مرة جديدة يوجّه الإرهاب ضربة قوية في فرنسا “في نيس” ما أدّى إلى مصرع أكثر من 80 من الضحايا الأبرياء، كما ضرب في بلدان أخرى من قبل، أي أن مجمل الإجراءات الأمنية المتّخذة لم تفد بوضع حدّ لاستشراء هذا السرطان الذي بات يهدد الاستقرار العالمي. في هذا الإطار يمكن تسجيل بضع ملاحظات، ربما يكمن أهمها في الآتي:
أولا، إن العمليات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء في البلدان العربية لا تلفت انتباه أحد، مع الأسف، بالقدر نفسه الذي يحصل بعد كل عملية تحدث في بلد أوروبي، وهذا من باب المقارنة بين ردود الفعل. والفكرة هنا أن هذا يحصل على الرغم من أن أكثر ضحايا العمليات الإرهابية هم من العرب والمسلمين تحديدا، أي ليسوا من الغرب.
ثانيا، يمكن الاستنتاج مما تقدم، أنه ليس ثمة مبرر لصعود “فوبيا” الإسلام في الغرب، لأن هذه الظاهرة ليست وليدة العمليات الإرهابية من الأساس، رغم معرفتنا بأن هذه العمليات وقع الإسهام في بروزها وانتشارها خلال الآونة الأخيرة، في مجتمعات الغرب، على الرغم من أن القائمين بهذه العمليات هم من العرب المسلمين.
ثالثا، المعنى من ذلك أن نشوء ظاهرة الإرهاب يعود إلى أسباب سياسية، وليس إلى أسباب دينية، رغم محاولة منظري هذه الظاهرة ادعاء ذلك، علما أن هذا مجرد استخدام سيء للدين ويضر بالمسلمين، من دون التقليل من أهمية هذا الاستخدام وجاذبيته وخطورته في أوساط الشباب الذين فقدوا اليقين والذين يبحثون عن هويتهم.
رابعا، من المفيد البحث في الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لنشوء وصعود ظاهرة الإرهاب، فهذا أمر لا بد منه لمعالجة هذه الظاهرة، بيد أن المجدي أكثر هو البحث في الأسباب السياسية، وفي طبيعة الأنظمة الحاضنة أو المصدرة لهكذا ظاهرة، في الأنظمة المتأسسة على الفساد والاستبداد، لأن هكذا أنظمة هي التي تشيع انعدام اليقين، والقلق من المستقبل، لأنها قائمة على الظلم والتهميش وامتهان الحرية والكرامة وافتقاد معنى العيش.
خامسا، لعله من الأجدى فوق كل ما تقدم البحث في أنشطة أجهزة الاستخبارات في الدول وضمنها تحديدا سوريا والعراق وإيران، لأن انتشار هذه الظاهرة لم يأت عفويا. والقصد أن ظاهرة بهذه القوة والانتشار والقدرة لا يمكن أن تكون وليدة خبراتها أو إمكانياتها الخاصة، أي لا بد من وجود قوى دولية وراءها، تقدم لها الدعم والإسناد والتوجيه، والتسهيلات اللوجستية، والإمكانيات المالية. وربما من المفيد هنا إجراء نوع من مراجعة تاريخية، إذ أن تنظيم “فتح المجلس الثوري” بزعامة أبونضال البنا، لم يكن مجرّد تنظيم يشتغل لحسابه، إذ كان ثمة مشغّل أمّ (نظام صدام) وكانت ثمة أنظمة أخرى شغلته مثل نظام القذافي ونظام الأسد. هذا حصل مؤخرا مع صعود ظاهرة “غرباء الشام” لزعيمها محمود قول أغاشي (أبوالقعقاع)، الذي اغتيل في حلب عام 2007، والذي كان يرسل الانتحاريين إلى العراق، كما حصل مع ميشال سماحة الذي ضبط وهو يحمل متفجرات لاستخدامها في لبنان بهدف إثارة النعرات الطائفية، لذا من المريب التغاضي عن هذه الحيثيات.
سادسا، يفترض الاستنتاج مما ذكرناه أن علاج هذه الظاهرة لا يتم بالوسائل أو بالإجراءات الأمنية فقط، إذ لا بد من إجراءات سياسية، ضمنها تعزيز الديمقراطية وإطلاق الحريات، كما لا بد من إيجاد بيئة نابذة للتطرف والتعصب، بيئة تتأسس على تكافؤ الفرص بين المواطنين، والمساواة في الحقوق، وتعزيز الحريات ونشر الديمقراطية، وتطوير التعليم، والتنمية الاقتصادية، أي أنه يجب القيام بحزمة كاملة من الإصلاحات التي تؤسس إلى تغيير واقع الحال، أو لإتاحة فرص أفضل لعيش الأجيال القادمة.
سابعا، من غير المفهوم سكوت التيارات الإسلامية عن الجماعات الإرهابية التي تتغطّى بالإسلام، أو الاكتفاء بإدانتها، بدعوى ما يسمى “أخوة المنهج”، أو بدعوى أن ما يجري مجرد أخطاء، إذ أن هذه النظرة تضرّ بهذه التيارات وتوحي بأن الجماعات الإرهابية تتغذى من الجماعات الإسلامية المرنة والمعتدلة، أي أن هذه التيارات مطالبة بتمييز نفسها ولا سيما أن هذه معركتها على وجودها وشرعيتها، من خلال رفع الغطاء الديني عنها وتفنيد منطلقاتها أو ادّعاءاتها أو تبريراتها، ولا سيما المتعلقة بالحاكمية وتطبيق الحدود، وادّعاء الوصاية على الإسلام والمسلمين، فهذه مهمة الإسلاميين قبل أن تكون مهمة غيرهم من التيارات العلمانية والقومية والليبرالية.
ماجد الكيالي *
*كاتب سياسي فلسطيني
ملاحظات من عملية نيس
الوسوم