مفهوم التصوف الإسلامي .. الأصول اللغوية و المراحل التاريخية والجذور الفكرية

إن دراسة المرجعيات الصوفية في العالم الإسلامي يستلزم من ناحية، امتلاك نظرة شاملة عن الأصول اللغوية والاصطلاحية لمفهوم التصوف. ومن ناحية أخرى، تسليط الضوء على الجذور الفكرية والاجتماعية لنشأة التصوف الإسلامي بصفة عامة وتمظهراته في مختلف أرجاء البلدان الإسلامية ماضيا وحاضرا.

ولعل الغاية الأساسية من هذه العملية، هي التعرف على الصيرورة التاريخية لنشأة التصوف الإسلامي كمحطة مركزية في إشعاعه وامتداده في مختلف مناطق دار الإسلام مشرقا ومغربا. فهذه العملية ستمكننا من دون شك من رصد مختلف المفاهيم والتصورات والتيارات الفكرية والأحداث التي شكلت بناءه النظري والشخصيات التي بصمت مساره التاريخي. كل ذلك بغية رصد الروح التي تنطوي عليها تلك التجربة التاريخية قصد استلهام قيمها ومزاياها للمساهمة في بناء صرح البلدان العربية الإسلامية ومن ضمنها الأمة المغربية بما يضمن تقدمها وازدهارها ارتكازا مبادئ التسامح والتنوع واحترام الآخر والاجتهاد والتنوير.

 

1- الأصول اللغوية للفظة التصوف

تعتبر رسالة القشيري حول التصوف والمتصوفة في الإسلام، أهم مصدر عمل على إضاءة الأصول اللغوية لكلمة تصوف. سنرتكز عليه في تبيان أهم الدلالات اللغوية والاصطلاحية التي تشير إليها تلك الكلمة. ناهيك عن ذكر أهم الإضافات التي أوردها الباحثون في سياق رصدهم للأصول الاشتقاقية لنفس اللفظة.

1-1) المعاني اللغوية لكلمة التصوف عند عبد الكريم القشيري:

لقد أشار عبد الكريم القشيري إلى أن اسم التصوف لا يشهد له “من حيث العربية قياس ولا اشتقاق وإلا ظهر فيه أنه كاللقب”(1) ، ولتأكيد هذا الاستنتاج، يتوقف عند مختلف الأصول اللغوية المتداولة حول التصوف.

– “من قال: إنه من الصوف، وتصوف إذا لبس الصوف، كما يقال تقمص إذا لبس القميص، فذلك وجه، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف”(2).

– “ومن قال: إنهم منسوبون إلى صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفي”(3).

– “ومن قال: إنه من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة”(4).

– “وقول من قال: إنه مشتق من الصف فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضرة من الله تعالى، فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف”(5).

ويلخص صاحب الرسالة تحليله اللغوي بالقول: “أن هذه الطائفة أشهر من أن يحتاج في تعيينهم إلى قياس لفظ واستحقاق اشتقاق، وتكلم الناس في التصوف ما معناه، وفي الصوفي من هو؟ فكل عبر بما وقع له وسنذكر بعض مقالاتهم فيه على التلويح”(6).

1-2) المعاني اللغوية لكلمة التصوف عند ابن خلدون:

رجح ابن خلدون أن الأصل الاشتقاقي لاسم التصوف هو الصوف. وقد قال في هذا الصدد: “والأظهر إن قيل بالاشتقاق أنه من الصوف، وهم في الغالب مختصون بلبسه، فما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس فاخر الثياب إلى لبس الصوف. فلما اختص هؤلاء بمذهب الزهد والانفراد عن الخلق والإقبال إلى العبادة، واختصوا بمآخذ مدركة لهم”(7).

1-3) المعاني اللغوية لكلمة التصوف عند أحمد أمين:

لقد أشار هذا الكاتب إلى أن الناس قد اختلفوا “في نسبة الكلمة هل هي من الصفة أو من الصفاء أو من “سوفيا” وهي باليونانية بمعنى الحكمة أو من الصوف، ونحن نرجح أنها نسبة إلى الصوف؛ لأنهم في أول أمرهم كانت هذه الفرقة تلبس الصوف اخشيشانا وزهادة، كما نرجح أنها كانت ترتكز في أول أمرها على أساس إسلامي، فركنا التصوف أول ما ظهر هما: الزهادة وحب الله”(8).

1-4) المعاني اللغوية لكلمة التصوف عند ابن زيات التادلي:

في معرض حديثه عن الأسباب التي كانت من وراء اختيار عنوان كتابه “التشوف إلى رجال التصوف”، أبرز ابن زيات التادلي أن اسم الصوفي وإن لم يحصل لدى كثير من الناس أصل اشتقاقه، فهو: “في الأصل منسوب إلى صوفة وهم قوم من العرب. والمتصوف هو المدخل نفسه في الصوفية، كقولهم تقيس إذا أدخل نفسه في قيس أي في قيس عيلان ومن تقيس”(9) ، ولتعزيز هذا الاستنتاج أورد المؤلف جملة من الأقوال التي تعرف بهؤلاء القوم:

– “صوفة قوم كانوا في الجاهلية يخدمون الكعبة ويجيزون الحاج”(10).

– “هم قبائل اجتمعوا وتشبكوا كما تشبك الصوف”(11).

– “صوفة حي من تميم وهم الصوفان الذين كانوا يجيزون الحاج من عرفات. كان أحدهم يقوم فيقول: أجيزي صوفة. فإذا أجازت قال أجيزي خندف فإذا أجازت أذن للناس كلهم في الإجازة وفي الإفاضة”(12).

1-5) المعاني اللغوية لكلمة التصوف عند قاسم غنى:

يعد كتاب “التصوف الإسلامي” لقاسم غنى من المؤلفات الحديثة الهامة التي درست بشكل معمق ظاهرة التصوف في تاريخ الإسلام. ففي سياق حديثه عن ظهور كلمة صوفي ومتصوف وأصل هتين الكلمتين في الثقافة العربية الإسلامية، توقف الكاتب مليا عند الظروف العامة لنشأة اسم الصوفية أو المتصوف والأصول اللغوية التي تنتسب إليها. سنكتفي في هذا المضمار بالتركيز فقط على ما أورده من معلومات إضافية حول الأصول الاشتقاقية لكلمة التصوف نظرا لغزارتها المعرفية. على أن نعود إلى ما تطرق إليه عن أصولها وتحولاتها الدلالية في مجال حديثنا عن المدلولات الاصطلاحية لمفهوم التصوف. وتتمثل الإضافات التي جاء بها فيما يلي:

– “أن أول شخص وقف نفسه كلية لخدمة الله عز وجل كان يجاور الكعبة اسمه “صوفة” وكان اسمه الحقيقي “غوث بن مر “والزهاد الذين كانوا يشبهونه من حيث الانقطاع عما سوى الله سموا بالصوفية”(13). وسمي الغوث بن مرة صوفة لأن أمه ما كان يعيش لها ولد فنذرت لئن عاش لتعلقن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيط الكعبة فقيل له صوفة ولولده من بعده(14). وهناك أيضا من ينسب التصوف إلى الصوفانة وهي بقلة رعناء قصيرة من نبات الصحراء وهي نسبة غير جائزة فلوا نسبوا إليها لقيل: صوفاني(15).

