منتدى وطني بأكادير حول نظام الدفع مقابل الخدمات البيئية

 محمد التفراوتي
تحت شعار “خدمات النظم الايكولوجية من أجل الطبيعة ورفاهية الشعوب”، نظم مشروع “مقاربة الاقتصاد الدائري من أجل الحفاظ على التنوع الاحيائي للمنظومات الزراعية في جهة سوس ماسة”، مؤخرا بأكادير، ولأول مرة بالمغرب،  منتدى دراسيا حول مفهوم ومقاربة “الدفع مقابل خدمات النظم الإيكولوجية”، وذلك على هامش إحياء اليوم العالمي للغابات.
وتدارس المنتدى فرص وتحديات استعمال خدمات النظم الايكولوجية لضمان الحفاظ والاستعمال المستدام للموارد الطبيعية. كما تناول الشراكة بين القطاعين العام والخاص في سياق خدمات النظم الايكولوجية لدعم الحفاظ وتثمين النظام الايكولوجي للأركان. ويتلخص تعريف المبدأ الكامن وراء مفهوم “دفع مقابل خدمات النظم الإيكولوجية”، في الحصول على منافع مالية من النظام البيئي دون المساس بغنى التنوع البيولوجي.
واستهل أبرو أهرو، المدير الجهوي لوزارة الفلاحة، الملتقى بالإشارة إلى سياق وإطار المنتدى كمقاربة  ناجعة تروم الحفاظ على التنوع الإحيائي للمنظومات الزراعية  في جهة سوس ماسة درعة بالمغرب  وتتماشى مع توجهات مشروع الاقتصاد الأخضر، بدعم من برنامج الامم المتحدة والصندوق الدولي للبيئة ووزارة الفلاحة والصيد البحري، ويندرج في إطار الإصلاحات الهيكلية التي يعرفها المغرب على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي كاستراتيجية جديدة لتنمية الفلاحة بالمغرب. ويرتكز البرنامج، يضيف هرو، على ثلاث محاور أساسية تتمثل في إعادة التوازن لاستعمالات المياه والموارد المائية المتجددة، وتنمية السلاسل، خصوصا وأن الجهة تشهد جهودا مضاعفة على صعيد الأركان الذي بات يحظى بأهمية مثلى في استراتيجية وزارة الفلاحة والصيد البحري، حيث سيتم غرس 5 ألاف هكتار من الأركان بالتنقيط، وهو المشروع الذي انطلق تنفيذ جزء منه بمنطقة تزنيت من خلال غرس 50 هكتار ضمن 500 هكتار مبرمجة بالمنطقة، وسيستمر الغرس في باقي المناطق. هذا فضلا عن تأهيل باقي المناطق الغابوية لمجال الأركان. وأشار هرو إلى أن المنتدى يولي أهمية بالغة لدراسة فرص وتحديات استعمال الخدمات الايكولوجية، لضمان استعمال مستدام للرأسمال الطبيعي المرتبط بسلاسل القيم ذات الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، من قبيل قطاع  مجالي شجر الأركان والنباتات العطرية والأشجار المثمرة بالمناطق الجبلية والسياحة البيئية، لما له من وقع على انعاش المنتوجات المحلية.
وأفاد ياسر العبدلاوي، خبير ومستشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خلال الجلسة الافتتاحية، أن الملتقى هو فرصة لتحديد وتدقيق المعرفة بمقاربة مفهوم الأداء مقابل الخدمات التي تمكن من توازن أحسن بين استغلال البيئة وحمايتها، رغم أن مقاربة طرق عملها تبقى معقدة. ومن هذا المنطلق بادر برنامج الأمم المتحدة مع المصالح المعنية والفاعلين المحليين والدوليين، لتبادل الخبرات، في أفق بلوغ مجموعة أهداف مهمة تتجلى أساسا في تعزيز قدرات الفاعلين المحليين لتحقيق التأقلم مع هذه المقاربة الأساسية وهي الأداء مقابل الخدمات. وهذا الملتقى يندرج ضمن هذا المبتغى الذي سيوضح كيفية الاشتغال وفق بعد علمي لإنجاح المشروع بمنطقة سوس ماسة.
ويعد الملتقى،  يضيف ياسر العبدلاوي،  مهما ومفصليا في تطور المشروع بطريقة متكاملة  حيث يهدف كذلك إلى إقامة مشاريع نموذجية توضح مقاربة ومفهوم الأداء مقابل الخدمات وأهميتها، في أفق تعميم هذه التجارب على المستوى الوطني، ومن أجل حماية التعدد الاحيائي والموارد الطبيعية  في المغرب. هذا فضلا عن وجوب الاشتغال على الجانب القانوني لخلق مناخ عام يساعد على الاشتغال على مثل هذه المقاربات.
ودعا العبدلاوي إلى استحضار التواصل وتوضيح المقاربة لدمجها تلقائيا في السياسة التدبيرية. وعليه يتغيا توفير ميزانية للمشروع (حولي 2 مليون  دولار)، بصفة أساسية  التأثير على مستوى البرمجة والسياسات والتصورات والاستراتيجيات على المستوى الوطني.
