مناضلات حصلن على نوبل -الحلقة 1/ الجزء الثاني

“…أن تكون مُؤمنًا بقضية لا يعني الكثير، أما أن تقرّر أن تُناضل من أجلها فأنت تُقرّر حينها أن تحيا أسطورتك الذاتية، يعني أن لديك قلبًا ينبض وعقلًا يضيء فتشعر حينها بأنك تحيا إنسانيتك، وتستشعر وجودك، فإذا كان صنع السلام أصعب من خوض الحرب لأن صنعه والمحافظة عليه يتطلبان الشجاعة ويفترضان أحياناً مقاربات جديدة وصعبة، إلا أن ذلك يبقى رهينا بالتمتع بشخصية مدنية مُحببة ورأسمال ضخم من الإرادة والطموح والعمل والمثابرة والعزيمة للوصول إلى الهدف، شعرن دومًا بقلوبهن النابضة وعقولهن المضيئة بذلك الإنسان القابع في نفوسهن برغم القيود التي فرضها عليهن المجتمع لا لشيء إلا لكونهن ملحقات بتاء التأنيث، وبرغم ذلك قررن أن يحملهن تاء التأنيث سلاحا في نضالهن، ينتشرن في التاريخ كالزهرات الجميلات يمنحن الأمل ويتركن حلما لدى الجميع يقول: أنا المرأة، أنا النضال، أنا الحرية، أنا الإنسان دون تمييز… فتدافعن نحو الحرية وحماية حقوق الإنسان بشجاعة ومُثابرة، ناضلن في سبيل الحقيقة والعدالة والأمل والإصلاح والسلام، دافعْن عن القضية الإنسانية وحملن لأجلها راية الحرية والديمقراطية والحفاظ على كرامة الإنسان، حتى كوفئن أخيرا بتسجيل أسمائهن في وصية ألفريد نوبل التي كتبها تكفيراً عن شعوره بالذنب لاختراعه الديناميت القاتل، إنهن مناضلات دافعن عن الحياة وحصلن على نوبل….”

ماري كوري.. حكاية حب ونضال ومقاومة وغبار ذري

ماري ووزجها بيير يردان على وزارة الإعلام بعد منحهما ميدالية تقديرية: “لسنا بحاجة إلى أوسمة فكل ما نحتاج إليه هو مختبر”

من حب العقل إلى حب العمل والعلم

تروي ايف كوري لابوس (ابنة ماري كوري) حياة والدتها وزواجها ببيير كوري في الكتاب الذي حمل سيرتها الذاتية تحت اسم (التلميذة الخالدة) الذي كتبت من خلاله سيرة والدتها، وتقول: “..كانت حياة ماري مثقلة بالصعاب التي تجاوزتها سريعاً وعمدت إلى إثبات نفسها للجميع وأجبرتهم على احترامها، لم يكن يهمها سوى العلم والمعرفة فقط، لكن وجود بيير ولقائها غير لها مسار عودتها النهائية إلى بولونيا بعد استكمال دراستها كما وعدت بذلك والدها لحظات وداعها له ومغادرتها بولونيا للالتحاق بجامعة السوربون، أحبته كثيرا، فقد عرف كيف يؤثر عليها ويتأثر بها حتما، وانطلقا يعبدان طريقهما بالحب والعشق دائما، الحب الذي امتزج بالمعرفة والعقل ومسايرة العلم الحديث وتحقيق أمنياتهما في البحث العلمي، فكل ما كان يملكانه هو دراجتان هوائيتان يتنقلان بواسطتها بين قرى الريف حيث قضيا ايام العسل السعيد، وانطلقا سريعا إلى ميدان العلوم والأبحاث التي ظهرت أولى نتائجه بعد ثلاث أشهر من ميلاد ابنتهما الأولى إيرين (12 سبتمر 1897) بعد أن ظهر إشعاع غامض عرف بالإشعاع الأوراني من ذريات معدن نادر يسمى الأوران، لكنها سرعان ما تخلت عن أبحاثها احتراماً لصديق زوجها العالم هنري بيكيريل الذي سبق وأن توصل إليه، وهي الظاهرة التي أطلقت عليها ماري اسم (راديو اكتيفيتي) الذي ظل مصدر الإشعاع المنبعث من الأوران غامضاً، حينها فضلت الاهتمام أكثر بدور الزوجة وربة البيت والمربية لابنتها مع بقائها عالمة متعاونة مع زوجها لتخفيف كل ثقل الحياة السعيدة..”.

