بعد أن جرى أول أمس الأحد اختتام منافسات كأس العالم لكرة القدم بقطر، والتي فازت بها الأرجنتين على حساب فرنسا، تستحق دولة قطر اعتبارها الفائز الأكبر، وذلك بعد أن حققت النجاح الباهر في تنظيم آخر نسخة مونديال تحتضنها دولة واحدة بمفردها.
بحسب معظم المراقبين، فقد نظمت قطر أفضل نسخة كأس عالم في التاريخ، وستكون معايير النجاح مستقبلا عالية السقوف بعد قصة النجاح القطرية، وتفوق الدوحة في تنظيم أول مونديال في المنطقة العربية، وما أتاحه ذلك لملايين الجماهير من كل العالم من فرص اكتشاف حياة الشرق، والتعرف على الشعوب العربية بعيدا عن الأحكام المسبقة والصور النمطية.
لقد نجحت قطر في امتحان استضافة المونديال ليس فقط بسبب الوفرة المالية المتاحة وعائدات المحروقات، ذلك أن بلدانا أخرى تمتلك ذلك ولم تنجح فيما نجحت فيه الدوحة، ولكن الأمر يتعلق بالتوقع المستقبلي والتخطيط والعزم، وأيضا الاعتماد على الكفاءات المؤهلة من مختلف الجنسيات…
قبل المونديال، كانت قطر قد نجحت في احتضان وإقامة تظاهرات رياضية دولية وإقليمية أخرى عديدة، كما أنها استضافت مؤتمرات عالمية في السياسة والاقتصاد والمناخ وسواها، وعرفت ديبلوماسيتها بتنوع مبادرات الوساطة التي قادتها في عدد من بؤر التوتر والنزاع، وبذلك عززت بناء قوتها الناعمة في المنطقة والعالم، وهو ما توجته اليوم باحتضان المحفل الكروي والرياضي الأشهر في العالم.
مونديال قطر لم يشهد أي مشكلة أمنية على الإطلاق، وخلا من أحداث الشغب، وفي المقابل كان لافتا الحضور المكثف وغير المتوقع للجماهير، ومعظم المباريات جرت أمام عشرات الآلاف من المتفرجين بالملاعب، كما أن الدولة المستضيفة أبهرت العالم بما وفرته من ملاعب متطورة وبنيات رياضية عالية الجودة، علاوة على باقي المرافق والخدمات الأخرى ذات الصلة، وكل هذا يندرج ضمن معايير تقييم النجاح، وقياس مستويات التفوق القطري.
على صعيد قطر، نجح أمير دولة قطر، مصحوبا بأفراد أسرته الصغيرة، في تغيير النظرة المسبقة لبعض الغربيين عن شعوب الخليج، وقدم صورة لا صلة لها بالبداوة والتخلف أو الإهدار المبالغ فيه للمال، وإنما صورة ناس عاديين يتابعون بشغف مباريات كرة القدم في الملاعب، ويرحبون بالضيوف وينفتحون على الحضارات والثقافات واللغات الأخرى، وهذه الصورة الحميمية والإنسانية والعفوية حققت لقطر ما لا يمكن للسياسة أو مداخيل المحروقات أن تحققه طيلة عشرات السنين.
اختتام مونديال كرة القدم تزامن أول أمس الأحد مع تخليد اليوم الوطني لدولة قطر، الذي يؤرخ لذكرى تأسيس الدولة وتوحيدها، وكان ذلك مناسبة للقيادة السياسية القطرية لتستعرض منجزها العام أمام شعبها وأمام العالم كله في أجواء الانتشاء بنجاح الحدث الكروي الكبير.
ومثلت المناسبة الوطنية كذلك فرصة لقياس مستوى التقدم من عهد القبائل البدوية المتفرقة إلى مرحلة الدولة الموحدة، والتي تحتفل اليوم بعيدها الوطني تحت شعار كبير: (وحدتنا مصدر قوتنا).
من المؤكد أن تفاصيل وأسرارًا مختلفة قد يعرضها مستقبلا الإعلاميون ومؤرخو الرياضة عن سياقات وحيثيات مونديال الدوحة، ولكن كل هذا لا يمنع اليوم من التأكيد على نجاح التظاهرة فنيا وكرويا وتنظيميا وأمنيًا وإشعاعيا، والفضل في ذلك يعود لثقة قطر في نفسها أول مرة، ولعزمها على النجاح، ولتصديها لكل المحبطات والإكراهات والضغوط.
برافو إذن لدولة قطر على قصة نجاحها المونديالي.
<محتات الرقاص