كما أن الهدف الأبعد للمشروع يتمثل في أن هذه المقاربة تأخذ بعين الاعتبار أحد الوسائل الأساسية لحماية البيئية والتعدد الإحيائي وعليه فلا مناص، يؤكد ياسر العبدلاوي، من التزام جميع المستفيدين من المنظومة الإيكولوجية بحماية البيئة لتحقيق التوازن المطلوب، وذلك لتفادي تدهور الموارد الطبيعية والبيئية الذي يؤثر حتما على المنتوج الاقتصادي والاجتماعي.
وأشار العبدلاوي إلى وجوب الاستئناس والانخراط مع هذه المقاربة “الأداء مقابل الخدمات البيئية”، التي تبدو غير عادية الآن، لكن سوف تتجلى أهميتها وضرورتها مع مرور الزمن كما هو الشأن مع مفهوم “تغير المناخ” الذي كان مبهما في مرحلة سابقة لكنه أصبح الأن حقيقة لا جدال في ثبوتها وبات ضرورة ملحة في السياسات الإنمائية الوطنية. وعليه طالب العبدلاوي بتعميم هذه المقاربة والدفاع عنها لتصبح مشروعا وطنيا رائدا.
وقال العبدلاوي أن مقاربة الدفع مقابل الخدمات “هي إجابة حقيقية ومباشرة لخطاب جلالة الملك محمد السادس حول “الرأسمال اللامادي” متمثلا في للتعدد الاحيائي والثروات البيئية، والذي يعد رأسمال كبير للمغرب على المستوى الفلاحي والسياحي والصناعي، وعلاقة الإنسان مع الأرض وحب الوطن.
ومن جهتها أضافت مريم الاندلسي، عن وكالة التنمية الفلاحية، أنه تم اعتماد الوكالة من لدن “الصندوق الأخضر للمناخ”، كتتويج للمجهودات الملموسة للمخطط الأخضر، وفق المتغيرات المناخية العالمية، مما سيمكن من الاستفادة من تمويلات مشاريع كبيرة، تناهز أغلفتها المالية 50 مليون دولار أمريكي للمشروع الواحد.
وأكد عبد الرحمان أيت الحاج، عن” الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات و شجر اﻷركان،
على أهمية مشروع الاقتصاد الدائري والدفع مقابل الخدمات على مستوى غابات الأركان  وخصوصيات مجاله الذي يستدعي الابتكار المتواصل للمحافظة عليه واستثماره لفائدة الساكنة. وذكر بدور ومهمة  و شجر اﻷركان التي تعد وسيلة وآلية لخلق مجال وإطار الالتقائية والتنسيق بين الفاعلين، وعليه فضرورة الالتقائية تأتي نتيجة خصوصية المجال وتعدد المتدخلين حسب القطاعات لبلورة إطار شامل ومندمج للتنمية.
الباحث ميلود أزرهون، عن شبكة جمعيات محميات أركان للمحيط الحيوي بأكادير، وخلال مداخلته حول “محمية المحيط الحيوي للأركان : تحديات ورهانات الحفاظ على المجال البيئي للأركان”، ذكر بأن المغرب يعد من بين البلدان القليلة في شمال افريقيا الذي يتوفر على مجموعة من النظم الإيكولوجية المستوطنة مع تنوع بيولوجي ملحوظ. لكن هذه النظم الإيكولوجية مهددة بشكل خطير بفعل توسع وتطور بعض القطاعات من قبيل العمران والسياحة والزراعة. وإدراكا لأهمية هذه النظم الإيكولوجية في التنمية المستدامة، ميزت منظمة اليونسكو شجرة الأركان ضمن قائمة التراث العالمي وصنف مجالها ضمن “محمية المحيط الحيوي”، والتي تقع في جنوب غرب المغرب. وينم إحداثها الى الرغبة الأكيدة في صون الموارد البيولوجية للقيم الطبيعية والثقافية ثم الحفاظ على التوازن والنظم الإيكولوجية والمساهمة في التنمية المحلية والإقليمية.
وأبرز أزرهون، فضلا عن منجزات وأداء “شبكة جمعيات محميات أركان للمحيط الحيوي”، مختلف المحاور المتعلقة بالاستراتيجية التنموية في أفق ،2030 والتي تسعى للمساهمة في التنمية المستدامة للمحيط الحيوي لغابات الأركان.
ومن جهته دعا الدكتور محمد علي مكوار، إطار سابق بمنظمة الأغذية والزراعة العالمية،  إلى تصنيف شجرة أركان في “النظام المبتكر للتراث الزراعي العالمي  ” (SIPAM)، أي في سياق  النظم الزراعية التي تكتسي أهمية عالمية. إذ تعد تراثا إنسانيا تكون عبر آلاف السنين ويشكل ثروة من المعارف المتراكمة والتنوع البيولوجي ولذلك يتعين المحافظة عليها، وإتاحة الفرصة لنموها.