لست بحاجة إلى أوسمة… أحتاج لمختبر

كان هم العالمة الشابة أن تجد غرفة تحولها إلى مختبر تتابع فيه أبحاثها العلمية التي وجدتها في مبنى كلية العلوم، لكن مثل هذه الغرفة الصغيرة لم تكن كافية بالبحث بقدر ما كانت مفيدة للحظة الراهنة فقط، فقد كانت الغرفة خالية من جميع وسائل الراحة شديدة الرطوبة لا تصلح للمعدات الكهربائية أو أي من التجهيزات الأخرى التي يحتاجها البحث والتحليل، وهي ظروف لم تثنها عن المثابرة والعمل حتى نشرت في 12 أبريل 1898 دراستها الأولى والشهيرة عن مادة معدنية تشبه الزفت وتحتوي على جسم غريب وجديد يرسل إشعاعات حيوية، وبعد أن تمكنت من عزل هذه المادة خرجت بعنصرين: بولونيوم وراديوم، وحروق في يديها جراء ذلك، كان بيير يراقب زوجته ويديها المُحترقتين بسبب الاكتشاف الجديد وقد أيقن بأن الأوان قد حان لينضم إليها ويساعدها في أبحاثها، وفي هذا تقول ابنتها ايف “… كان اكتشاف ماري لعنصري مادتها أمرا أشبه بالمعجزة، فالبهجة ارتسمت طويلا على محيياها وتناست حينها يديها المُحترقتين، لكن مشكلة جديدة ستعترضها وتعترض هذه العالمة في استكمال دراساتها وأبحاثها، إنها صعوبة الحصول على المعدن المعروف باسم (بيتشبلاند) غالي الثمن الذي يحتوي على عنصري اكتشافها (بولونيوم، راديوم)، ومثل هذه العناصر موجودة فقط في بوهيما خارج الحدود الفرنسية، ولهذا سعت بكل جهدها للحصول عليها من الحكومة النمساوية التي سمحت لها بنقل ما يزيد عن طن من هذه المادة بغرض البحث العلمي، وانكبت ماري رفقة زوجها بيير على العمل والبحث والتحليل لأربع سنوات في رابطة قوية من الحنان والتعاون والحب والذكاء تشد الزوجين معا نحو هدف واحد ألا وهو المعرفة والمعرفة فقط، “.. …كنا نعيش في حلم حقيقي لكنه تحقق، فرغم قيامي بدور العالمة والمهندسة والعاملة والباحثة إضافة إلى الأم والمربية والزوجة، كان علي أن أحرك الزفت بواسطة محرك غليظ وثقيل كي أعزل من خلاله الراديوم، وهذا عمل مرهق وشاق للرجال فكيف هو بالنسبة إلى سيدة نحيلة مرهفة الإحساس مثلي ..”.

وتستطرد إيف بالقول “.. وفي أحد الأيام انصرف الزوجان إلى منزلهما للراحة قليلا لكن ما لبثا أن عادا سريعا إلى المختبر استجابة لنداء غامض، وحين فتحا الباب صرخت ماري تقول: لا تُنرْ المصباح يا بيير، وأضافت بفرح كبير تقول له: كنت دائما أتمنى أن يكون لون الراديوم جميلا، أنظر يا بيير..، أنظر، إنه جميل، أليس كذلك ..، كان هذا الاكتشاف يشع من زاوية المختبر المظلمة حتى انحنى الزوجان يتأملان بذهول ثمرة أبحاثهما وجهد السنين، وهي الثمرة التي قدمت لأجله وزارة الإعلام الفرنسية ميدالية تقديرية لماري وبيير، فأعاداها مع عبارة “لسنا بحاجة إلى أوسمة فكل ما نحتاج إليه هو مختبر”، لكن فرحة النجاح هاته لم تدم طويلا، وعجز الفرح أن يستمر حيث تلقت ماري نعي والدها وهي في طريقها لزيارته، وحينما وصلت إليه سجدت أمام نعشه تستغفره وتستسمحه لبقائها بعيدة عنه وعن أرض الوطن بولونيا كما وعدته في شبابها وهي تغادرها إلى فرنسا”.