– إن الصوفي سمي صوفيا لأنه كالشعرة هين لين هاوي. فهو منسوب إلى صوفة القفا وهي الشعرات النابتة من مؤخر العنق(16).

– وقول من قال إنه مشتق من الصوف كأنهم من الصف الأول بقولهم من حيث المحاضرة من الله تعالى، فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقضي هذه النسبة إلى الصف(17).

– وثمة من يرى أن “صوفي” كانت في الأصل “صفوى” ثم أصبحت “صوفي” نتيجة للتغيير(18).

2- التصوف الإسلامي اصطلاحا

إن دراسة المسار التاريخي لحركة التصوف في تاريخ الإسلام، يمكننا من فهم الشروط العامة لنشأته، وأهم المراحل التي قطعها في تطوره. إن الغاية الأساسية من هذه العملية، هو إدراك المرجعيات الصوفية التأسيسية للتصوف الإسلامي بشتى أشكاله ومذاهبه ورجالاته. ومن ثمة، التعرف على امتداداته في بنية الفكر العربي الإسلامي عبر مختلف بقاع “دار الإسلام”. فما هي أهم المعطيات التاريخية التي حددت نشأة التصوف في الإسلام؟ وما هي المراحل التي قطعها؟ ومن هم رواده البارزون؟ وما هي أهم التعريفات والمضامين التي تدل عليها؟

لإضاءة مختلف هذه الأسئلة، اعتمدنا على جملة من المراجع والمصادر القديمة والحديثة التي تناولت تاريخ الحركة الصوفية في الإسلام، من أهمها:

– “الرسالة القشيرية” لعبد الكريم القشيري.

– “المقدمة” لعبد الرحمن بن خلدون.

– “قواعد التصوف” لأحمد زروق.

– “ظهر الإسلام” لأحمد أمين.

– “التصوف الإسلامي في المغرب العربي” لعلال الفاسي.

– “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية الجزء 2” لحسين مروة.

– “تاريخ التصوف الإسلامي” لقاسم عنى ترجمه عن الفارسية صادق نشأت.

– “بين التصوف والزهد محاولة في التصحيح” لإسماعيل راضي.

– “التصوف بين المدارسة والممارسة” لإسماعيل راضي.

وعليه، فالمراحل التاريخية في تطور التصوف الإسلامي هي:

المرحلة الأولى: مرحلة الزهد، وتمتد هذه المرحلة من ظهور الإسلام إلى نهاية النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وتتكون من عدة أطوار. تتوافق هذه المرحلة مع نشأة الدولة الإسلامية في صدر الإسلام ثم حكم الدولة الأموية.

المرحلة الثانية: مرحلة التخوم بين الزهد والتصوف، وهي مرحلة انتقالية بين مرحلة البدايات ومرحلة النضج. يصنفها حسين مروة ضمن تخوم التصوف. تمتد من نهاية القرن الثاني الهجري إلى بداية القرن الثالث الهجري. وتتوافق مع نهاية الدولة الأموية وبداية العصر العباسي الأول.

المرحلة الثالثة: مرحلة التصوف، تتوافق هذه المرحلة زمنيا مع القرنين الثالث والرابع الهجريين. شهدت ظهور التصوف النظري والفلسفي بمدارسه ومذاهبه ورموزه بالموازاة مع نشأة الفكر الفلسفي في تاريخ الإسلام.

وقبل أن نخوض في إبراز أهم السمات والمواصفات التي تميز كل مرحلة تاريخية على حدة، نشير إلى أن هذه العملية التصنيفية هي عملية منهجية بالدرجة الأولى لتمثل حركة الواقع التاريخي التي تتميز تارة بالتداخل والاستمرارية والتشابك بين الأحداث السياسية والاجتماعية والتحولات الفكرية والنظرية، وتارة أخرى بالتفاوت والتباين والقطيعة خاصه أثناء الأزمات الحادة التي يعرفها المسار التاريخي.

2-1) المرحلة الأولى: مرحلة البدايات

وتعتبر هذه المرحلة مرحلة التطور الجنيني للتصوف. شهدت ظهور حركة الزهد في تساوق تام مع نشأة الدولة الإسلامية وأهم المنعطفات التاريخية التي قطعتها. ففي صدر الإسلام، يمكن التمييز بين الطور الأول الذي يمتد من ظهور الإسلام إلى مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان (ض). والطور الثاني من مقتل هذا الأخير إلى مقتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (ض).

2-1-1) الطور الأول:

كان أغلب المسلمين أهل دين وزهد، لم يكونوا في حاجة إلى اسم خاص بهم. كانت النسبة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عبر التعابير التالية: مسلم، مؤمن. بعد ذلك ستتم النسبة بصيغة الصحابة والتابعين ثم تابعي التابعين. فالإسلام دين وسطي، عملي ومعتدل يجمع بين الدين والدنيا. ومن الشواهد الدالة على وسطية الإسلام نذكر ما يلي:

أ) شواهد من القرآن الكريم:

– قال تعالى: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، سورة القصص، الآية 77.

– قال تعالى: ﴿قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، سورة الأعراف، الآية 32.

– قال تعالى: ﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، سورة الجمعة، الآية 10.

– قال تعالى: ﴿هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور، سورة الملك، الآية 15.

– قال تعالى: ﴿واعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم …، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾، سورة الحديد، الآية 20.

– قال تعالى: ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، سورة البقرة، الآية 30.

ب) شواهد من السيرة النبوية:

من الأحاديث والأعمال النبوية الدالة على وسطية الإسلام نذكر ما يلي:

– أن الرسول (ص) منع عثمان بن مظعون من إخصاء نفسه بتقليد بعض الزهاد والنساك المسيحيين.

