نحو «صفر جوع» في البلدان العربية

يحتاج العالم العربي إلى اهتمام كبير وعمل جماعي من الحكومات والجهات المانحة والباحثين والعاملين في مجال التنمية والمجتمع المدني، من أجل تلبية الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المتعلق بالقضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة. هذا لأن منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، حيث تقع معظم البلدان العربية، تعد المنطقة الوحيدة التي تشهد حاليا زيادة في انتشار الجوع، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو).
الدكتور محمود الصلح، المدير العام السابق للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، كتب ورقة بحثية حول تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، أي القضاء على الجوع، في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) لسنة 2016 حول تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في المنطقة العربية. وهذا المقال يتضمن أبرز ما جاء فيها.

تضاعف عدد الجياع في المنطقة العربية من 16.5 مليون شخص بين 1990 و1992 إلى 33 مليون شخص بين 2014 و2016. وارتفعت أيضا نسبة من يعانون من نقص التغذية خلال الفترة نفسها من 6.6 في المائة إلى 7.5 في المائة. كما أن عدد الأطفال الذين يعانون من التقزم مرتفعة في بلدان مثل مصر والعراق والسودان واليمن. وفي المنطقة ككل، يعاني ثلث السكان من فقر الدم، خصوصا الأطفال والحوامل والنساء في سن الإنجاب.
يعزى هذا الاتجاه المقلق إلى تصاعد التنازعات وعدم الاستقرار وما يترتب عليها من انهيار الخدمات العامة والخاصة في بعض البلدان العربية. وفي حين تختلف هذه المنطقة عن دول مجلس التعاون الخليجي وشمال أفريقيا في تلبية هدف الألفية السابق المتمثل في خفض انتشار الجوع إلى النصف بحلول عام 2015، فإن الطلب على الأغذية في المنطقة ككل يتزايد بسرعة مع النمو السكاني، وتتم تلبية الطلب الحالي أساسا عن طريق الاستيراد. والواقع أن المنطقة العربية هي أكبر مستورد للحبوب في العالم، ومن المرجح أن يزداد اعتمادها على واردات الغذاء بشكل كبير في المستقبل، إذ تشير التقديرات لسنة 2030 إلى أن العجز في الحبوب سيكون ضعفي ما هو عليه اليوم.
أبرز البنك الدولي وغيره المدى الذي تكون فيه البلدان العربية، أكثر من مناطق أخرى، عرضة إلى أبعد الحدود للصدمات في أسعار المواد الغذائية، والآثار التي تم الشعور بها بشكل ملحوظ عام 2008 أثناء الأزمة العالمية للغذاء، إلى جانب آثار التغير المناخي. ويرى بعض المحللين أن هذه العوامل ساهمت، جنبا إلى جنب مع عوامل أخرى، في الاضطرابات المدنية، وبروز التطرف والنزوح الحالي للسكان في بعض هذه البلدان. وعلاوة على ذلك، يعد تدهور الموارد الطبيعية في البلدان العربية غير مسبوق، مع تدهور الأراضي واستنزاف الموارد المائية التي تؤثر في عمليات التنمية وقدرة النُظم الإيكولوجية على توفير خدماتها التي تشتد الحاجة إليها.
والواقع أن هذه المنطقة نفسها تهدر الأغذية وتواجه خسائر في الأغذية بمعدلات أعلى من المتوسط العالمي. وهذا يضع أيضا تحديات هائلة لمعالجة الأمن الغذائي، كما يلقي أعباء إضافية وغير ضرورية على الموارد المائية الشحيحة في العالم العربي وتكاليف الاستيراد. ويحدث هذا الهدر وهذه الخسائر على طول سلسلة القيمة الغذائية بأكملها. وتقدر خسائر القمح وحدها بنحو 16 مليون طن، ما يكفي لإطعام 100 مليون شخص.
لا بد من عكس اتجاه الجوع المتزايد في البلدان العربية، كما ينبغي عكس خسائر الغذاء وهدره. وللقيام بذلك، تحتاج الحكومات العربية إلى سياسات موصلة إلى تحقيق الأمن الغذائي، من خلال تقوية شبكات الأمان، وإدارة تقلبات السوق، وتعزيز الإنتاج الغذائي المحلي، مع الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية. وقد قام المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، على مدى 40 عاما، بجمع المعرفة والخبرة التي تثبت أن تحقيق الهدف 2 في البلدان العربية أمر ممكن، من خلال العلم والتكنولوجيا اللذين يتصديان للقيود الطبيعية والتقنية والسياسية الكبرى التي تعوق الإنتاج الغذائي في المنطقة.

