مقدسات ومحرمات وحروب.. ألغاز الثقافة – الحلقة 19-

يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.

عصي المكانس ومجمع السحرة

الحركة الهؤسية (Hussite) في بوهيميا القرن الخامس عشر

ادعى راهب منشق في حملة الرعاة الصليبية، يدعى جاكوب، أنه تلقى رسالة من مريم العذراء من أجل دعوة جميع الرعاة لتحرير الأماكن المقدسة. التحق به عشرات الآلاف من الأشخاص الفقراء من أجل هذا الأمر، وكانوا مسلحين بالمذاري والفؤوس والخناجر التي سيرفعونها عاليا عند دخولهم بلدة ما لإخافة السلطات، حيث يجرى لهم الاستقبال اللائق. ظهرت لجاكوب رؤى، وشفى المرضى، وقدّم الولائم المعجزة التي كان يظهر فيها الطعام بأسرع مما يؤكل، وندّد برجال الدين وقتل كل من تجرأ على مقاطعة عظاته. ومضى أتباعه من بلدة إلى بلدة، ليطيحوا برجال الدين أو يغرقوهم في النهر.

قاد التفاعل بين أوساط المحافظين في الأساس، لكن ممن تتعارض مصالحهم مع الكنيسة والدولة، والتهديد بثورة الطبقة الدنيا المتطرفة، قاد أوروبا بثبات نحو الإصلاح البروتستانتي الوشيك. لكن كيف جرت هذه العملية؟ هذا ما يمكن أن نراه في الحركة الهؤسية (Hussite) في بوهيميا القرن الخامس عشر.

صادر الهؤسيون ممتلكات الكنيسة وحاولوا إجبار رجال الدين على عيش حياة الفقر الرسولية وفي عملية انتقامية بدأ البابا وحلفاؤه سلسلة من الحملات القمعية المعروفة في الوقت الحاضر باسم حروب الهوس. وعندما انتشر العنف ظهرت مجموعة ثالثة من مقاتلي الجماهير المُفقَرة. كان يُطلق عليهم الطابوريين – تيمنا بالطابور على جبل الزيتون حيث تنبأ يسوع بقدومه الثاني. بالنسبة إلى الطابوريين كانت حروب الهوس بداية نهاية العالم. اندفعوا إلى المعركة لـ «غسل أيديهم بالدم(»، بقيادة أنبياء مسيحيين ممن أصروا على أن كل كاهن حقيقي مُلزم بملاحقة وجرح وقتل كل خاطئ. بعد إبادة العدو توقع الطابوريون أن يبدأ العصر الثالث ليواكيم الفيوري سيحلّ الغياب التدريجي للمعاناة أوالحاجة الجسديتين ضمن مجتمع الحب والسلام من دون ضرائب أو ملكيات أو طبقات اجتماعية. وفي عام 1419 أسس آلاف من هؤلاء البوهيميين «لأرواح الحرة» (مؤسسو البوهيمية كنمط حياة) مجتمعا مشاعيًا قرب مدينة أوستي على ضفة نهر لوزنيكا. واعتمدوا في تمويلهم على غزوات الريف مجردين وناهبين كل ما طالته أيديهم، ولأنهم مثل رجال قانون الرب، شعروا أنه يحق لهم أخذ كل شيء من أعداء الرب

تكررت حركات مشابهة في ألمانيا على امتداد القرن الخامس عشر. فعلى سبيل المثال رأى في عام 1476، راع يدعى هانس بوم مريم العذراء في منامه. وقال إنه من الآن فصاعدًا سوف يرفض الفقراء دفع الضرائب والعشور استعدادًا للمملكة المقبلة، وقريبًا سيعيش الجميع معا من دون تمييز في المراتب، وسيعطى كل شخص فرصة متساوية للحصول على الغابات والماء والمرعى ومناطق الصيد البحري والبري. تقدّمت جموع الحجاج إلى مدينة نيكلا شاوزن من أرجاء ألمانيا كلها لرؤية الشباب المقدس. وساروا في طوابير طويلة، مرحبين بعضهم ببعضهم الآخر كـ «أخ وأخت»، وهم ينشدون الأغاني الثورية. لا يمكن أن يُفهم الشكل الخاص الذي أنجز من الإصلاح البروتستانتي في نهاية المطاف بعيدا من البديل الحربي – الخلاصي المتطرف الذي أخاف القوى الدنيوية كما أخاف الكنيسة وككثيرين، قبله كان لوثر مقتنعًا أنه يعيش الأيام الأخيرة، وأن البابا كان عدو المسيح، وأن البابوية يجب أن تُقوَّض قبل أن تتحقق مملكة الرب. لكن مملكة الرب اللوثرية ليست من هذا العالم، وشعر أن التبشير بدلا من الثورة المسلحة كان الطريق الملائمة لتحقيق ذلك. رحب النبلاء الألمان بما قام به لوثر من مزج التقوى الجذرية والسياسات المحافظة. كان توليفا موفقا في سبيل الإطاحة بحكم البابا من دون زيادة خطر الثورة الاجتماعية.

تكفّل توماس مونتزر تلميذ مارتن لوثر في الأصل، بالرد الراديكالي المتناغم مع حركة لوثر، إذ اختار لوثر ومونتزر جانبين متعارضين من الثورة الفلاحية الكبرى في عام 1525 لوثر من جهته دان الفلاحين في كتيبه ضد الاغتيال وضد جحافل اللصوص من الفلاحين فردّ عليه مونتزر بأن الناس الذين يدعمون لوثر كانوا أنفسهم اللصوص الذين استخدموا القانون لمنع الآخرين من السرقة». أصر مونتزر أن ما يسميه لوثر قانون الرب كان ببساطة أداة من أجل حماية الملكية، وإن البذور الأصلية للربا والسرقة والسطو هم «أسيادنا وأمراؤنا».

< إعداد: ايت اومزيد سعيد

Related posts

Top