مع الإعلام الأجنبي مرة أخرى

في غمرة الحراك السياسي الواضح في البلاد بارتباط مع التغيير الدستوري والاستعداد لاستفتاء فاتح يوليوز، يتساءل العديدون عن سر توارد أخطاء المتابعة والتقدير المهني في تغطيات بعض الإعلام الأجنبي لما تشهده المملكة.
تتعلق الملاحظة الأولى هنا بكون «الحدث المغربي» لم يستنفر قنوات طول اللسان العربية، وكأن وحده الدم والاقتتال يستحق المتابعة الإعلامية، أما عندما ينفرد شعب بتجربة سياسية متميزة ومختلفة تماما، فإن الصمت أو القيام بـ «الحد الأدنى الواجب» هو الأسلوب المفضل.
أما الملاحظة الثانية، وهي هنا الأكثر مدعاة للاستغراب، فتهم القنوات الفرنسية المندرجة ضمن إعلام فرنسا الخارجي، والتي بقدر ما أن تيهها وشرود مراسليها ومبعوثيها يتكرر بين مراسلة وأخرى، فإننا نكاد نعتقد أن الأمر تحول إلى خط تحريري ثابت لديها.
فما معنى مثلا  أن يقال بأن الدستور الجديد يثير تحفظ «قوى سياسية» بمجرد بلوغ الملك آخر كلمة في خطابه، وقبل أن يصدر أي موقف أو تصريح، ناهيك عن لغة الإطلاقية القاتلة.؟
وما معنى الإصرار على القول بأن الدستور الجديد ترك للملك كل الصلاحيات «وأحدهم زاد أن الملك هو الذي يعين الوزراء»، وكل هذا جمع وبث دقائق فقط بعد الخطاب الملكي؟
ثم ما معنى أيضا الإصرار المرضي على تقديم الأمور كما لو أن البلد فيه صراع مباشر بين المؤسسة الملكية من جهة وبين «20 فبراير» من جهة أخرى، وكأن هذا البلد سطل مثقوب لا شعب ولا أحزاب ولا تاريخ لأهله؟
وما معنى أن تعمم وكالة عريقة للأنباء ما مفاده أن المغرب في نهاية الأسبوع المنصرم يعيش جو التوتر عشية الاستفتاء، ولم يشاهد التوتر سوى مراسل الوكالة (وهو مغربي بالمناسبة) الجالس وراء شاشة حاسوبه؟
هل نحسب كل هذا على ضعف مهنية وحياد مراسلي المؤسسات الإعلامية الفرنسية، أم أن الأمر أبعد من ذلك؟
إن المغرب يعيش ديناميته السياسية بشكل مختلف عن بقية الدول العربية المشتعلة هذه الأيام، وهذا معطى أساسي يجب على كل ذي ذرة مهنية وأخلاقية أن يبرزه، ولأن المغرب كذلك، فقد نال صفة الشريك من أجل الديمقراطية من برلمانيي أوروبا، وحصل ذلك منذ أيام فقط، فهل كل هذا لا يعني شيئا؟ وهل برلمانيو أوروبا إلى هذا الحد أصيبوا بازدواجية الشخصية؟
وصلة بما سبق، فإن بلادنا في حاجة إلى إستراتيجية وإلى كفاءات لتطوير الصورة الإعلامية الخارجية لها، سواء من خلال الإعلام الأجنبي نفسه، أو من خلال بلورة حضور إعلامي مغربي عبر العالم، في المكتوب وفي السمعي البصري.
الحرب اليوم إعلام وصورة و…كلمات أيضا.

[email protected]

Top