زيادة الإنتاج الزراعي
يعد تحقيق «صفر جوع» وزيادة الإنتاج الغذائي في البلدان العربية نافذة واحدة لفرصة مهمة. ونظرا إلى أن إدخال أراض جديدة في الإنتاج الزراعي ليس خيارا بالنسبة لمعظم البلدان، باستثناء السودان، حيث إن إجمالي مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في جميع البلدان الأخرى هو أقل من ثلاثة ملايين هكتار، فإن هناك فعليا ثلاث مقاربات فقط لزيادة الإنتاج الزراعي من أجل معالجة المستويات المتزايدة من انعدام الأمن الغذائي وتلبية الزيادة المتوقعة في الطلب على الغذاء. وهذه المقاربات هي: تكثيف نظم الإنتاج الزراعي لزيادة الغلال أو الإنتاجية على الأراضي القائمة، وزيادة الكثافة المحصولية أي عدد المحاصيل في الموسم الواحد على الأراضي الزراعية القائمة، وتخفيض خسائر الغذاء وهدره على طول سلسلة الإمداد.
وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة، من المتوقع على المستوى العالمي أن تأتي 93 في المائة من الزيادة المطلوبة في الإنتاج الغذائي من التكثيف الزراعي بنسبة 72 في المائة، ومن الكثافة المحصولية بنسبة 21 في المائة إذا سمحت الظروف البيئية بذلك كما هي الحال في وادي النيل في مصر. لذلك، لا بد من تحقيق جزء كبير من هذا النمو بتحسين الإنتاجية بدلا من التوسُّع الأفقي.
وقد دأبت إيكاردا منذ عام 1977 على إجراء بحوث في العالم العربي لمعالجة الأمن الغذائي، من خلال تطوير المعرفة والتقنيات لدعم تكثيف نظم الإنتاج الزراعي عن طريق زيادة الغلال أو الإنتاجية في الأراضي القائمة وبزيادة الكثافة المحصولية في الأراضي الزراعية الحالية.