ازدواجية نوبل

ما أن اكتشفت ماري كوري الراديوم حتى انهالت عليها وزوجها مئات من الرسائل التي أخذت تصل إليهما يوميا من أرجاء أوروبا لمعرفة المزيد من المعلومات، وانكبا طيلة خمس سنوات على إخراج اثنين وثلاثين بحثا علميا ذات صلة وثيقة بالراديوم، وانطلق زوجها (وإثر حادثة أصابت صديق العائلة بيكيريل الذي أحرق جلده جراء احتفاظه بأنبوب يحوي مادة الراديوم) مع فريق من الأطباء لدراسة تأثير هذه المادة على الحيوان وتبين لهما سريعا أنها تشفي من بعض الأورام والبثور السرطانية الخبيثة، وشكل مثل هذا الحدث الخطوة الأولى في اكتشاف منافع الراديوم وأهميته الطبية، ولهذه الغاية وقفت ماري أمام حشد كبير في إحدى قاعات جامعة السوربون تناقش بشجاعة وثقة وصوت ناعم وهادئ جل نظرياتها وأبحاثها، وما أن انتهت حتى عقدت اللجنة العلمية اجتماعا قصيرا كلفت على أثره العالم (ليبمان) بإعلان منحها دكتوراه في علم الفيزياء: “..إن جامعة باريس تمنحك مع رتبة شرف رفيعة دكتوراه الدولة في علم الفيزياء، وباسم اللجنة العلمية أقدم لك تهانينا وتمنياتنا لك بمزيد من التفوق والنجاح في مسيرتك العلمية..”، وهو حدث شكل لها بداية الحياة العلمية التي أرادت لها أن تكون، وها هو الحدث العظيم يتحقق سريعا في العام 1903 عندما أعلنت أكاديمية العلوم السويدية منحها الزوجين والعالم بيكيريل جائزة نوبل للفيزياء.. فانطلقت ماري على إثرها تكتب لشقيقها تقول “…سبعون ألف فرنك، إنه رقم كبير جدا وأنا منزعجة من الصحافة ومن الظهور والشهرة والأضواء… أتمنى لو أختبئ تحت الأرض كي أنعم بالهدوء..”، وهو هدوء لم يتحقق لها بشكل آخر بعيد أن فجعت بفقد زوجها بيير الذي فارق الحياة بعد عودته من أحد الاجتماعات الليلية واصطدامه بعربة خيول وشاحنة محملة بثياب للجيش أكملت على أنفاسه الأخيرة ويتركها تقاوم الحياة رفقة ابنتيها إيرين وإيف التي تقول بهذا الصدد في كتاب التلميذة الخالدة: “.. تركت الحادثة أثراً عميقا في نفس الزوجة الشابة ماري كوري ولبثت وحيدة حزينة، فقد فقدت فيه الزوج والرفيق، زميل العمل والدراسة، ولم يتبق لها هناك أي شيء يثيرها حتى نحن طفلتيها، فهرعت إلى شقيقتها بدونيا لكي تساعدها طبياً ونفسياً وتخرجها من صومعة حزنها الطويلة، وكان أول ظهور لها قد تم في محاضرة ألقتها بجامعة السوربون وأثارت اهتمام الجميع، إذ كانت أول امرأة تقف فوق تلك المنصة العلمية وبدأت محاضرتها من النقطة التي توقف عندها زوجها بيير، وكأنها تذكرت وصيته (يا ماري إذا حدث مكروه لأحدنا فعلى الآخر أن يتابع الطريق ويستمر في العمل)، ومن تلك اللحظة كرست نفسها من جديد لتحمل المسؤولية الكبرى وباتت تقوم بدورها ودور العالم الكبير الذي فقدته للتو مترئسة بذلك لدائرة الفيزياء الفرنسية التي اعتبرتها أول امرأة تشغل هذا المنصب الذي سيؤهلها من جديد في العام 1911 للحصول على جائزة نوبل للكيمياء تقديرا لإنجازاتها العلمية المنفردة بعد وفاة زوجها وتحقق ازدواجية لنوبل نفسه كونها الوحيدة بين الرجال والنساء التي نالت الجائزة الرفيعة مرتين، وتنالها فيما بعد شقيقتها إيرين التي اقتفت خطاها على درب العلم والمعرفة بعد أربع وعشرين عاما مضت على ذلك التاريخ بالاشتراك مع العالم فريديريك جوليوت الذي أصبح بدوره زوجها وشريك مسارها العلمي كما كان لماري وبيير ايضا..”.

