من جديد يبرز النظام العسكري الجزائري شاردا وتائها عقب القرار التاريخي الذي أقدمت عليه إسبانيا بشأن قضية الوحدة الترابية للمغرب.
بعد أن بقيت الديبلوماسية الجزائرية تزعم كونها ليست طرفا في النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، وإن كان الجميع مقتنع بعكس هذا، هاهم جينرالات الجزائر يصرون اليوم على إنهاء لعبة التخفي، والوقوف أمام العالم كله عراة من كل… منطق.
النظام العسكري العبثي لم يخجل من التعبير عن غضبه من الموقف الإسباني المنتصر لمقترح الحكم الذاتي المغربي، ولم يخف التعبير عن: (مفاجأته) جراء التصريحات الإسبانية الأخيرة، بل وذهب حد وصف الخطوة الإسبانية بكونها (انقلابا مفاجئا)، بحسبه، ثم أقدم على دعوة سفيره من مدريد فورا للتشاور، وهو ما قد ينجم عنه تصعيد في العلاقات بين البلدين أو حتى أزمة ديبلوماسية بينهما.
والسؤال هنا، هو لماذا كل هذا؟ وما دخل النظام الجزائري في شأن يعني المغرب وإسبانيا؟ ولماذا الجينرالات يرفضون أن تتخذ الدولة الإسبانية قرارا سياديا يهمها وتتحمل مسؤوليته؟
هذه الرعونة الجزائرية تؤكد بوضوح أن البلد، الذي وضعته الجغرافيا بجوارنا، هو الراعي الرئيسي للانفصال، وهو الذي يقود كامل منظومة العداء لبلادنا، أي أنه الطرف الذي وضع نفسه دائما خصما للمغرب ولوحدته الترابية، ولا يستطيع إخفاء حقده وغله تجاه المملكة ومصالحها وحقوقها الوطنية المشروعة.
النظام الجزائري كان يعتقد أن لعبة تزويد إسبانيا بالغاز ستعزز مناورات الابتزاز لديه، وسيكون بمستطاعه فرض شروطه على مدريد، لكن الموقف التاريخي الإسباني كان بمثابة زلزال هد حسابات العسكر الشارد، وجعلهم عراة ومصدومين أمام شجاعة حكومة بيدرو سانشيز.
وفي غمرة هذه الدوخة التي أصابت جينرالات الجزائر، خرجت الحكومة الإسبانية لتفضح بعض كذبهم، وصرحت أنها أبلغت السلطات الجزائرية مسبقا بدعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، ووصفت رد فعل نظام قصر المرادية بكونه (غضبا غير مبرر)، وبقي، تبعا لذلك، كل المتابعين يستغربون لماذا النظام الجزائري، الذي يردد دائما أنه ليس طرفا في نزاع الصحراء، هو الوحيد الذي يعارض أي حل إيجابي للملف، وهو أول من يرفض كل خطوة من شأنها التقدم في مسلسل حل هذا النزاع المفتعل.
لم يكتف نظام الجزائر بدعوة سفيره من مدريد للتشاور، وببلاغات ديبلوماسيته وتصريحات مسؤوليه، ولكنه جعل رد فعل الجبهة الانفصالية مطابقا لبلاغ خارجيته، واعتبرت جماعة تيندوف، من جهتها، موقف إسبانيا بمثابة (انحراف خطير يتعارض مع الشرعية الدولية)، على حد زعمها، وباشر مريدوها الضغوط داخل إسبانيا بتنسيق مع لوبيات داعمة لهم، كما حرك النظام الجزائري ماكينته الإعلامية بأشكال بليدة ويعوزها الحد الأدنى من الذكاء.
أغلب عناوين ومانشيطات صحف الجزائر الموالية للعسكر والخاضعة لأوامرهم، جاءت، في اليومين الأخيرين، فاضحة لتورط النظام العسكري وعبثيته.
المغرب، من جهته، استمر في تجاهله لرعونة هذا النظام العسكري المتكلس والغارق في التيه والجنون والبدائية، ولم يرد عليه، وإنما هو يركز على تأمين شروط انطلاق صفحة جديدة في علاقاته الثنائية مع الجار الشمالي إسبانيا، ويعمل لتعزيز الدينامية الجديدة، وحماية حقوقه الوطنية والإستراتيجية، ولا يبالي بألاعيب ومناورات الصغار والشاردين، والذين لا يدركون حتى مصلحتهم ومصلحة شعبهم.
لقد قرر المغرب عودة سفيرته إلى مدريد، يومان فقط بعد إعلان إسبانيا عن موقفها التاريخي والشجاع، وهذا يعني أن ما أقدمت عليه الجارة الشمالية لم يكن سلوكا للعلاقات العامة، ولكنه خطوة سياسية استراتيجية نجمت عن تفكير عميق، وتشاور، وتستحضر كل السياقات ذات الصلة، وتتطلع إلى المستقبل، وإلى بناء شراكة مختلفة بين المغرب وإسبانيا ضمن منطق: (رابح- رابح).
وحده النظام الجزائري لا يريد أن يتغير، ولا يريد أن (يتحرر) من حقده على المغرب.
حالة جينرالات الخيبة تبعث فعلا على الشفقة، وتفرض، من جديد، التذكير بكون هذا النظام الديكتاتوري بات خطرا حقيقيا على كامل المنطقة، ويعرقل كل مسلسلات الأمن والسلام والاستقرار والتنمية والتقدم والديموقراطية والتعاون.
محتات الرقاص