أفشلت السلطات الأمنية بمختلف تشكيلاتها، ليلة الخميس الأخير، محاولة هروب جماعي لنزلاء قاصرين من إصلاحية عين السبع بالدار البيضاء )مركز الإصلاح والتهذيب(، بعد أن اضطرت عناصرها إلى إطلاق أعيرة نارية، وغازات مسيلة للدموع لتطويق الحادث، ودفع السجناء القاصرين إلى العودة إلى زنازينهم، فيما تمكن رجال الوقاية المدنية من إطفاء الحريق الذي شب في بعض مستودعات السجن، واستغله القاصرون لتنفيذ مخطط هروب جماعي. وحسب الحصيلة الأولية، لهذا الحادث، الذي استغرق حوالي خمس ساعات قبل تطويقه، فقد أصيب مجموعة من النزلاء بحالات اختناق في هذا الحريق الذي شب بالمركز حوالي الساعة السابعة والنصف مساء، تطلب نقلهم إلى مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي لتلقي العلاجات الضرورية، كما أصيب خمسة عناصر من رجال الشرطة، وثلاثة من الوقاية المدنية، وستة من القوات المساعدة وخمسة من موظفي المندوبية العامة بإصابات متفاوتة الخطورة، بعد مواجهتهم للنزلاء، فيما لم بتم تسجيل هروب أي نزيل، رغم الفوضى التي عرفها فضاء الإصلاحية، حيث اختلط الجانحون مع رجال الأمن بزيهم الرسمي والمدني والحراس والمسؤولين والصحافيين.
وكان أحد الجانحين، قد استغل الفوضى العارمة التي عرفها فضاء السجن، فتمكن من اعتلاء شاحنة للوقاية المدنية وشغل محركها، في غفلة من الجميع، مع وضع قنينة للإطفاء على الدواسة، والقفز بعد ذلك، حيث توجهت الشاحنة بسرعة جنونية نحو الباب الرئيسي للمركز الذي يطل على الشارع، قبل أن يضطر رجال الأمن إلى إصابة عجلاتها بأعيرة نارية، ورغم ذلك، اقتلعت الشاحنة الباب الحديدي من مكانه، لتصطدم بسور إحدى الفيلات المقابلة للمركز على بعد حوالي 70 مترا، ولحسن الحظ، لم يخلف هذا الحادث ضحايا.
ووفق بعض المصادر، فقد عمد بعض الجانحين إلى إضرام النار في بعض الأفرشة، لإلهاء الموظفين كخطوة أولى، ضمن مخطط مدروس،قبل المرور إلى مرحلة الهروب الجماعي، وهو المخطط الذي تم إفشاله، من قبل مختلف العناصر الأمنية وموظفي المركز، رغم الارتباك الواضح الذي بدا على وجه المسؤولين، وكاد أن يتسبب في إزهاق أرواح أبرياء، كما هو الحال، بالنسبة للشاحنة التي ترك سائقها المفاتيح بها، واستغلها أحد الجانحين لاقتلاع الباب الحديدي.
وأعلنت للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في بلاغ لها أمس الجمعة، أن أعمال الشغب التي قام بها نزلاء مركز الإصلاح والتهذيب عين السبع (عكاشة)، تسببت في خسائر مادية كبيرة وإصابات في صفوف الموظفين وعناصر القوات العمومية.
وأوضح البلاغ، أن الخسائر المادية التي عرفها المركز شملت المصالح الإدارية للمؤسسة، حيث تم إتلاف جميع المكاتب والتجهيزات باستثناء مكتب المقتصد، بما في ذلك المستندات الخاصة بتسيير الموظفين، وسجلات الاعتقال والملفات الجنائية للسجناء، ومكتب الرعاية الصحية، والتجهيزات والملفات الطبية والأدوية، بالإضافة إلى إتلاف شبكة الاتصالات السلكية.
وأضاف أنه على مستوى المعقل، تم إتلاف تجهيزات مكافحة الحرائق، والهواتف الثابتة، والعشرات من أجهزة التلفاز الموجودة بالزنازن، والتجهيزات الكهربائية، والمعدات الرياضية، والأفرشة والأغطية، كما تم إضرام النار في خمس غرف بأحد أحياء المؤسسة.