درهم من الراديوم

أمام هذه النجاحات المتواصلة التي أخذت تحققها ماري انطلق العديد من الكارهين لها ولنجاحاتها إلى إلصاق العديد من التهم بها، ولعل المفارقة العجيبة والغريبة كانت قد جاءت من المجتمع الفرنسي وصحافته في الوقت الذي تقف فيه فوق أرفع ذروة علمية على الإطلاق وهي السوربون، فقد انطلقت الصحافة بمهاجمتها ونشر أبشع الأكاذيب والتهم عنها متهمة إياها بعلاقة عاطفية مع مساعدها عالم الفيزياء والرياضيات (بول لونجينين)، وهي الإشاعات التي ساهمت فيها زوجة العالم وأمها والتي لم تواجه سوى بالصمت من ماري التي انزوت مع ألمها ومرضها نتيجة الإشعاعات التي تجريها وتقوم بها إلى أن امتدت إليها أيادي أصدقائها لتنقذها من الألم والمرض والتي لم تجنب ماري المرض (نظرا لكونها مساعدات محدودة)، فمضت عاما كاملا عليلة الجسم والروح إلى أن زارها العالم ألبرت اينشتاين وأخذ يرافقها في عطلة ريفية أعاد من خلالها العافية إلى وجنتي العالمة وأرجع إليها نشاطها العلمي، وانطلقت من جديد إلى تأسيس مختبر علمي باسم زوجها (معهد الراديوم) الذي أسسته وأشرفت عليه دون أن يتسنى لها الوقت للعمل فيه لانصرافها في إسعاف الجرحى مع حلول الحرب العالمية الأولى والتي أخذت تطوف معها بين المستشفيات تقود بسيارتها المجهزة بالأشعة واضعة اكتشافاتها وعلى نطاق واسع لخدمة الإنسانية حتى تحقق لها أمنيتها عام 1920.. وإثر مقابلة مع صحفية أمريكية تدعى ميلوني التي سألتها عن أمنيتها المفضلة، فأجابت ماري بالقول: أمنيتي الحصول على درهم واحد من الراديوم كي أجري المزيد من الاختبارات، وإثر نشر المقابلة تلقت ماري دعوة رسمية لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية وانهالت عليها التبرعات فجمعت ما يزيد عن 100 ألف دولار لشراء الدرهم المنشود وحولت الهدية لتكون باسم الإنسانية ولخدمتها، وتوالت انتصارات تلك المرأة البسيطة الخجولة العالمة التي لا تبالي بمظهرها حسب وصف الصحافة الأمريكية لها وأسست عام 1925 معهدا لأبحاث الراديوم في بولونيا بعد حصولها على درهم آخر من الراديوم من طرف الرئيس الأمريكي آنذاك هوفر الذي دعاها إلى زيارته، لتخصص لها الحكومة الفرنسية بعد حين أربعين ألف فرنك سنويا تقديرا لخدماتها العلمية الفريدة.

أتركوني… أريد أن أرتاح

تروي ابنتيها ايف تلك الانتصارات لوالدتها ماري في كتابها التلميذة الخالدة “… لم تبدل الانتصارات المتتالية التي حققتها ماري شيئا من حياة العالمة، ولا في تعابير وجهها، كما لم تفارقها البساطة، ولم تبتعد عن شعارها الدائم (في العلم علينا أن نهتم بالأشياء لا بالأشخاص)، لكنها مع ذلك بقيت خجولة تخاف من الجماهير تبتعد عن الأضواء قدر المستطاع يسبب لها الخجل صقيعا في الأطراف وجفافا في الحلق..”، وتستطرد ايف بالقول وهي ترسم صورة المشهد الذي يتكرر يوميا لوالدتها: “… كانت ماري ساهرة حتى الثانية والثالثة صباحا، تجلس دائما فوق الأرض مباشرة، ويحيط بها أكوام وأكوام من الأوراق والبحوث والدراسات، تقوم في بعض الأحيان بعدها باللغة البولونية، كانت تهتم كثيرا بالتأليف ونشرت كتابا عن والدي بيير رغم إصابة عيناها بالمياه الزرقاء وتحذير الأطباء لها بالابتعاد عن العمل، لكنها أبقت ذلك سراً لا يعرفه أحد سوانا حتى أصبحت تحتاج إلى مساعدة طبية في تناول طعامها ولجأت في المختبر إلى الوسائل التي يحتاجها المكفوفون وتعلمتها سريعا، لكن الأمر تعقد كثيراً واضطرت معه إلى إجراء أربع عمليات في عينها حتى استعادت بصرها من جديد وأصبحت قادرة على قيادة سيارتها الخاصة بمفردها، وبدأت في نهاية المطاف تتحدث مع نفسها وكأنها أخذت تشعر بأنها لن تعيش طويلا، فانكبت بنهم تدون كل ما أمكن تدوينه رغم اعتراض طبيبها ونصحه إياها بعدم إرهاق جسمها النحيل المتهالك المصاب بالحمى التي سرعان ما لازمتها طويلا وأجبرتها على الجلوس في سريرها، وبينما يقترب الطبيب منها بعد اشتداد حالتها وتطور المرض ويمسك بإبرته في إحدى محاولاته لإنقاذها حتى ارتفع صوتها بضعف شديد وأخذت تقول له:  أتركوني، أريد أن أرتاح، حينها كتب البروفيسور ريغو الذي أشرف على علاجها لسنوات: إن فقر الدم الذي أصاب ماري لم يكن عاديا بل كان من تأثير مادة الراديوم، لقد قضت العالمة ضحية الأشعة التي اكتشفتها، وهكذا غاب الجسد بالمدينة التي أحبتها باريس يوم الرابع من يوليوز 1934 وبقيت الروح تسكن قاعات الأشعة بأنواعها المختلفة، وأبقي معه أسم ماري كوري ومحاولاتها في شفاء واكتشاف الأورام السرطانية التي ربما لم تستطع أن تسعف نفسها بها وأصابها بفقر الدم.

سلسلة من إعداد وتقديم: معادي أسعد صوالحة*

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في المغرب

Related posts

Top