– نهيه (ص) ابن عمر بن الخطاب الذي كان يصوم أياما طويلة، يصوم النهار كله ويقضي الليل كله في الذكر والمناجاة، فنهاه عن الإفراط.

– منعه (ص) امرأة تسمى زينب قد مدت حبلا بين عمودي المسجد حتى تتكئ عليه كلما تعبت من الصلاة لكيلا تجلس على الأرض.

وللتعرف بشكل أفضل على سمات الزهد في هذه الفترة يقول علال الفاسي: “والواقع أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الآيات القرآنية العديدة، وفي أخلاق الزهاد من الصحابة، الذين آثروا على أنفسهم وباعوها من الله، ما يكفي لإمداد الذين تتجه نفوسهم إلى الزهد، والأخذ بالأحوط من الدين، وبمقتضيات الورع، وبكل عناصر الفكر والخلق التي امتاز الصوفية الأولون بها”(19). ومن الدلائل التي يرتكز عليها في بناء هذا الحكم نجد:

– “وأول ما يطالعنا من أخبار الرسول (ص)، تحيره الكبير، وألمه مما عليه قومه من عبادة الأوثان والأصنام، والتجاؤه إلى غار حراء، يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، ثم لهفه على غيبة الوحي عليه بعد نزوله الأول، وشوقه العظيم، وتوقفه الهائل للاتصال بالملأ الأعلى، ذلك الشوق الذي غطى على شعوره، حتى كاد يلقي (ص) بنفسه من شواهق الجبال، لولا أن الله سبحانه وتعالى تداركه بنعمة الوصال، وهداه الى قيام الليل وترتيل القرآن، ثم تكليفه بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة”(20).

– “ما نعرفه من موالاته (ص) العبادة والزهد، مع الصبر والتحمل، إذ كان يقوم الليل حتى تورمت قدماه. فقيل له أتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: أفلا أكون عبدا شكورا؟”(21).

– “ومن دعائه الدائم: اللهم احيني مسكينا وامتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين”(22).

– “يعتبر الخلفاء الراشدون، وعلي من بينهم، وآخرون من الصحابة غيرهم كمعاذ بن جبل، وأبي ذر، وأبي الدرداء، من العباد الزهاد الذين جاهدوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله”(23).

ج) الصحابة رضوان الله عليهم والزهد:

إن ما ميز مسلك الزهد في حياة بعض كبار الصحابة في هذه الفترة، هو اتسامه بالطابع الأخلاقي. فالزهد حسب حسين مروة: “اقتصر على التزام أسلوب العيش اليومي البسيط المتواضع دون أن يتجاوز ذلك إلى طابع الظاهرة العامة، ودون أن يحمل موقفا متميزا أو نظرة متميزة في الشعائر الإسلامية أو في طبيعة “الميتافيزيقيا” الإسلامية أو في المسائل الاجتماعية الأساسية أو في مسألة المعرفة  ومصادرها… كان هذا المسلك “الزهدي” متأثرا بالنشأة الأولى للإسلام والمسلمين الأولين البسطاء قبل أن تدخل في نظام حياتهم آثار التغيرات الناشئة عن ظروف الفتح خارج شبه الجزيرة”(24).

أما بالنسبة لابن خلدون، فعلم التصوف كان خلال هذه المرحلة “من العلوم الشرعية الحادثة في الملة. وأصله أن طريقة هؤلاء القوم، لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة. وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعد وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة”(25).

بالإضافة إلى كل ذلك، نشير إلى وجود ما سمي بأهل الصفة وهم جماعة من الزهاد والفقراء الغرباء من المهاجرين سكنوا في صفة المسجد النبوي. فهناك من يعتبر أنهم كانوا يشكلون فئة لم يكن لهم مسكنا أو مالا ولا ولدا. وثمة من يرى أن أهل الصفة يشمل كل من يقدم إلى المدينة ولا يجد مسكنا فيتم إيواؤه هناك سواء كان غنيا أو فقيرا، مهاجرا أم لا. ومن أشهر هؤلاء: بلال بن رباح، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، وصهيب بن سنان، وزيد بن الخطاب أخ عمر بن الخطاب، وأبو ذر الغفاري … إلخ.

وأما فيما يتعلق بإسماعيل راضي، فالتصوف يدعو إلى “التوفيق بين المطالب الدنيوية والنظر فيها، والواجبات الأخروية والعمل لها، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك”(26). علاوة على ذلك، “فإن جاءت الشريعة الإسلامية لتربط القلوب بخالقها عز وجل، فقد جاءت كذلك لعمران الدنيا والاستخلاف فيها، بل وجعلت من هذا العمران والاستخلاف تكليفا للإنسان والمجتمع والأمة في هذه الحياة”(27). ومما يزكي هذا التوجه العام، هو أن الرسول (ص)، يعد الوحدة القياسية “الذي يمثل حالة السواء في التوفيق بين حياة الروح والتماس أسباب الاستخلاف، حيث لم يكف عليه الصلاة والسلام لحظة عن تعمير الدنيا والعمل لإصلاح الأرض وإحسان الاستخلاف فيها … فقد غزى صلى الله عليه وسلم وشيد، وعقد المعاهدات، واشتغل بالتجارة، وتزوج، وربى النفوس، وسعى في تحقيق مصالح المسلمين، وأكل الطيبات وعزف عن الخبائث، وبيّن الحلال والحرام …”(28). وقد سار على هذا المنوال صحابة رسول الله (ص) بعد وفاته.

وما تجدر الإشارة إليه، هو أن هذا التصور الإسلامي المتوازن للعلاقة بين الحياة الدنيوية والحياة الأخروية، لم يخل من تفسيرات وتأويلات الطوائف والمذاهب التي عرفها تاريخ الإسلام في شكل فرق سياسية وكلامية وفلسفية وتصوفية.

