يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.
عصي المكانس ومجمع السحرة
جنون السحر الأوروبي كان يفوق شراسة
أنا لا أنفي وجود اعترافات حقيقية أو ساحرات حقيقيات»، لكن يبدو لي أن ثمة تحريفًا كبيرًا قام به قسم من الاختصاصيين الجدد في التعامل مع التعذيب وكأنه كان جانبًا بسيطًا في مجريات التحقيق في حالات السحر. ولم يكن المحققون يكتفون قط ما لم تسمّ الساحرات المعترفات مشتبها بهم إضافيين، الذين بعد ذلك كانوا أنفسهم يُتّهمون ويُعذَّبون بصورة روتينية.
يورد ميفارث حالة امرأة عجوز تعرّضت للتعذيب ثلاثة أيام، واعترفت للرجل الذي كانت قد سمته «أنا لم أرك أبدًا في يوم الاجتماع بالشيطان، لكن
كان يجب عليّ أن أنهم أحدا ما لإنهاء التعذيب وخطرت أنت على بالي لأنك، عندما أخذوني إلى السجن التقيت بي وقلت لي إنني لا أصدق ما اتهمت .به. أنا طلبت منك الصفح، لكن إذا تعذبت ،ثانية، سأتهمك من جديد». أعيدت المرأة إلى آلة التعذيب – الرف وأكدت قصتها الأصلية. أنا لا أرى كيف كان جنون السحر سيتّهم، من دون التعذيب مثل هذا العدد الكبير من الضحايا، ولا عدد الناس الذين اعتقدوا حقًا أنهم طاروا للاجتماع بالشياطين. يفترض أن لكل مجتمع في العالم نمطًا ما من الأفكار السحرية. لكن جنون السحر الأوروبي كان يفوقها شراسة، كما أنه استمر لمدة طويلة وأوقع ضحايا أكثر من أي ظاهرة أخرى مشابهة عندما كان يتم الاشتباه بالسحر في المجتمعات البدائية، كان يمكن أن يُستخدم بعض الوسائل المؤلمة كونها جزءًا من محاولة تحديد الذنب والبراءة. لكن لم أعرف أي حالة كان فيها السحرة يعذَّبون للاعتراف بهوية سحرة آخرين.
حتى في أوروبا، استخدم التعذيب بهذه الطريقة بعد عام 1480 فحسب. ولم يتم إعدام أي شخص قبل عام 1000 بعد الميلاد إن زعم جار رؤيته مع الشيطان. اتهم الناس بعضهم بعضًا بأنّهم سحرة ومشعوذون ويمتلكون قوى غير طبيعية لفعل الشّر. وكان ثمة كثير من التكهنات حول النساء اللواتي يمكن أن يطرن عبر الهواء لمسافات بعيدة وبسرعات هائلة. لكن السلطات لم تهتم كثيرًا بمطاردة السحرة بصورة منهجية وإجبارهم على الاعتراف بجرائمهم. في الواقع، أكدت الكنيسة الكاثوليكية أنه لم يكن في الأصل مثل هذه الأشياء كالساحرات الطائرات عبر الهواء.
وفي عام 1000 بعد الميلاد كان الاعتقاد ممنوعا أن مثل هذه الرحلات حدثت بالفعل؛ لكن لاحقا، بعد عام 1480، صار الاعتقاد أنها لم تحدث ممنوعا في عام 1000 بعد الميلاد أكدت الكنيسة رسميا أن ركوب الساحرات ليس سوى وهم ابتدعه الشيطان. وبعد 500 عام، أكدت الكنيسة رسميا أن أولئك الذين ادعوا أن الركوب مجرد وهم هم أنفسهم حلفاء الشيطان. كانت وجهة النظر الأقدم محكومة بوثيقة تدعى تشريع إبيسكوبي الكنسي (1) (Canon Episcopi).
وجاء في هذا التشريع وهو يرجع إلى الناس الذين اعتقدوا أنّ عصابات من الساحرات يطرن خلال الليل، التحذير التالي: يعتقد العقل الكافر أن هذه الأشياء لا تحدث في الروح بل في الجسد». بمعنى آخر، يمكن أن يدفعكم الشيطان إلى الاعتقاد أنكم أو غيركم تذهبون في جولات ليلية لكن لا أنتم ولا هم يمكن أن تقوموا بذلك بالفعل.
إنّ اختبار ما يعني ذلك «بالفعل» واختلافه الحاسم عن التعاريف اللاحقة لـ «الواقع» هو أنّ لا أحد ممن حلمتم بهم أنتم وأتباعكم المؤمنون الذين رافقوكم في الركوب يمكن أن يتهم جذافًا. إنّه مجرد حلم بمن كانوا هناك، والآخرون لا يخضعون للمساءلة عما كانوا يفعلونه في أحلامكم. والحالم، أيا كان، لديه أفكار شريرة ويجب أن يُعاقب – ليس بالحرق، بل بالنبذ.
مرت قرون عدة قبل التراجع عن تشريع إبيسكوبي، واعتبر إنكار أنّ السحرة نقلوا أنفسهم بالجسد ،وبالروح جريمة هرطقة. وما إن ترسخت واقعية الرحلة، حتى صار من الممكن استجواب كل ساحرة اعترفت عن الآخرين الذين حضروا الاجتماع مع الشيطان تم تطبيق التعذيب في المنعطف الذي يضمن حدوث ردة الفعل الناتج كما في النموذج المتقدم للأفران الذرية، فإن كل ساحرة محروقة سوف تقود آليًا إلى اثنين أو ثلاثة مرشحين للحرق وللمساعدة في أن يشتغل النظام بسلاسة، كانت ثمة إضافات أخرى . ضُبطت النفقات من خلال إجبار عائلة الساحرة على تسديد فاتورة خدمات المعذبين والجلادين. كما سددت العائلة أيضًا تكاليف حزم الحطب والمآدب التي أقامها القضاة بعد الحرق واشتدت الحماسة من أجل صيد الساحرات بين المسؤولين المحليين منذ أن خُوّلوا بمصادرة كامل عقارات أي شخص مدان بالسحر.
(1) وجد هذا التشريع ضمن تشريعات الكنيسة في العصور الوسطى. وهو مصدر مهم على الاعتقاد الشعبي والعادات الوثنية التي بقيت حية في فرنسا عشية تشكيل الإمبراطورية الرومانية المقدسة. دان هذا القانون السحر، واستند إليه معارضو السحر في القرن السادس عشر
إعداد: ايت اومزيد سعيد