يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.
عصي المكانس ومجمع السحرة
أُخذت أغاثي إلى سجن آخر ومورس عليها التعذيب باللوالب. وفي كل فترة استراحة كانت تعيد تأكيد براءتها. وأخيرًا اعترفت مرة أخرى بأنها كانت عاشقة لشيطان ولا شيء أكثر من ذلك. استؤنف التعذيب في 11 ديسمبر بعد أن نفت من جديد التّهم كلها الموجهة إليها. في هذه المرة، أغمي عليها. ورشق الماء البارد على وجهها فصرخت وتوسلت ليدعوها في حال سبيلها. لكن ما إن توقف التعذيب حتى سحبت اعترافها». وفي نهاية المطاف اعترفت أن عشيقها الشيطان أخذها مرتين إلى اجتماعات شيطانية.
طلب المحققون من “إلز” معرفة من رأت في تلك الاجتماعات، فسمت شخصين السيدة سبايس والسيدة ويس. ووعدت بأن تكشف المزيد من الأسماء في ما بعد. لكن في 13 ديسمبر عادت وأنكرت اعترافها، على الرغم من الجهود التي بذلها الكاهن، إذ واجهها بدليل إضافي حصل عليه من أغاثي. في 15 ديسمبر أخبرها المحققون أنهم سوف يتابعون التعذيب دونما شفقة أو رحمة حتى تخبرهم الحقيقة أصبحت إلز واهنة ولكنها أصرت على براءتها. كرّرت اعترافها السابق لكنها أصرت على أنها أخطأت في ما يتعلق برؤية السيدة سبايس والسيدة ويس في يوم الاجتماع بالشيطان: “كان ثمة حشد كبير وفوضى يصعب معها التمييز، خصوصا أن كل الحضور حاولوا ما أمكنهم أن يغطوا وجوههم”. وعلى الرغم من التهديد بمزيد من التعذيب، رفضت سحب اعترافها عند القسم الأخير. أحرقت إلز جوينر حتى الموت في ديسمبر 1601 .
إضافة إلى طريقة التعذيب بوضعية المقلوب والرّف واللولب استخدم صيادو السحرة الكراسي بالنتوءات الحادّة التي تُسخن من الأسفل، والأحذية المربوطة بحجارة الطوب والأحزمة المزوّدة بالإبر والحديد المحمّى والكماشة الحامية والتجويع والحرمان من النوم. كتب أحد النقاد المعاصرين لجنون السحرة، ويدعى جوهان ماتيوس، ميفارث أنه سيهب ثروة إن أمكن إبعاد ذكرى ما رآه يجري في غرف التعذيب:
رأيت أطرافًا تم فصلها، وعيونا دفعت خارج الرأس، وأقداما مبتورة عن الساقين، وأوتارًا ملتوية من المفاصل، وعظام كتف انتزعت من مكانها، وأوردة عميقة متورمة، وأوردة أخرى سطحية مدفوعة إلى الداخل، ثم ضحية معلقة عاليا وسقطت فجأة، لتتلوى على نفسها، رأس في الأسفل وقدمان في الأعلى. رأيت جلادًا يسوط مع الويلات وضربًا بالقضبان وسحقا بالمسامير وإثقالا دائما بالأوزان، ووخزا بالإبر وربطا بالحبال وكيّا بالكبريت، وصبا للزيت وحرفًا بالمشاعل باختصار يمكن أن أؤدي الشهادة، ويمكن أن أوصف، ويمكن أن أدين انتهاك الجسم البشري.
على امتداد تاریخ جنون السحر، كان يجب لأي اعتراف انتزع تحت التعذيب أن يتم التأكد منه قبل صدور الحكم.
وهكذا فإن سجلات حالات السحر تحتوي كلها على صيغة: فلان وفلان من أصحاب الإرادة الحرة أكدوا أنّ الاعتراف قد أُخذ تحت التعذيب. لكن وكما أشار ميفارث، كانت هذه الاعترافات عديمة القيمة بهدف فصل الساحرات الحقيقيات عن الزائفات. ماذا يعني ذلك؟ يتساءل ميفارث، عندما يواجه أحدهم هذه
الصيغة: “مارغريتا أمام هيئة المحكمة لديها الرغبة الحرة لتأكيد أنه تم أخذ الاعتراف منها تحت التعذيب”؟.
هذا يعني أنها عندما اعترفت بعد تعذيب لا يُحتمل، أن الجلاد قال لها، إذا نويت إنكار ما اعترفت به أخبريني الآن لأقوم بعملي بصورة أفضل. وإذا أنكرت أمام المحكمة تعودين إلى يدي وستجدين أنني لعبت معك فحسب حتى الآن، لأنني سوف أعاملك بحيث استدر دموع الحجر. وعندما جيء بمارغريتا أمام المحكمة، كانت مقيدة اليدين بإحكام لدرجة تفور الدماء منهما. وعلى جانبيها وقف كل من السجان والجلاد، وخلفها كان ثمة حراس مسلحون وبعد قراءة الاعتراف سألها الجلاد إذا كانت تؤكد الاعتراف أو تنفيه.
أصر المؤرخ هوف تريفر روبر على أن كثيرًا من الاعترافات كانت تُقدَّم إلى السلطات العامة من دون دليل على التعذيب. ولكن حتى مثل هذه الاعترافات التلقائية والمعطاة بحرية ينبغي أن يجري تقويمها في مقابل الأشكال الأكثر مكرًا من الإرهاب الذي كان تحت تصرف المحققين والقضاة.