وشملت أعمال التخريب أيضا، يضيف المصدر ذاته، المكاتب والتجهيزات الخاصة بمصلحة التهييئ لإعادة الإدماج التابعة لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، بما في ذلك الكتب والآلات الموسيقية والمكتبة الرقمية والمعدات الرياضية والملفات الاجتماعية للنزلاء، وكذا الأقسام الخاصة بالتعليم.
وأشار إلى أنه تم إلحاق أضرار كبيرة بالباب الرئيسي للمؤسسة وبكل التجهيزات الخاصة بالمراقبة الإلكترونية من كاميرات وغيرها وبحضيرة السيارات الخاصة بالمؤسسة، إذ تم الإحراق التام لحافلة وسيارة لنقل السجناء، وتدمير سيارة الإسعاف وسيارات المصلحة والدراجات النارية الخاصة بالموظفين، بالإضافة إلى شاحنة تابعة للوقاية المدنية وسيارات خاصة كانت داخل المؤسسة.
وبالنظر إلى حجم التخريب الذي طال مختلف التجهيزات والبنيات ومصالح المؤسسة؛ وبالأخص الغرف التي أضرم بها النار، أوضح المصدر أن المندوبية العامة عمدت إلى نقل مجموعة من السجناء إلى مؤسسة أخرى، كما فتحت إدارة المؤسسة، بتأطير مباشر من المسؤولين بالإدارة المركزية بعين المكان، قنوات التواصل المباشر مع أفراد الأسر الذين حضروا للاطمئنان على أقربائهم من السجناء، ونظمت زيارة مفتوحة ليتمكنوا من الاطمئنان عليهم.
وأكدت المندوبية أنها ستقوم ببحث إداري بمجرد استتباب النظام والأمن بالمؤسسة لمعرفة أسباب هذه الأحداث وترتيب الإجراءات الإدارية الضرورية، في الوقت الذي ستقوم فيه السلطات القضائية المختصة بإجراء بحث قضائي في الموضوع.
وكانت المندوبية قد أكدت في وقت سابق أن مركز الإصلاح والتهذيب عين السبع (عكاشة) عرف، ليلة الخميس، أحداث شغب وتمرد من طرف نزلاء هذه المؤسسة. وذكرت أنه اتضح من خلال المعطيات الميدانية الأولية أن هذه الأحداث تمت وفق مخطط مدروس وضعه ونفذه متزعمو هذه الحركة، “إذ عمدوا إلى إحراق بعض الأفرشة من أجل إحداث دخان، والعمل على دفع الموظفين إلى التدخل، وذلك بهدف مهاجمتهم والخروج إلى خارج المعقل، كما حاولوا فتح الباب الخشبي لمكان إيداع الأسلحة إلا أنهم فشلوا في الوصول إليها بعد أن لم يستطيعوا كسر الشبكة الحديدية للباب. وبعد خروجهم إلى خارج المعقل، قام هؤلاء السجناء بإضرام النار وتكسير حافلة لنقل السجناء، ورشق بعض الموظفين الذين أصيبوا بجروح خفيفة”.
وقد تمكنت بذلك عناصر القوات العمومية، وفق ذات البلاغ، مدعومة بالموظفين القادمين من المؤسسات المجاورة، و بتأطير من مجموعة من المسؤولين بالإدارة المركزية للمندوبية العامة من السيطرة على الوضع وتهدئته، والعمل على إحلال النظام واستتباب الأمن بالمؤسسة.
وستوفد المندوبية العامة لجنة مركزية للبحث والتقصي لإجراء بحث دقيق وشامل من أجل تحديد العناصر الذين كانوا وراء هذه الأحداث المخطط لها، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في حقهم وتقديمهم إلى العدالة.
هذا، وعرف محيط الإصلاحية، طيلة الليلة، حضور عشرات من أهالي النزلاء، والمئات من المواطنين، خصوصا بعد سماعهم لعلعة الرصاص، ومختلف التشكيلات الأمنية، حيث أصيب مجموعة من أفراد عائلات النزلاء بانهيارات عصبية، خوفا من أن تمتد ألسنة النيران إلى أبنائهم، خصوصا وأن عشرات من النزلاء قضوا في مثل هذا الحادث قبل سنوات في سجون أخرى مماثلة، بفعل الحريق.
حسن عربي
تصوير: عقيل مكاو