ما يحز في نفس المغاربة، إعلاميون ومواطنون عاديون. أن ملف الوحدة الترابية وضمنها ملف الصحراء، ظل لفترات حبيس رفوف الدولة وبعض القادة في الحكومة والأحزاب. بعدها سمح لبعض الإعلاميين والسياسيين والباحثين بالخوض فيه بشروط جعلت مداخلاتهم خجولة، محدودة، وغير ذات جدوى. وبدا للعيان قصورهم في المواجهة والمرافعة والمناظرات الإعلامية الدولية. وللأسف لازال ملفا «أحمرا» محتكرا من طرف أقلية منتقاة. لا يمكن الخوض فيه إلا بإذن مسبق. علما أن الموضوع يتعلق بالقضية الأولى للبلاد. والمفروض أن يعرف تعبئة شاملة لكل المكونات السياسية والحقوقية النقابية والفعاليات الجمعوية بمختلف طاقاتها ومبدعيها. ولا يمكن لأي تعبئة أن تنجح بدون ترسيخ اقتناع تام وشامل لكل تفاصيل الملف. التخوف «اللامقبول» الذي تنهجه الجهة المشرفة على الملف، جعلها تحول المنابر الإعلامية بالمغرب، إلى مجرد ببغاوات وأبواق، تردد ما يصلها من تصريحات وبلاغات ومتابعات للأنشطة الرسمية، دون فسح المجال لاجتهادات الصحفيين في البحث والتنقيب. علما أن كل المغاربة مقتنعون بأن»الصحراء مغربية». وكلهم غير مقتنعين بخيار (الحكم الذاتي)، الذي يبقى في نظرهم حلا سياسيا لإرضاء الرأي العام الدولي فقط. لأن الحقيقة الذي يجب أن يعلمها الكل أنه لا دولة بمحيط المغرب أو في العالم، تقبل بأن يهنأ المغرب بصحرائه ويستفيد من ثرواتها، كما أنه لا دولة لا تقبل بإحداث دولة جديدة.
الدولة بكل مكوناتها لم تبادر إلى الاستفادة من دور الإعلام الوطني الذي يجمع كل رواده على أحقية المغرب في صحرائه في التوعية والتحسيس، ولا في توظيفه كسلاح للهجوم، أو كدرع للتصدي للمناورات الإعلامية الأجنبية التي تشتغل بشكل مستمر وفق أجندات مدروسة. الإعلام الوطني لا يتناول ملف الصحراء إلا من أجل الرد أو التوضيح أو التبليغ، علما أنه داخل كل منبر إعلامي هناك طاقم من الصحافيين المتخصصين ومعهم أساتذة وباحثين وكتاب رأي و.. ويمكن لأي منبر أن يؤدي دورا فعالا في القضية. وخصوصا الإعلام البديل الذي فتح آفاق التواصل على المستوى الدولي. ما يحز في النفس أن تجد صحافيين يتجنبون الخوض في ملف الصحراء ليس لعدم كفاءاتهم أو قدراتهم المعرفية، بل لأنهم متخوفون أو ممنوعون بتعليمات. وفي الوقت ذاته تجد أن هناك بعض الصحافيين أو الباحثين الغير المتمكنين، تلقوا تأشيرات الخوض في الملف، وفشلوا في التحاور والتحرير والمواجهة في عدة مناسبات.
ففي ظل القصور الواضح على مستوى التأطير الحزبي والنقابي والتواصل المباشر مع المواطن، يبقى الإعلام هو الجسر الوحيد الذي بإمكانه التواصل مع المواطن. وفي ظل إحساس الإعلامي بخطورة الخوض في الملف، وتجنب البحث والاستقصاء بحرية تامة. فإن المواطن لن يعلم بمسار الملف. ويبقى عرضة لما يشاع داخل مواقع التواصل والمواقع الالكترونية الأجنبية. لدرجة أننا قد نحصل على معلومات من منابر ومسؤولين من خارج المغرب . وطبعا فهي معلومات ممزوجة بما أريد لها من طرف مسوقيها من أجل ضرب أحقية المغرب في صحراءه.
وإن كان الإعلام الوطني بين مطرقة الاحتكار و سندان التخوف. فإن معظم الإعلام الدولي يلتزم الصمت اتجاه الملف. وتبادر بين الفينة والأخرى بعض المنابر الإعلامية المأجورة أو التابعة لبعض الأنظمة، إلى تناول الملف بطرق لا تمت لأي جنس من الأجناس الصحافية. وهي منابر تهاجم المغرب من اجل الابتزاز، أو مقابل النفط والغاز الجزائريين . أو بتعليمات من بعض الدول الأجنبية الموالية للنظام الجزائري و المستفيدة من ثروات الشعب الشقيق المقهور « اسبانيا، جنوب إفريقيا، سوريا، لبنان..»، التي تحب مداعبة المغرب من أجل الابتزاز والتخويف. وطبعا فتهجمات تلك المنابر الأجنبية لا تجد من يصدها بقوة من داخل المغرب. لأن معظم الإعلام المغربي غير ملم بكل تفاصيل الملف، ولأن الحقوقيون والصحافيون و.. الملمون بالملف غير مأذون لهم.
ورثنا أزمة انفتاح بشري على الصعيد الدولي. جعلتنا غير فاعلين دوليا على المستوى السياسي وعلى مستوى لعب دور «السفير المغربي» والتعريف بقضايانا العادلة. قديما منعت الكوادر والكفاءات من البحث عن العمل والإبداع والتألق خارج المغرب . والسبب واحد لا ثاني له وهو خوف النظام من هروب تلك الكفاءات ومعارضتها له .
مجرى ومسار ملف الوحدة الترابية يؤكد بالملموس الثقة الكبيرة التي يضعها الشعب المغربي في الدولة بكل مكوناتها. ويؤكد أن الدولة خاطئة في طرق معالجتها للملف بإقصاء المغاربة. وعليها أن تدرك أن تحرير وتسوية مشاكل الحدود يتطلب أولا تحرير ملف الوحدة الترابية شمالا وجنوبا، وفك قيود الراغبين في المساهمة والدعم. من الواجب إشراك ومشاركة كل المواطنين كل حسب قدراته المعرفية . تخيلوا معي مواطن مقتنع تمام الاقتناع بمغربية الصحراء ومستعد للموت من أجلها. علما أنه لا يفقه شيئا عن ملف الصحراء. ولا تصله أية معلومة عن مسار الملف. مواطن بإمكانه أن يكون خير سفير وطنيا ودوليا. من أجل التعريف بقضيتنا. ولا ينقصه سوى الحقائق والمعلومات التي يمكنه نشرها بكل روح وطنية.
وجب خلق مؤسسات مهامها جعل كل المغاربة محامين قادرين على الترافع والمواجهة، لأن الترافع والمواجهة يمكن أن يكون في أي مكان وفي أي زمن وحين. جلسات المقاهي والمنازل والفضاءات العامة والخاصة داخل وخارج المغرب، يمكنها أن تكون منابر لنشر الحقائق. وجعل كل مغربي يكتسب آليات الدفاع عن صحراءه. مغاربة الخارج حيث المجتمعات حية ورافعة في كل تغيير، بإمكانهم الدفاع عن قضيتهم الأولى من منطلق نشر حقائق ومعلومات. تجعل محاوريهم يقتنعون.
بقلم: بوشعيب حمراوي