مبعوث بيان اليوم الى مراكش: سعيد الحبشي
سينما للجميع
بعد النجاح الذي حققه عرض الفيلم المغربي “جوق العميين” العام الماضي لمخرجه محمد مفتكر، بعد إعداده بتنقية الوصف السمعي من طرف مؤسسة المهرجان، وهو الفيلم الذي أنتج عام 2014 حيث تم سرد وقائع الفيلم بصوت كل من الإعلامي محمد عمورة والإعلامية عزيزة لعيوني، وهي الفكرة التي لقيت نجاحا كبيرا وسترى التطبيق أيضا خلال فعاليات هذه الدورة لمنح المكفوفين وضعاف البصر فرصة لتتبع أعمال سينمائية منتقاة.
ويواصل مهرجان مراكش الدولي للفيلم، عروضه لهذه الدورة أيضا بتقديم أفلام بتقنية الوصف السمعي.
فقرة السينما بتقنية الوصف السمعي للمكفوفين وضعاف البصر التي أصبحت من ضمن أهم الأنشطة والفقرات التي تسعى إلى تطبيقها مؤسسة المهرجان، لمنح هؤلاء الأشخاص الحق في متابعة الانتاجات العالمية، تحت شعار “سينما للجميع”.
وهي تجربة مثيرة وغير مسبوقة في المهرجانات السينمائية الدولية، إذ تمكن فئة المكفوفين وضعاف البصر من التعامل مع عالم الإعلام متعدد الوسائط، ومتابعة أفلام سينمائية تعتمد على صوت مصاحب لأحداث الفيلم، يتولى وصف مشاهده، التي تتعذر متابعتها من خلال الصورة.
وانطلق المشروع في 2007، بعد أن اقترح أحد المكفوفين الفكرة على مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، قبل أن يتبلور الاقتراح على شكل فقرة ضمن برنامج الدورة الثامنة، ويمتد فعله حتى الدورة الحالية.
ويشدد المنظمون على أن الهدف من برمجة فقرة خاصة بالمكفوفين هو التأكيد على أن الإعاقة البصرية لم تكن، في يوم من الأيام، عقبة في وجه الاندماج الكامل في الحياة المجتمعية والثقافية والاقتصادية، وأنه بفضل تقنية «الوصف السمعي»، التي تتوخى النهوض بسينما المكفوفين وضعاف البصر، ستتمكن هذه الشريحة من التمتع بحقها في الثقافة والترفيه والحلم والمعرفة الذي توفره السينما، هذا الفن الذي بدا، بالنسبة إلى الكثيرين، كما لو أنه باب موصد، إلى ما لا نهاية، أمام المكفوفين والمعاقين بصريا. ويرى عدد من المتتبعين أن فقرة «السينما بتقنية السمعي البصري» تجعلنا ندرك أن الإعاقة ليست في أن يكون لنا نظر ضعيف أو حتى أن لا يكون لنا بصر، بل في أن نمعن النظر عندما تكون هناك ظروف مساعدة على المشاهدة.
فاتح أكين في الماستر كلاس
وفي إطار فقرة دروس الماستر كلاس التي صارت بدورها تقليدا راسخا في دورات مهرجان مراكش الدولي للفيلم، ألقى المخرج الألماني/ التركي فاتح أكين يوم الاثنين درسه الأول في السينما إلى جانب عدد من المخرجين الحاصلين على جوائز متعددة وكتاب، سيناريو ومنتجين.
ويهدف المهرجان من وراء هذه الفقرة إتاحة الفرصة لجمهور ومهنيي وطلبة السينما والإعلاميين المهتمين، من أجل تقاسم الخبرات والتجارب السينمائية مع مخرجين شهد لهم العالم بالتميز. وستتواصل هذه الدروس خلال الدورة مع المخرجين الإيراني عباس كيروستامي والكوري الجنوبي بارك شان ووك.