2-1-2) الطور الثاني:

تعتبر ما يسمى بالفتنة الكبرى التي شهد المسلمون أطوارها العنيفة بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان (ض)، الحد الفاصل في تاريخ الإسلام بين مرحلة التوافق والانسجام بين المسلمين ومرحلة اندلاع الصراع السياسي الحاد على السلطة السياسية والدينية، وبالتالي على السلطة الاجتماعية والاقتصادية. فهذا الحدث الكبير رغم أهميته القصوى في تفسير أهم التحولات التي ستعرفها الدولة الإسلامية ونشأة مختلف التيارات والفرق الدينية والسياسية في إطارها، إلا أن العديد من الكتابات تتجنب الوقوف عند أسبابها ونتائجها وعواقبها في التطورات اللاحقة لحياة المسلمين. صحيح أن الانتشار السريع للإسلام سواء في شبه الجزيرة العربية والمحيط الجغرافي المجاور لها بفضل الفتوحات، أثر بشكل بارز، بل وغير بشكل واضح العلاقات الاجتماعية بين المسلمين من خلال طرحه لإشكاليات جديدة من قبيل كيفية التعامل مع الشعوب والأقوام الجديدة المتميزة بتاريخها الثقافي والديني. وما هي السبل المناسبة للتوزيع العادل للثروات المادية والمعنوية المحصل عليها. ومن هم الرجال المناسبون للمهام الإدارية والسياسية للدولة الإسلامية الناشئة. غير أن هذا العامل الخارجي ورغم أهميته القصوى، لا يفسر بشكل أحادي التحولات الداخلية التي عرفتها الجماعة الإسلامية في مرحلتها الأولى. فالفتنة الكبرى طرحت بشكل بارز قضية تدبير السلطة السياسية ومن الأولى بشؤونها. لقد كان لسيطرة الأمويين عليها آثارا اجتماعية وسياسية وفكرية ودينية واضحة. فالاستبداد الأموي نتج عنه معارضات متنوعة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.

وهكذا، فالزهد سيعرف في هذه الفترة وتيرتين متمايزتين: وتيرة سلبية تمثلت في عزوف العديد من الصحابة والمسلمين عامة عن الخوض في الصراع الحاد على الخلافة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ثم بعد ذلك الاستنكاف عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية في بدايات سيطرة الأمويين على جهاز الدولة. ثم وتيرة إيجابية تجسمت في تعبير هؤلاء الزهاد عن مواقف رافضة لمظاهر الظلم والعسف الذي انتهجه العديد من ولاة الدولة الأموية خاصة في زمن أفولها. ومن الشخصيات التي لجأت الى الزهد ابتعادا عن أتون الصراع، يذكر حسين مروة فرقة: ” اعتزلت مع سعد بن مالك، وهم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومحمد بن سلمة الأنصاري وأسامة بن زيد بن حارثه الكلبي مولى رسول الله (ص) “(29). وكان حسان بن ثابت شاعر النبي (ص) وعبد الله بن سلام من ضمن نفس الفريق. غير أننا نجد كذلك من تحول موقفه من الزهد السلبي إلى الزهد الإيجابي وذلك بالتعبير عن رفض صريح للاستبداد الأموي كما عبر عنه عبد الله بن عمر المشار إليه سابقا، ثم الحسن البصري الذي يعد من أعلام الزهد والتصوف في تاريخ الإسلام(30).

2-2) المرحلة الثانية: مرحلة التخوم

تتشكل هذه المرحلة من أواخر القرن الثاني الهجري إلى بداية القرن الثالث الهجري وتميزت بما يلي:

أ- مشاهدة جماعة من بين المسلمين لهم حياة عجيبة مخصوصة تم تسميتهم بالصوفية لأنهم شيدوا لأنفسهم صوامع بعيدة عن المجتمع ليعيشوا فيها، واعتكف بعضهم في المغارات، وأخذت جماعة أخرى تجوب الصحاري.

ب- تسمية هؤلاء بالمتصوفة. فمصطلح التصوف أطلق على هذه الفئة الجديدة من الزهاد الذين تميزوا ببذر البذور الأولى للتصوف النظري في ممارساتهم ومفاهيمهم. وهذا ما يدل على شيوع مصطلحي الصوفي والتصوف للدلالة على فئات متنوعة من الزهاد الذين عرفتهم الدولة العربية الإسلامية سواء في عهد الدولة الأموية وبداية العصر العباسي الأول. وللتدليل على ذلك، يتم رصد المعطيات التالية التي نستقيها من مؤلف “النزاعات المادية” لحسين مروة، وكتاب قاسم غنى ” تاريخ التصوف في الإسلام”:

– فصاحب “الرسالة القشيرية” يخبرنا بأن اسم التصوف أطلق على “خواص أهل السنة قبل المئتين من الهجرة”.

– والسراج الطوسي يبين في كتابه “اللمع” أنه بدأ استعمال “الصوفية” في وقت الحسن البصري، أي في القرن الأول الهجري.

– وابن النديم قال في “الفهرست” عن جابر بن حيان أنه “المعروف بالصوفي”.

– اشتهار مجموعة من زهاد الكوفة والبصرة بلقب “الصوفي”، نذكر منهم “أبو هشام الكوفي”، و”عبدك الكوفي” و”عبد الواحد بن زيد” و”شقيق البلخي”.

– ظهور طائفة بالإسكندرية يسمون الصوفية، يأمرون بالمعروف ويعارضون السلطان في أوامره، وترأس عليهم رجل منهم يقال له أبو عبد الرحمن الصوفي.

– بروز مجموعة من الزهاد في البيئة الخرسانية تتميز بنزوعها القوي نحو بلورة المفاهيم والتصورات الأولية للتصوف النظري منهم: داود الطائي، والفضيل بن عياض، وابراهيم بن أدهم البلخي، وعبد الله بن المبارك، وشقيق البلخي.

ولعل أبرز الشخصيات الصوفية التي تمثل هذه المرحلة الثانية نجد:

– رابعة العدوية، التي تميزت بما اصطلح عليه بالحب الإلهي.

– معروف الكرخي، الذي نسب إليه إضافة مفهوم ” المعرفة ” لممارسة الزهد والتصوف، وكان أبواه مسيحيان.

– الحسن البصري الذي يعد المصدر الأساسي للتصوف.

2-3) المرحلة الثالثة: مرحلة النضج والاكتمال

تمتد هذه المرحلة من القرن الثالث إلى القرن السادس الهجري. بلغ التصوف فيها مرحلة النضج والاكتمال، وقد عرف فيها ألمع أعلامه ورموزه الذين بلوروا نظرياته ومذاهبه، وأرسوا أسسه النظرية ومفاهيمه المركزية. وثمة عدة عوامل داخلية ومؤثرات خارجية تفسر التحول النوعي الذي عرفته حركة التصوف الإسلامي النظري سواء في شقه السني أو الفلسفي.

ونظرا لما تكتسيه هذه المرحلة من أهمية كبيرة في تاريخ التصوف الإسلامي، سنحاول التذكير بجملة من العناصر التي ميزتها من حيث السياق التاريخي وموضوع التصوف وتعريفاته وأسسه النظرية ومصطلحاته واتجاهات الحركة الصوفية الإسلامية وروادها وبعض أقوال الفقهاء والعلماء المسلمين المؤيدة للتصوف على أن نعود بعد ذلك في مقال آخر إلى رصد أهم الأقوال والآراء المعارضة والرافضة للتصوف.

