من أجل ضمان استقلالية أكبر للجنة الحق في الحصول على المعلومات

شكل الاحتفال باليوم العالمي لتعميم المعلومات والانتفاع بها، الذي يصادف الـ 28 من شتنبر من كل سنة، مناسبة لإثارة الانتباه الى أهمية الحق في الحصول على المعلومات، باعتباره حقا أساسيا من حقوق الإنسان، ودعامة لبناء المستقبل، خاصة في ظل مجتمع المعرفة والمعلومات وما أحدثته التكنولوجيات الحديثة من تحولات متسارعة.

الحصول على المعلومات، جيل جديد لحقوق الانسان

فالحق في الحصول على المعلومات، على الرغم من كونه يعد من الأجيال الجديدة لحقوق الإنسان، لم يكن وليد القرن الواحد والعشرين، ويجد جذوره في مواثيق ومعاهدات دولية، في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، الذي تنص المادة 19 منه على أنه لكلِ شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، منها حرِيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود، فضلا عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذى ينص في المادة 19 على أن لكل إنسان الحرية في التماس وتلقي ونقل المعلومات والأفكار من جميع الأنواع، دونما اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو بالطباعة أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

معلومات من مصادر موثوق بها في زمن الثورة الرقمية

بيد أن الحصول على هذه المعلومات في عالم اليوم زمن الثورة الرقمية، وانتشار الأخبار الزائفة Fake News يتطلب أكثر من أي وقت مضى، الاعتماد على المعلومات من مصادر موثوق بها وتتمتع بالحرية والاستقلالية سواء أكان ذاك من أجل مكافحة جائحة عالمية أم من أجل المساعدة على النقاش العام، حسب ما جاء في رسالة المديرة العامة لمنطمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” أودري أزولاي، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لتعميم المعلومات برسم هذه السنة، أكدت فيها كذلك على أن الحق في الحصول على المعلومات يساعد الأفراد على التصدى للتحديات المعاصرة، ويوضح أيضا أهمية وجود ضمانات قانونية لتمكين كافة الناس من الانتفاع من المعلومات.

ضمان حق الحصول على المعلومات أولوية كبرى

وإذا كان ضمان حق الحصول على المعلومات والانتفاع بها يعد في البلدان الديمقراطية أولوية كبرى، فإن من شأنه كذلك أن يساهم في تنفيذ استراتيجيات مبتكرة، ترمي إلى تعزيز تدفق المعلومات، وهو ما جعل هذا الحق يكون من بين أهداف خطة التنمية المستدامة لسنة 2030.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت في دورتها الـ 74 التي عُقدت في أكتوبر 2019، اعتماد 28 شتنبر يوما أمميا لتعميم الانتفاع بالمعلومات، بعدما أعلن المؤتمر العام لليونسكو في عام 2015، تحديد هذا اليوم من كل عام للاحتفال بهذا اليوم الدولي.

ضمان الحق في الحصول على المعلومات أمر حاسم للمشاركة الديمقراطية

وتحث اليونيسكو كافة البلدان على اعتماد تشريعات في مجال الحق في الحصول على المعلومات، وتعزيز العمل على وضع الضمانات المطلوبة، موضع التطبيق إن وجدت، مع ضمان الحكومة تداول المعلومات بطريقة آمنة وشفافة وتعزيز حفظ السجلات وإتاحة تحليل البيانات والمعلومات تحليلا دقيقا، علاوة على العمل على أن تكون الجهود المبذولة متوافقة مع المعايير الدولية للخصوصية.
وأصبح ضمان الحق في المعلومات أمرا حاسما في اتخاذ قرارات مستنيرة، وللمشاركة في الحياة الديمقراطية، ورصد الإجراءات العامة، وتعزيز الشفافية والمساءلة. كما يمثل هذا الحق أداة قوية لمكافحة الفساد، مما جعل عددا من البلدان تتبنى قوانين ذات الصلة بهذا الحق، على الرغم من أن عمليات تنفيذ هذه القوانين كثيرا ما تواجهها صعوبات وتحديات خاصة في بلدان الهشاشة الديمقراطية.
وإذا كان المغرب، يعود له الفضل رفقة ثلاث دول، في اقتراح توصية في إطار المكتب التنفيذي لليونيسكو في أكتوبر 2015، ترمي إلى تحديد يوم 28 شتنبر من كل سنة، للاحتفال بتعميم المعلومات والانتفاع بها، فإنه عمل على سن قانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات الصادر بالجريدة الرسمية في 12 مارس 2018.

الحق في الحصول على المعلومات: من التأصيل الدستوري الى قانون 31.13
هذا القانون كان في الأصل، تكريسا لمقتضيات الفصل 27 من الدستور الذي نص على أن للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام مع ضرورة بلورة سياسات عمومية تروم تكريس حق الولوج إلى المعلومة.
وعلى غرار بلدان المعمور، خلدت لجنة الحق في الحصول على المعلومات ومنظمة اليونسكو هذا اليوم العالمي الأسبوع الماضي بالرباط، تحت شعار “أدوار، مكتسبات وأهمية استقلالية اللجن الوطنية للولوج إلى المعلومة”، شكل “فرصة ملائمة للتأكيد، على ريادة المغرب في مجال الحق في الحصول على المعلومات، الذي يعد مسلسلا تم إطلاقه على المدى الطويل”، كما أكد في افتتاح هذه التظاهرة عمر السغروشني، رئيس لجنة الحق في الحصول على المعلومة الذي ذكر بأن المغرب درج على توظيف آليات الشفافية حتى قبل المصادقة على القانون رقم 13-31، في الوقت الذي استغرقت فيه بلدان عريقة، عقودا من الزمن حتى تمكنت، في ما بعد، من إرساء هذا الحق على قواعد متينة.

