدحمة”، هذا الواقع دفع بمجموعة من سائقي الأجرة وخاصة الكبيرة منها إلى تحويل مسار عملهم إلى خارج المدينة “المواصلات بعيدة المدى”، مثلا نحو المناطق القريبة من البيضاء كمناطق دروة، تيط مليل، بوسكورة ومديونة…
جمال عرصة 48 سنة سائق سيارة أجرة كبيرة”فضلت المناطق المجاورة للبيضاء نظرا لصعوبة التنقل فيها و هربا من الازدحام”.        
الحالة الميكانيكية لسيارة الأجرة أضحت مشكلة بحد ذاتها، خصوصا وأنها تعتبر المستعمل الأكبر للطريق، كما أنها تمارس الخدمة العمومية، وتقل آلاف الأرواح يوميا، وبالتالي فهي مسؤولة عن سلامتهم، والملاحظ بهذا الخصوص أن أغلبها عتيق الطراز وفي حالة تقنية متدهورة. وفي هذه النقطة يمكن أن نسجل الوعد الذي تقدمت به الحكومة بخصوص تغيير أسطول سيارات الأجرة، يصل إلى 9 ملايين سنتيم لأصحاب سيارات الأجرة الكبيرة و4،5 مليون لأصحاب سيارات الأجرة الصغيرة على أساس عدم استعمال “الطاكسيات” الحالية، لكنه وعد ووجه بالرفض قبل أن يجد طريقه إلى التحقيق من قبل الهيئات النقابية التي دفعت بأن هناك سيارات أجرة مستعملة حاليا تفوق قيمتها الدعم الحكومي المقترح.
رغم هذه الإكراهات العديدة التي يعرفها قطاع سيارات الأجرة إلا أنها لا يمكن أن تنكر على الزبون حقه في النقل وفق شروط تضمن له الراحة والحرية، إلا أنها أيضا لا يمكن أن تنكر على القطاع قوته وأهميته، التي تجلت بوضوح خلال إضرابات مارس الماضي، حين دخل القطاع في مواجهة مباشرة مع الحكومة احتجاجا على “مدونة السير الجديدة “، والكل متخوف من قادم الأيام التي قد تعرف إضرابات وطنية بعد المصادقة على مدونة السير والتي ستطبق ابتداءا من الشهر المقبل                                                    
ولعل أبرز ما يمكن الخروج به كنتيجة من هذه المواجهة هي حقيقة، أن الزبون والسائق يجب أن يأخذا بعين الاعتبار في أي مقاربة تهدف حل مشكل النقل ببلادنا، حتى يظل القطاع داخل إطار تنظيمي محكم، يحول في النهاية دون خضوع الزبون لرحمة سائق “الطاكسي” كنتيجة.   

بيان24

Related posts

Top