أ) السياق التاريخي للمرحة الثالثة:

تميزت المرحلة الثالثة بالسمات التالية:

– بلوغ الحضارة العربية الإسلامية أوجها في أواسط العصر العباسي خاصة في مرحلة التدوين التي شهدت حركة ثقافية وأدبية متميزة.

– التوسع الهائل الذي عرفته رقعة الدولة الإسلامية مما نتج عنه اختلاط الشعوب الإسلامية ذات الأصول الثقافية والتقاليد والمعتقدات الدينية المتنوعة.

– التعرف على الفكر الفلسفي اليوناني وتأثيره القوي في نشأة علم الكلام والفلسفة الإسلامية.

– نشأة مختلف العلوم الإسلامية للرد والإجابة على مختلف الإشكالات الجديدة حرصا على صيانة العقائد السليمة في كل مسألة، ووضع العلوم والقواعد التي تحفظ الدين مثل: نشأة علم النحو، وعلوم القرآن، وعلم الكلام، وعلم الفقه وعلم الحديث. وفي هذا الإطار نشأ علم التصوف كعلم من العلوم: “الشرعية الحادثة في الملة” بتعبير عبد الرحمن بن خلدون كما ذكرنا سابقا.

موضوع التصوف:

فموضوع التصوف حسب أحمد زروق في كتابه “قواعده التصوف” هو: “علم قُصِد لإصلاح القلوب، وإفرادها لله تعالى عما سواه”(31).

تسمياته المشهورة:

من الاصطلاحات الأخرى المشهورة لمصطلح التصوف نذكر ما يلي: “منازل السائرين”، و”مدارج السالكين”، و”قوت القلوب”، و”فقه القلوب”، و”علم السلوك”، و”أرباب السلوك”، و”أرباب التربية”، و”علم الباطن”، و”علم الحقيقة”، و”العلم اللدني”، و”علم الرقائق”، و”علم الأذواق”.

ب) تعريفاته:

ذكر أحمد زروق في كتابه “قواعد التصوف”، أن تعريفات التصوف قد تصل إلى ألفي تعريف. فتعددها ناجم عن تعدد وتنوع التجارب الصوفية التي عاشها المتصوفة. فهي بعدد الخلائق المسافرة إلى الله. وقد قال في هذا الصدد أنه: “قد حُدّ التصوف ورُسم وفُسّر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجعها كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى، وإنما هي وجوه فيه”(32). وللتعرف على مجمل المعاني والدلالات التي يدل عليها مفهوم التصوف، سنقتصر على إيراد جملة من التعريفات الممثلة لمختلف المراحل التي مرت بها الحركة الصوفية كما تناولنا ذلك سابقا. وسنقتصر على التعريفات التي ذكرها القشيري في رسالته حول التصوف والصوفية التي تغطي بشكل عام المرحلة السابقة على تأليفه لرسالته.

– أقوال عن التصوف:

سئل أحمد الجريري عن التصوف، فقال: “الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني”. وسئل الجنيد عن التصوف، فقال: “هو أن يميتك الحق عنك، ويحييك به”. وسئل عمرو بن عثمان المكي عن التصوف، فقال: “أن يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في الوقت”. وقال محمد بن علي القصاب: “التصوف أخلاق كريمة، ظهرت في زمان كريم، من رجل كريم، مع قوم كرام”. وسئل سمنون عن التصوف، فقال: “أن لا تملك شيئا ولا يملكك شيء”. وسئل رويم عن التصوف، فقال: “استرسال النفس مع الله تعالى على ما يريد”. وسئل الجنيد عن التصوف، فقال: “هو أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة. وقال رويم بن أحمد في التصوف أنه: “مبني على ثلاث خصال: التمسك بالفقر والافتقار، والتحقق بالبذل والايثار، وترك التعرض والاختيار”. وقال معروف الكرخي: “التصوف هو الأخذ بالحقائق، واليأس مما في أيدي الخلائق”. وسئل الخراز عن أهل التصوف، فقال: “أقوام أعطوا حتى بسطوا”. وقال الجنيد: “التصوف ذكر مع اجتماع، ووجد مع استماع، وعمل مع اتباع”. وقال محمد بن علي الكتاني: “التصوف خلق، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء”. وقال دلف الشبلي: “التصوف الجلوس مع الله بلا هم”. وقال أحمد الجريري: “التصوف مراقبة الأحوال ولزوم الأدب”. وقال علي المزين: “التصوف الانقياد للحق”.

– أقوال عن الصوفية:

وسئل الحسين بن منصور عن الصوفي، فقال: “وحداني الذات، لا يقبله أحد، ولا يقبل أحدا”. وقال أحمد الثوري: “نعت الصوفي السكون عند العدم والإيثار عند الوجود”. وقال عسكر النخشبي: “الصوفي لا يكدره شيء، ويصفو به كل شيء”. وقيل: “الصوفي لا يتبعه طلب ولا يزعجه سبب”. وقيل: “الصوفي من إذا استقبله حالان أو خلقان كلاهما حسن، كان مع الأحسن”. وقال أبو الحسن السيرواني: “الصوفي يكون مع الواردات لا مع الأوراد”. وقال دلف الشبلي: “الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق”.

هـ) أسسه النظرية:

تتمثل الأسس النظرية لفلسفة التصوف في مجموع المفاهيم والتصورات التي بلورها رواده في جملة من القضايا المتعلقة بأصول المعرفة، وعلاقة الظاهر والباطن، والموقف من الشريعة الإسلامية وقضايا المجتمع، وما هي السبل المناسبة والكفيلة بتحقيق تلك الغايات.

وإذا كان الموضوع الأساسي للمعرفة هو الله تعالى عند جميع اتجاهات الفكر العربي الإسلامي (علم الكلام، الفلسفة، الفقه، أصول الفقه، التصوف…)؛ فإن المعرفة الصوفية بلورت مفهوم “المعرفة القلبية” كمعرفة أسمى من المعرفة الحسية والعقلية. ونظرا لأهميته القصوى في فهم الخطاب الصوفي، بل واعتباره بحق المفتاح الجوهري في عملية إدراك كنهه، سنفرد لتوضيح ماهيته الحيز المناسب.

ثمة مجموعة من النصوص التي تكشف نظرية المعرفة القلبية عند المتصوفة، سنقتصر على ذكر نص لذي النون المصري الذي يعد من أوائل المعبرين عن الفكر الصوفي الفلسفي في القرن الثالث الهجري، ثم مجموعة من النصوص التي يشرح فيها أبو حامد الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين” مفهوم المعرفة القلبية شرحا وافيا.