وسبق أن أطلق مشروع نظم التراث الزراعي للسكان الأصليين من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) خلال القمة العالمية للتنمية المستدامة سنة 2002، ويهدف إلى اعتراف دولي بنظم التراث الزراعي للسكان الأصليين وصيانتها وإدارتها بصورة مستدامة، وما يرتبط بها من تنوع بيولوجي ونظم معرفية في مختلف أنحاء العالم. كما تعزز مبادرة تراث النظم الزراعية للشعوب الأصلية فهم الرأي العام  ووعيه، وتمثل إقرارا وطنيا ودوليا بقيمة نظم التراث الزراعي.
وأبرز مكوار خصوصيات ومعايير التصنيف في موقع “نظم التراث الزراعي  “(SIPAM) ، مشيرا إلى أنه تم تخصيص  36موقعا لنظم التراث الزراعي من 15  دولة من مختلف مناطق العالم من سنة 2010 إلى سنة 2015، من ضمنها نظم واحة الأطلس بالمغرب في سنة 2011.
وعليه فشجرة الأركان المغربية، والتي تعتبر فريدة من نوعها من خلال خصائصها الطبيعية وتنظيمها الاجتماعي والتي ترتكز أنشطة مجالها الإنتاجي على الزراعة وتربية المواشي، ستكون مرشحا مثاليا للتصنيف من قبل مواقع نظم التراث الزراعي (SIPAM)، ذلك أنها تستجيب لمعايير الاختيار أمام تنوعها البيولوجي ووظيفة نظامها الإيكولوجي، ولكونها من الأنواع الغابوية المثمرة والمستوطنة، موازاة مع  نظام زراعي رعوي فريد يتميز بمناظر طبيعية غير عادية، له أهمية كبرى للمغرب وللإنسانية جمعاء، مما  يبرر تصنيفه ضمن موقع نظم التراث الزراعي (SIPAM).
وأطر أشغال هذا المنتدى الدولي مجموعة من المتدخلين الوطنيين والدوليين، ساهموا بأفكار وازنة وتصورات دقيقة، وتم تقديم عروض هامة، في سياق سياسي دولي، تدارست وجهات النظر حول نظام الدفع مقابل الخدمات البيئية حسب نقاشات ورشة العمل الدولية  PESMIX  المنظم بمونبيليي-  فرنسا 2014، كما هو الشأن بالنسبة لعرض الدكتور ألان كارسينتي.
وقيم جون ميشيل سالز، عن المعهد الوطني للبحث الزارعي بفرنسا مجال الخدمات البيئية من الجانب الاقتصادي. أما محور تعميم التنوع الإحيائي وخدمات النظام الإيكولوجي في السياسات العمومية والخاصة واتخاذ القرارات فعالجه الدكتور جويل هودي، باحث بجامعة بريتوريا جنوب إفريقيا.
وقدم الدكتور” لودفويك لياكري”، الخبير الدولي في مجال مالية الغابات والمناظر الطبيعية لدى الآلية العالمية اتفاقية مكافحة التصحر ومنظمة الأغذية والزراعة (FLRM ) ، صندوق ” حياد تدهور الأراضي “و علاقته بالأداء مقابل النظم الايكولوجية.
وفي السياق السياسي الوطني، استعرض فيصل بنشقرون، مهندس غابوي  بالمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، محور التقييم الاقتصادي لخدمات النظم الإيكولوجية في مجال الأركان.
في حين عالج الدكتور أحمد درويشي، أستاذ العلوم الاقتصادية، وعميد معهد التحليل الاقتصادي والدراسات الاستشرافية بجامعة الأخوين- إفران، الاستخدام المشترك لمياه الري على مر الزمن في المغرب وتقوية النظم البيئية وروابط التنمية وساق نموذج نظام الري في سوس ماسة.
وتناول بالدرس والتحليل الدكتور عبد اللطيف خطابي، رئيس الجمعية المغربية للعلوم الجهوية وأستاذ  بالمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين، تجربة مشروع التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت في المغرب، ونظام الدفع مقابل الخدمات البيئية. أما محور “نهج اختبار الاختيارات لتوجيه تصميم نظام الدفع مقابل الخدمات البيئية للحفاظ على مستجمعات المياه في سياق حقوق الملكية المشتركة” فعرضه الدكتور عبد المحسن المقدم، أستاذ باحث في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة،
وفي اتجاه وضع نموذج للدفع مقابل الخدمات البيئية خاص بالسياحة، استعرض
الدكتور  حسن أبوطيب، رئيس شبكة تنمية السياحة القروية سوس ماسة ودرعة مختلف الرؤى في الموضوع.
وتوزع المشاركون لاحقا على 4 ورشات لتبادل التجارب والتأمل وفق محاور محددة تروم مدارسة مختلف مواضيع الأداء مقابل الخدمات من زوايا وتصورات مختلفة من قبيل “الجوانب القانونية والمؤسسية”، و”السياحة البيئية”، و”تربية النحل والنباتات العطرية والطبية”، و”إعادة تأهيل شجرة أركان”، و”التعويض البيئي”.
 
           

Related posts

Top