أدوار، مكتسبات وأهمية استقلالية اللجن الوطنية للولوج إلى المعلومة

وبناء على المادة 10 من القانون رقم 31.13 فإنه يجب على كل المؤسسات والهيئات المعنية، كل واحدة في حدود اختصاصاتها، في حدود الإمكان، بنشر الحد الأقصى من المعلومات التي في حوزتها والتي لا تندرج ضمن الاستثناءات الواردة في هذا القانون، وذلك عبر جميع وسائل النشر المتاحة خاصة الإلكترونية منها، بما فيها البوابات الوطنية للبيانات العمومية، يوضح الشغروشني أيضا في نفس السياق.
فالتجربة خلال هذه الفترة – كما يرى عدد من المتابعين للشأن الحقوقي – أبانت على الرغم من هذه الفترة القصيرة، عن تجاوب لابأس به من لدن العديد من المؤسسات والهيئات المعنية بهذا القانون، خاصة في مجال إنفاذه، لكن على الرغم من ذلك، يبدو أن إعطاء دينامية جديدة خلال المرحلة المقبلة، تظل مسألة ضرورية، وذلك حتى يتمتع المواطنات والمواطنون، بالحق في الحصول على المعلومات، بشكل أفضل مع فتح أفق جديد، يمكن من تجاوز الصعوبات والثغرات التي تكون قد ظهرت خلال عملية تنزيل مقتضيات القانون 31.13 الذي ينص على أن للمواطنات والمواطنين، ولكل شخص أجنبي مقيم بالمغرب بصفة قانونية الحق في الحصول على المعلومات، مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها في هذا القانون.

تجربة واعدة والتطوير مطلوب

كما أن تجربة لجنة الحق في الحصول على المعلومات، خلال هذه الفترة الوجيزة من إحداثها، قد راكمت مكتسبات، منها ترسيم هذه الحق لدي الهيئات والمؤسسات التي ينص عليها القانون 31.13، فضلا عن تمكن اللجنة من استجماع قناعة ورؤية واضحة المعالم حول مستقبل عملها، وهو ما يفرض – وكما يرى شركاؤها من فعاليات رسمية ومدنية – مراجعة قانونها وتنظيماتها، بغية تطوير الحق في الحصول على المعلومات، وتقوية دورها لضمان مزيد من استقلاليتها، وفعاليتها علاوة على تمكينها من الإمكانيات الكفيلة، بالتجاوب مع الحاجيات المتزايدة في هذا المجال.
وهذا هو ما ذهب إليه مدير مكتب اليونسكو بالمنطقة المغاربية بالنيابة، ألكسندر شيشليك، حينما قال في لقاء المكتبة الوطنية للمملكة، إن تفعيل حق الولوج إلى المعلومة يمر بالضرورة عبر الاستقلالية المعنوية والمادية، للهيئات واللجان التي تسهر على النهوض بهذا الحق، بالإضافة الى إرساء علاقة ثقة بين المواطن والفاعلين العموميين، وذلك حتى تتمكن هذه اللجان من الاشتغال اعتمادا على أطر مدربة ومؤهلة، حتى تضطلع بمهامها لدى الحكومات والمؤسسات والمجتمع المدني.
وتسهر لجنة الحق في الحصول على المعلومات، على ضمان حسن ممارسة الحق في الحصول على المعلومات؛ التي توجد في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، وتقديم الاستشارة والخبرة والنشر الاستباقي لهذه المعلومات؛ وتلقي الشكايات المقدمة من طالبي الحصول على المعلومات، والقيام بكل ما يلزم للبت فيها، وإصدار توصيات بشأنها، فضلا عن القيام بالتحسيس بأهمية توفير المعلومات وتسهيل الحصول عليها بكافة الطرق والوسائل المتاحة، وإصدار توصيات واقتراحات لتحسين جودة مساطر الحصول على المعلومات.

تطور التدبير الرقمي للمعلومات وتعزيز الوعي العام

ونتيجة التحولات التكنولوجية المتسارعة، فإن هذا الأمر يتطلب الأخذ بعين الاعتبار تطور التدبير الرقمي للمعلومة، سواء على مستوى أجرأة مقتضيات القانون رقم 31.13، أو على مستوى إعداد وتنفيذ السياسات والبرامج العمومية المتعلقة بتطوير المغرب الرقمي، والذي يشكل أحد الرهانات الكبرى من أجل ممارسة فعلية وجيدة لهذا الحق بالمغرب، كما جاء في مداخلات عدد من المشاركين في اليوم العالمي للحق في الحصول على المعلومات الذي احتضنته المكتبة الوطنية للمملكة. كما أن تعزيز الوعي العام حول الحق في الحصول على المعلومات، يكتسى أهمية خاصة، مع تطوير القدرات لتملك هذا الحق من زواياه المتعددة، مع التركيز بوجه خاص على الفئات الهشة وذوي الحاجيات الخاصة، وتيسير الولوج إلى المعلومات مع تعزيز تدفقها بشكل سلس.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، يتولى رئاسة لجنة الحق في الحصول على المعلومات التي تتألف من ممثلين اثنين عن الإدارات العمومية ويعينهما رئيس الحكومة؛ وعضو يعينه رئيس مجلس النواب؛ وعضو يعينه رئيس مجلس المستشارين؛ وممثل عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وممثل عن مؤسسة «أرشيف المغرب»؛ وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ وممثل عن الوسيط؛ وممثل عن إحدى الجمعيات العاملة في مجال الحق في الحصول على المعلومات، يعينه رئيس الحكومة.

< بقلم: د. جمال المحافظ

Related posts

Top