– ذو النون المصري:

يذكر حسين مروة لذي النون المصري نصا في ترجمتين تبرزان تعريفه لمفهوم المعرفة القلبية، جاء في ترجمته الأولى: “إن المعرفة الحقيقية بالله ليست العلم بوحدانيته التي يؤمن بها المؤمنون جميعا، كما أنها ليست من علوم البرهان والنظر التي هي علوم الحكماء والمتكلمين والبلغاء، ولكنها معرفة صفات الوحدانية التي هي معرفة الأولياء بخاصة، لأنهم هم الذين يشاهدون الله بقلوبهم، فيكشف لهم ما لا يكشفه لغيرهم من عباده”(33).

وفي ترجمته الثانية: “المعرفة على ثلاث وجوه: الأول معرفة التوحيد الخاصة بعامة المؤمنين المخلصين. والثاني، معرفة الحجة والبيان، وتلك خاصة بالحكماء والبلغاء والعلماء المخلصين. والثالث، معرفة صفات الوحدانية، وتلك خاصة بأهل ولاية الله المخلصين الذين يشاهدون الله بقلوبهم حتى يظهر الحق لهم ما لم يظهره لأحد من العالمين”(34). وهكذا فإن الاختلاف الظاهر بين الترجمتين، لا يمس مكانة الأولياء في التميز “بالمعرفة القلبية ” التي هي مشاهدة يختصون بها، تكشف لهم ما لا يكشفه الله تعالى لغيرهم من عباده، بل منحهم مكانة مفضلة ومميزة على الطرق الأخرى من طرق المعرفة الإسلامية التي يختص بها عامة المؤمنين وعلماء الظاهر.

– أبو حامد الغزالي:

تحمل كتابات أبو حامد الغزالي من الدقة والوضوح ما يجعلها تشرح بيسر ما أشكل على الأذهان في قضايا نظرية وعقائد دينية تبدو صعبة الفهم والمنال في الوهلة الأولى، فنظرية المعرفة عند المتصوفة القائمة على المعرفة القلبية تسائل الباحث عن الدلالات العميقة التي تشير إليها، أي عن مصادرها ومناهجها وقيمتها بالنسبة للنظريات الحسية والعقلية في مجال المعرفة بصفة عامة. ولا غرابة أن يحظى ما كتبه الغزالي في هذا الصدد من مكانة متميزة في التعريف بالتصوف وتحليل مختلف القضايا المرتبطة به، ومن جملة تلك القضايا الشائكة والمحورية نجد من دون شك ما يصطلحون عليه ” بالقلب ” كأداة للمعرفة. والواقع أن ما أورده الغزالي في مؤلفه المشهور “إحياء علوم الدين” حول المعرفة القلبية، يعد مدخلا جوهريا لا مناص منه للتعرف على أهم مفهوم في النظرية المعرفية الصوفية القائمة على إمكانية الاتصال الإنساني الروحي بالذات الإلهية متى تم توفير الشروط الإيمانية والروحية الضرورية لذلك. ولعل هذا ما يفسر التأثير الكبير الذي لعبه ذلك الكتاب في توضيح وترسيخ الأسس النظرية للحركة الصوفية الإسلامية فكرا وممارسة. فالشروحات المبسطة التي عرضها بهذا الصدد تعتبر زادا فكريا متينا لكل طامح نحو البحث عن الخلاص الروحي أو السلطة الروحية. وخير مثال نستدل به في هذا المضمار، هو التأثير الكبير الذي لعبه كتاب “إحياء علوم الدين” في تأسيس الحركة الصوفية المغربية في أواخر العهد المرابطي خاصة بعد صدور قرار سلطاني بإحراقه.  وسنكتفي في هذا المقام بإيراد نصين من ذلك الكتاب يبرزان تصور الغزالي لمفهوم المعرفة القلبية.

قال الغزالي في النص الأول: “اعلم: أن العلوم التي ليست ضرورية – وإنما تحصل في القلب في بعض الأحوال – تختلف الحال في حصولها؛ فتارة تهجم على القلب كأنه ألقي فيه من حيث لا يدري، وتارة تكتسب بطريق الاستدلال والتعلم. فالذي يحصل لا بطريق الاكتساب وحيلة الدليل يسمى إلهاما، والذي يحصل بالاستدلال يسمى اعتبارا واستبصارا. ثم الواقع في القلب بغير حيلة وتعلم واجتهاد من العبد ينقسم إلى ما لا يدري العبد أنه كيف حصل له ومن أين حصل؟ وإلى ما يطلع معه على السبب الذي منه استفاد ذلك العلم، وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب. والأول: يسمى إلهاما ونفثا في الروع. والثاني: يسمى وحيا وتختص به الأنبياء. والأول يختص به الأولياء والأصفياء. والذي قبله – وهو المكتسب بطريق الاستدلال – يختص به العلماء. وحقيقة القول فيه: أن القلب مستعد لأن تنجلي فيه حقيقة الحق في الأشياء كلها، وإنما حيل بينه وبينها بالأسباب الخمسة – التي سبق ذكرها – فهي كالحجارة المسدل الحائل بين مرآة القلب وبين اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله به إلى يوم القيامة. وتنجلي حقائق العلوم من مرآة اللوح في مرآة القلب يضاهي انطباع صورة من المرآة في مرآة تقابلها، والحجاب بين المرآتين تارة يزال باليد وأخرى يزول بهبوب الرياح تحركه. وكذلك قد تهب رياح الألطاف وتنكشف الحجب عن أعين القلوب فينجلي فيها بعض ما هو مسطور في اللوح المحفوظ، ويكون ذلك تارة عند المنام فيعلم به ما يكون في المستقبل. وتمام ارتفاع الحجاب بالموت فيه ينكشف الغطاء، وينكشف أيضا في اليقظة حتى يرتفع الحجاب بلطف خفي من الله تعالى، فيلمع في القلوب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب ​​العلم تارة كالبرق الخاطف، وأخرى على التوالي إلى حد ما. ودوامه في غاية الندور فلم يفارق الإلهام الاكتساب في نفس العلم ولا في محله ولا في سببه، ولكن يفارقه من جهة زوال الحجاب، فإن ذلك ليس باختيار العبد ولم يفارق الوحي والإلهام في شيء من ذلك بل في مشاهدة الملك المفيد للعلم فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا بواسطة الملائكة، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿وما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، سورة الشورى، الآية 51″(35).

