من مسار نوال المتوكل

 تعد نوال المتوكل واحدة من النماذج الناجحة للرياضيات اللواتي تمكن من المحافظة على مسار ناجح بعد نهاية المشوار الرياضي، مقدمة نموذجا للتحول الإيجابي للإنسان الرياضي.
   فقد جعلت نوال من الاعتزال بداية لا نهاية، ومرحلة لإعادة بناء شخصية الرياضي، من ممارسة لا تعرف إلا المضمار أو القاعة والملعب، إلى إطار من مستوى عال تساهم في التدبير والتسيير على أعلى مستوى.
  نموذج فريد وغير قابل للتكرار في سماء البطلات المغربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى، تجاوزت كل الحواجز، لتبرز كرياضية قادمة من عالم محكوم بكثير من التقاليد والأحكام المسبقة، وهي الآن تتقلد مناصب عليا داخل دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، بفضل الكاريزما التي جعلتها رافضة للاستسلام والخضوع والتخلي والتراجع والقبول بالأمر الواقع.
  خلال فضاء رمضان السنة الماضية، قدمنا حلقات الجزء الأول من مسار نوال المتوكل، والتي خصصت للوقوف على تفاصيل مرحلة الممارسة كعداءة، انطلاقا من ملعب لاكازابلانكيز، مرورا بانتمائها للمنتخب الوطني، وصولا إلى انتقالها للولايات المتحدة الأمريكية للدراسة والتدريب، وفق أساليب وطرق متطورة تختلف كليا عما سبق، لتتوج ذلك بميدالية ذهبية في سباق 400م حواجز بأولمبياد لوس أنجلوس.
   خلال رمضان هذه السنة نعود لتقديم تفاصيل مرحلة ما بعد الاعتزال، والتي شهدت الانتقال من مرحلة الممارسة إلى التحول لكسب مكان داخل الأجهزة المشرفة على الرياضة الدولية، وبصفة خاصة الاتحاد الدولي لألعاب القوى واللجنة الأولمبية الدولية، وهذه المرحلة تحفل بالكثير من التفاصيل والمعطيات المثيرة، وهو ما نعمل على تقديمه تباعا عبر حلقات طيلة هذا الشهر الفضيل…       

بعد اعتزال الممارسة طرح الاختيار بين التدريب والتسيير

بمؤتمر الفيفا بالباهاماس تفاجأ العالم بتناولي الكلمة أنا وكريمة بنيعيش

” خلال حملة لمونديال 2006، أذكر أنني تحملت أنا وكريمة بنيعيش السفيرة حاليا للمغرب بدولة البرتغال، مهمة داخل اللجنة المسؤولة عن الترويج لملف الترشيح، وكنا المرأتان اللتين منحتا شرف الذهاب إلى الباهاماس لحشد دعم دول اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي (الكونكاكاف) واتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم (كونميبول). وكان قد تم توزيع المهام على أعضاء فريق العمل، حسب كل منطقة من العالم، وما زلت أذكر أنه في هذا المؤتمر تناول بيكنباور الكلمة كممثل لألمانيا كدولة مرشحة بدورها رفقة دول أخرى.
كانت قاعة مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) الذي انعقد سنة 2000، ممتلئة عن آخرها وكان المكان هو فندق اسمه “أتلنوتيس”. كان يرافقنا جمال ميكو بصفته الكاتب العام لجمعية ترشيح المغرب لمونديال 2006. ألقت بنيعيش الكلمة باللغة الإسبانية، وألقيتها أنا بالإنجليزية. كنت أنا وكريمة فقط من النساء داخل قاعة مملوءة عن آخرها بالرجال. وأتذكر بالحرف ما قاله رئيس (الفيفا) آنذاك السويسري جويف بلاتير (متفاجئا): “واو .. امرأتان هما من تمثلان المغرب”.
في هذه اللحظة جلت بخيالي كل أرجاء العالم، أحسست بالفخر بكوني امرأة مغربية، وبدون شعور عانقت كريمة. وكانت نقطة جد إيجابية في دعم الملف، رغم أنها لم تساعدنا في مهمتنا على مستوى النتيجة النهائية، وعلى كل حال، فقد أظهر هذا الموقف أن المرأة كانت قادرة آنذاك على مواجهة مثل هذه المواقف، وأنها قادرة على إعطاء صورة لامعة عن بلدها.
بعد خروجنا من قاعة المؤتمر، اتفقنا على أنه سواء تم التصويت لصالحنا أم لا، فقد حققنا تفوقا معنويا. خصوصا وأننا أخذنا الكلمة بكل طلاقة أمام جمع وازن من الرجال ينتمون لعوالم مختلفة.
الأكيد أن العلاقات الشخصية والتكوين الفردي، ساهما في تكوين رصيد مهم، خاصة وأن احتكاكي مع شخصيات كبيرة في تاريخ الرياضة الدولية مكنني من تقوية مداركي وخبرتي في نسخ علاقات واسعة ومتعددة، فكما قلت فأنطونيو سامارانش، جاك روغ، لامين دياك، طوماس باخ، بريمو نيبيولو وغيرهم… ساعدوني كثيرا في هذا المسار الذي يجمع الكثيرون على أنه مسار ناجح، إلا أنه تطلب منى الكثير من التضحيات، لكن هناك رضا عام أتمتع به من الناحية النفسية والمعنوية.
إضافة إلى علاقاتي مع الشخصيات التي ذكرتها بالاسم، فقد لعبت أنيتا دي فرانس دورا مهما في حياتي. هذه الأمريكية صاحبة ميدالية أولمبياد في التجديف، تعد أول امرأة أمريكية سوداء تحرز ميدالية أولمبية، وثالثة امرأة من أمريكا تلتحق باللجنة الأولمبية الدولية.
أنيتا كانت بمثابة مدربتي، حيث كونتني وقدمت لي النصائح والتوجيهات حول كيفية صنع العلاقات مع الأعضاء، خاصة أنه من الصعب على عضو جديد أن يبني علاقاته من تلقاء نفسه. كان لدي كتيب منجز من طرف اللجنة الأولمبية الدولية لا يفارقني أينما حللت أو ارتحلت، كنت أتصفحه باستمرار، لأقف على أدق تفاصيل الحياة الخاصة والسيرة الذاتية لأعضاء اللجنة الأولمبية الدولية.
الحرص على المعرفة الشخصية لهؤلاء الأعضاء، ساعدني كثيرا في مسألة التواصل، وبالتالي لم أكن في حاجة لأسأل أي العضو عن نفسه، لأني كنت اعرف سلفا كل شيء عنه من خلال الكتيب الخاص. وفي المقابل كان عدد من الأعضاء يجهلون من هي نوال المتوكل. وهذا فرض علي أن أعرف بالمقابل بنفسي.

 إنجاز: محمد الروحلي

Related posts

Top