ويعد فاتح أكين الشخص المؤهل لتقديم درس الماستر كلاس لما قدمه من أعمال سينمائية ناجحة حصد من خلالها عددا من الجوائز نذكر منها جائزة الدب الذهبي في مهرجان الفيلم ببرلين 2004، وجائزة أفضل سيناريو بمهرجان كان 2007، كما نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالبندقية عن الفيلم الكوميدي”روح المطبخ” عام 2009.
مساء الاثنين الماضي، فتح المخرج الشاب، نافذة على عوالمه الإبداعية، ومساراته واختياراته.
مرجعياته في السينما، أفلام أثرت في توجهاته، إدارته للممثلين، دور الموسيقى في أعماله، عناوين كبرى لامستها مداخلات فاتح أكين، وإن هيمن على اللقاء سؤال الهوية المزدوجة وكيفية تدبيره لانتمائه المزدوج الى حضارتين، تركية وألمانية.
وعرضت بالمناسبة مقاطع من أهم الأفلام التي أخرجها هذا الشاب الذي بات يحصد الجوائز تلو الأخرى في أقوى المهرجانات الدولية.
وتوقف المخرج طويلا عند فيلم “القطع” الذي يتناول فيه مسألة بالغة الحساسية في تركيا، ويتعلق الأمر بالمسألة الأرمينية والاتهامات الموجهة لتركيا بارتكاب أعمال إبادة في حق الأرمن. بالنسبة إليه، الفيلم عبارة عن “اعتراف بالذنب”، ودعوة من أجل حرية تعبير تخرق المحظورات في التاريخ.
يذكر أن نقطة التحول في مسار فاتح أكين جاءت مع فيلم “وجها لوجه” الذي حصل على الدب الذهبي في مهرجان برلين عام 2004، ليصبح الطفل المعجزة للسينما الألمانية المعاصرة.
وهو لا يخفي أنه مدين لتفتح وعيه السينمائي لمخرج كبير من عيار مارتن سكورسيزي “ليس لطريقته في التصوير فحسب، ولكن أيضا لطريقته في جعل السينما تتفهم وضعيته كمهاجر إيطالي في مدينة كبيرة (نيويورك)، الاصطدام بين العالم القديم والعالم الجديد”.
تبدأ فيلموغرافيا فاتح أكين بفيلم قصير يعود الى عام 1995 بعنوان “أنت واحد” لتتوالى الأعمال مع “عشبة ضارة” (قصير)، “الترس”، “نسينا أن نعود” (وثائقي)، “عبور الجسر- صوت اسطنبول” ( وثائقي) و “على الجانب الآخر”، الذي فاز بجائزة أفضل سيناريو بمهرجان كان 2007 ، و “روح المطبخ” ، الذي حصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالبندقية 2009 ، وأعمال أخرى.
ولا يخفي أكين إعجابه بالمخرج مارتن سكورسيزي، والمثير في الأمر هو أن مارتن سكورسيزي كان أول من ألقى ماستر كلاس في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش سنة 2007.
منارة الحضارة المغربية
تمر فقرات برنامج المهرجان في مراكش الآمنة، الحاضرة التي عبر عمرها المديد كانت واحة استقبال ومقام يطيب معه العيش، سواء بالنسبة للعابرين من قر الشمال أو القادمين من حر الصحراء، ففي مراكش متسع للعيش لكل الاختلافات العرقية أو الدينية في إطار من التساكن والتسامح، هذه الصفات، جعلتها من أقوى العواصم في العالم القديم، وتحولت مع توالي السنين أرضا للملتقيات الدولية الكبرى السياسية منها والثقافية واستحقت أن تكون محجا لجميع الأعراق، واستحقت أن تكون منارة حضارتنا المغربية.
سينتهي مهرجان مراكش السينمائي بعد أيام وستعقبه ملتقيات هامة أخرى، ومراكش وكل بلدنا دائما بخير، بعيدا عن الشرور التي باتت تملأ العالم.