وقال في النص الثاني: “إن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية. فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة، بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى ومهما حصل ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم، وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت، وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية. فليس على العبد إلا الاستعداد بالتصفية المجردة وإحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة”(36).

و) من مصطلحات التصوف:

لكل حقل معرفي مفاهيمه ومقولاته ومصطلحاته التي تميزه عن باقي الحقول المعرفية الأخرى التي يتفاعل معها في بنية فكرية محددة. والتصوف بدوره بلور في مسار حركته الفكرية جملة من الأدوات النظرية التي تميز خطابه. سنكتفي بذكر بعضها كما جاءت مرتبة في الرسالة القشيرية: الوقت، والمقام، والحال، والقبض والبسط، والتواجد، والوجد، والوجود، والفناء، والبقاء، والصحو، والسكر، والمحاضرة، والمكاشفة، والمشاهدة، والشريعة، والحقيقة، والنفس، والإرادة، والولاية، والمعرفة بالله …

ز) اتجاهات الحركة الصوفية:

في سياق حديثه عن السياق التاريخي لقيام الحركة الصوفية في القرن الثالث الهجري، يشير علال الفاسي في كتابه “التصوف الإسلامي في المغرب العربي” إلى أن تلك الحركة تبلورت في منهجين:

– منهج أبي يزيد طيفور البسطامي، ومنهج أبي القاسمي الجنيد. يتميز المنهج الأول بتأسيسه لاتجاه “صوفية الحقائق” في حين تميز المنهج الثاني بتأسيسه لاتجاه “صوفية الأخلاق والرقائق”. وهناك تقسيمات أخرى لاتجاهات الحركة الصوفية ترتكز على المضمون العام لكل اتجاه. وهكذا نجد التسميات التالية:

– متصوفة الصحو ومتصوفة السكر.

– التصوف السني والتصوف الشيعي والتصوف الفلسفي والتصوف الطرقي.

ح) من رواد التصوف الإسلامي:

– الحسن البصري (21 هـ – 110 هـ)

– رابعة العدوية (100 هـ – 180 هـ)

– معروف الكرخي (توفي 200هـ)

– سري السقطي (توفي 253 هـ)

– أبو القاسم الجنيد (220 هـ – 297 هـ)

– أبو يزيد البسطامي (188 هـ – 261 هـ)

– ذو النون المصري (179 هـ – 245هـ)

– الحارث المحاسبي (170 هـ – 243هـ)

– الحسين بن منصور الحلاج ( 244 هـ – 309 هـ )

– عبد الكريم القشيري (346 هـ – 465 هـ)

– أبو حامد الغزالي (450 هـ – 505 هـ)

– عبد القادر الجيلاني (الجيلي – الجيلالي) (470 هـ – 561 هـ)

– يحيى شهاب الدين السهروردي (549 هـ – 587 هـ)

– ابن عربي (560 هـ – 638 هـ)

إن المتصوفة الذين كان لهم تأثير كبير وحضور قوي في التصوف المغربي والأندلسي نجد بشكل أساسي: الجنيد، وأبو حامد الغزالي، وعبد القادر الجيلاني ثم محيي الدين بن عربي. وهذا لا ينفي تأثير كتابات المتصوفة الآخرين مثل أبي زيد البسطامي وعبد الكريم القشيري التي تعد رسالته في التصوف مصدرا هاما في التعريف بالتصوف الإسلامي.

 

ط) أقوال الفقهاء والأئمة المؤيدة للتصوف:

– الإمام مالك:

من أقواله المؤيدة للتصوف والمتصوفة:

– “من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق”(37).

– الإمام الشافعي:

من أقواله المؤيدة للتصوف والمتصوفة:

– “صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين، وفي رواية أخرى: سوى ثلاث كلمات، قولهم: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وقولهم: العدم عصمة”(38).

 

– الإمام أحمد بن حنبل(39):

من أقواله التي تؤول تأييدا للتصوف:

– قال عن الصوفية: “لا أعلم أقواما أفضل منهم. قيل إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحون مع الله ساعة”. وقد كان يقول لولده عبدالله قبل مصاحبته للصوفية: “يا ولدي عليك بالحديث، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه، فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة”.

 

– ابن تيمية:

من أقواله المؤيدة للتصوف والمتصوفة:

– “هم من أكمل صديقي زمانهم”(40).

– “الصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين …”(41).

– “شيوخ المسلمين المحمودين عند المسلمين، كالجنيد بن محمد، وسهل عبد الله التستري”(42).

 

– أبو إسحاق الشاطبي:

من أقواله المؤيدة للتصوف والمتصوفة:

– “الصوفية باتفاق أهل السنة هم صفوة الله من الخليقة”(43).

– “… وهو فقه صحيح، وأصوله في الكتاب والسنة ظاهرة، فلا يقال في مثله: بدعة، إلا إذا أطلق على فروع الفقه التي لم يلف مثلها في السلف الصالح: أنها بدعة”(44).

– “الصوفية الذين نسبت إليهم الطريقة مجمعون على تعظيم الشريعة، مقيمون على متابعة السنة، غير مخلين بشيء من آدابها أبعد الناس عن البدع وأهلها”(45).

– ابن القيم الجوزية:

من أقواله المؤيدة للتصوف والمتصوفة:

– “… ومنها أن هذا العلم” يعني علم التصوف “هو من أشرف علوم العباد، وليس بع علم التوحيد أشرف منه، وهو لا يناسب إلا النفوس الشريفة”(46).

– “التصوف: زاوية من زوايا السلوك الحقيقي وتزكية النفس وتهذيبها، لتستعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى، ومعية من تحبه، فإن المرء مع من أحب”(47).

– ابن خلدون:

من أقواله المؤيدة للتصوف والمتصوفة:

– “فلما فشى الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية”(48).

– “فانفرد خواص السنة، المحافظون على أعمال القلوب، المقتدون بالسلف الصالح في أعمالهم الباطنة والظاهرة وسموا بالمتصوفة”(49).

 

تتمثل أهم الملاحظات التي خلصنا إليها بعد رصد مراحل تطور التصوف الإسلامي فيما يأتي:

– إن التصوف السني ظاهرة طبيعية في الإسلام وتاريخ المسلمين، فالدين الإسلامي باعتباره رسالة سماوية تجعل من الحياة الدنيوية والحياة الأخروية مسارين متوازيين في وعي وسلوك المؤمن. فمسؤولية الإنسان في الأرض كخليفة لا تنفصل عن مسؤوليته يوم الحساب والعقاب. من هنا يمكن القول إن ذلك النوع من التصوف لا يختلف اختلافا جوهريا عن الزهد.

– إن السعي إلى نشر الإسلام في مختلف البقاع فرض على المسلمين الاحتكاك الحتمي بثقافات البلدان التي أخضعوها لسلطتهم، وهذا ما نتج عنه عملية المثاقفة التي تقوم على قاعدة التأثير والتأثر، ومحاولة كل طرف تطوير الآليات الفكرية المناسبة لفرض الذات واستيعاب الآخر. وفي هذا السياق، ندرج مجموع العلوم التي بلورها المسلمون لتطوير خطابهم الديني في مواجهة الديانات والثقافات الأخرى ومن ضمنها بروز ظاهرة الزهد وعلم التصوف كإفراز موضوعي لتلاقح مسار التجربة الروحية لفئات من الجماعة الإسلامية بمسارات التجارب الروحية للشعوب التي تم إخضاعها.

– إن حركة التصوف الإسلامي تحمل في طياتها أبعادا متنوعة اجتماعية ومعرفية وأخلاقية وسلوكية وسياسية. تتجلى الأبعاد الاجتماعية في الطابع الازدواجي لحركة الزهد والتصوف من قضايا المجتمع وآفاق تطوره. فتارة يعبر التصوف عن رفض للمظالم الاجتماعية بالمساهمة في نقد كل الظواهر السلبية التي لا تتسق مع المثل والمبادئ العليا للإسلام. وتارة أخرى، بالهروب من مواجهة الأوضاع الاجتماعية بالبحث عن مخارج وحلول فردية وذاتية، وهو طريق مريح لا يخيف أحدا، مادام أن صاحبه في موقع سلبي بعيد عن أتون الصراع حول إدارة شؤون المجتمع. والواقع أن هذا النهج يسير دائما في اتجاه تثبيت السلط القائمة ودعمها دعما قويا.

– تتضح أبعاده المعرفية في الطابع النظري والفلسفي الذي ميز نسقه الفكري القائم على المقومات التالية:

* البحث في الذات الإلهية وفي علاقة الله بالوجود.

* البحث عن مصادر معرفية جديدة بديلا عن الخطاب الفقهي وعلم الكلام والفلسفة، وذلك بتطوير آليات التأويل بحثا عن مقاربات جديدة في النظر إلى الأسس الروحية للمعتقدات الدينية.

* التفاعل الإيجابي مع الثقافات الأجنبية.

* السعي إلى بلورة خطاب توفيقي بين التجربة الصوفية والإسلام، وبين القول بالظاهر والباطن.

– وتتمثل الأبعاد الأخلاقية والسلوكية التي يدعو إليها فيما يلي:

* التركيز على الأبعاد الذاتية للتجربة الصوفية عبر مسلسل من المقامات والأحوال والرياضات والمجاهدات للتقرب من الله تعالى.

* الإلحاح على أولوية الجوانب الروحية في حياة الإنسان

الإحالات:

1- عبد الكريم القشيري، الرسالة القشيرية في علم التصوف، تحقيق وإعداد معروف مصطفى زريق، المكتبة العصرية صيدا – بيروت، 2007، ص 279.

2- المصدر نفسه، ص 279.

3- المصدر نفسه، ص 279.

4- المصدر نفسه، ص 279.

5- المصدر نفسه، ص 279.

6- المصدر نفسه، ص 279.

7- عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ط 1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1993م، ص 381.

8- أحمد أمين: ظهر الإسلام، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2013، ص 841.

9- يوسف التادلي المعروف بابن الزيات: التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، تحقيق أحمد التوفيق، ط 1، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1984م، ص 34.

10- المصدر نفسه، ص 34.

11- المصدر نفسه، ص 34.

12- المصدر نفسه، ص 34.

13- قاسم غنى: تاريخ التصوف في الإسلام، ترجمه عن الفارسية صادق نشأت، مكتبة النهضة المصرية، 1970م، ص 60.

14- المرجع نفسه، ص 60.

15- المرجع نفسه، ص 61.

16- المرجع نفسه، ص 61.

17- المرجع نفسه، ص 61.

18- المرجع نفسه، ص 61.

19- علال الفاسي، التصوف الإسلامي في المغرب العربي، إعداد عبد الرحمن بن العربي الحريشي، ط 2، مطبعة النجاح الجديدة، 2014م، ص 9.

20- المرجع نفسه، ص ص (9 – 10).

21- المرجع نفسه، ص 10.

22- المرجع نفسه، ص 10.

23- المرجع نفسه، ص 10.

24 حسين مروة، النزاعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، الجزء 2، ط 4، دار الفرابي – بيروت، 1981م، ص 150.

25- عبد الرحمن بن خلدون، م س، ص 381.

26- اسماعيل راضي: بين التصوف والزهد محاولة في التصحيح، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط، ط 1، 2014م، ص 7.

27- المرجع نفسه، ص 8.

28- المرجع نفسه، ص 8.

29- حسين مروة، م س، ص 151.

30- المرجع نفسه، ص 151.

31- أحمد زروق: قواعد التصوف، تحقيق عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط 2، 2005م، القاعدة الثانية، ص 21.

32- المصدر نفسه، ص 21.

33- حسين مروه: النزاعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، م س، ص 207.

34- المرجع نفسه، ص 208.

35- أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، دار ابن حزم، بيروت – لبنان، ط 1، 2005م، ص ص (894 – 895).

36- المصدر نفسه، ص 895.

37- أحمد زروق، قواعد التصوف، ص 24 تقلا عن عبد الله بن الصديق الغماري، الإعلام بأن التصوف من شريعة الإسلام مراجعة وتخريج وتعليق طارق العلمي، ط 1، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط، 2014، ص 131.

38- المصدر نفسه، ص 132.

39- اسماعيل راضي: بين التصوف والزهد محاولة في التصحيح، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط ، ط1، ص 115.

40- ابن تيمية، مجموع الفتاوى، (11/12) نقلا عن اسماعيل راضي، التصوف بين المدارسة والممارسة، ط 2، دار الأمان – الرباط، 2016م، ص 221.

41- المصدر نفسه، ص 221.

42- المصدر نفسه، ص 221.

43- المصدر نفسه، ص 222.

44- المصدر نفسه، ص 222.

45- المصدر نفسه، ص 222.

46- المصدر نفسه، ص 223.

47- المصدر نفسه، ص 224.

48- المرجع نفسه، ص 226.

49- المرجع نفسه، ص 226.

بنبوعزة عبدالقادر    

Related posts

Top