ردم فجوات الغلال

الإنتاجية الزراعية في معظم البلدان العربية هي أقل من المعدل العالمي بسبب القيود الطبيعية والتقنية والسياسية. ومع ذلك، فإن احتمال زيادة الإنتاجية الزراعية، لتعزيز الأمن الغذائي وتحسين سبل معيشة المزارعين الذين يفتقرون إلى الموارد في البلدان العربية، ممكن من خلال ردم «فجوة الغلال» بين مستويات المحاصيل الفعلية التي يحققها المزارعون والمحاصيل المحتملة في ظل إدارة مناسبة ومدخلات ذات تقنيات محسنة.
ويمكن إيراد أمثلة على الجهود الرامية لردم الثغرات المحصولية من خلال مشروع ممول من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (AFESD)، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والبنك الإسلامي للتنمية، ومؤسسة بيل وميليندا غيتس، وصندوق أوبك للتنمية الدولية، وتنفذه إيكاردا منذ عام 2011 وتشرك فيه مصر والمغرب والأردن والسودان وسورية وتونس واليمن، وفي مرحلة لاحقة لبنان وفلسطين والجزائر والعراق.
كانت نتائج هذا الاستثمار الواسع النطاق في العلوم والتكنولوجيا إيجابية للغاية: سجل المزارعون في أنحاء العالم العربي زيادات كبيرة في إنتاجية القمح باستخدام الأصناف المحسنة المقاومة للجفاف والحرارة والآفات والأمراض الفتاكة، مثل الصنف (UG 99) الذي يتراوح متوسط زياداته المحصولية من 13 في المائة تحت ظروف الزراعة البعلية في المغرب إلى 67 في المائة تحت ظروف الري في السودان، بمعدل متوسط زيادة شاملة مقدارها 28 في المئة في جميع البلدان. وفي ما يتعلق بالحد الأقصى للزيادة في إنتاجية القمح، تراوحت في هذه الفترة من 25 في المئة تحت ظروف الزراعة المطرية في فلسطين و147 في المائة تحت الظروف المروية في السودان، مع معدل زيادة إجمالية قدرها 75 في المائة في جميع البلدان. وكانت المكاسب المالية أيضا ملحوظة: مع زيادة في المعروض من القمح في مصر من 557 ألف طن في موسم 2009 ـ 2010 إلى 881 ألف طن في 2013-2014 (بزيادة نسبتها 58 في المائة)، وقدرت القيمة السنوية بنحو 52 مليون دولار. وتكمن قوة المشروع في زيادة إنتاج القمح ليس فقط عن طريق إدخال الأصناف المحسنة، ولكن أيضا مع تحسين حزم إدارة التربة والمياه والمحاصيل لتحسين الاستخدام المستدام للموارد وتحقيق أقصى قدر من المكاسب المحصولية.
التوصية للبلدان العربية هي بتكثيف نظم الإنتاج الزراعي مع مراعاة الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية المتاحة، من خلال الزيادة العمودية في الإنتاج الزراعي لكل وحدة من المدخلات، (مثل الأراضي والمياه والأسمدة والبذور والعمل والمال)، مع الحد من الضرر الذي يلحق بالبيئة. وبالتالي يمكن للبلدان العربية زيادة استثماراتها في تقنيات الصوْن للتكثيف الزراعي المستدام من أجل زيادة الإنتاجية والإنتاج الزراعي، من خلال المقاربات المختبرة الآتية: الممارسات الزراعية الجيدة، الاستخدام المستدام للمياه والإدارة المتكاملة للمياه والأراضي، الزراعة الحافظة من دون حراثة أو بحد أدنى من الحراثة، نظم الإنتاج المتكاملة للمحاصيل والثروة الحيوانية والمراعي، تنويع نظم إنتاج المحاصيل وتناوب المحاصيل، الإدارة المتكاملة للآفات، النظام المتكامل للتغذية النباتية، الزراعة العضوية، الزراعة المحمية والزراعة المائية، الزراعة في المدن وحول المدن.

تحسين إنتاج الثروة الحيوانية
يعد الإنتاج الحيواني المساهم الرئيسي في تحقيق الأمن الغذائي في البلدان العربية. وباستثناء العراق، نما الإنتاج الحيواني من 3 إلى 5 في المائة في معظم البلدان العربية بين عامي 1990 و2013. وتعد الكويت المستهلك الأعلى للفرد من اللحوم بواقع نحو 78 كيلوغراما للفرد سنويا، بينما تعد سورية المستهلك الأدنى بواقع 18 كيلوغراما للفرد سنويا.
في عام 2014، كانت قلة قليلة من البلدان العربية قريبة من الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الحيواني. وكان السودان البلد الوحيد المكتفي ذاتيا في العالم العربي، على رغم من أن بلدانا مثل سورية والمغرب والجزائر وتونس كانت مكتفية ذاتيا حتى عام 2000. وحقق النمو في إنتاج الدواجن أكبر نمو في مصادر الغذاء الحيوانية، إذ ازداد أكثر من ضعفين عام 2013 بالمقارنة مع معدل الإنتاج خلال الفترة من 1995 إلى 2000. ونما إنتاج الأغنام والماعز والأبقار بنسبة 21 في المائة، في حين نما إنتاج الإبل بنحو 45 في المائة خلال الفترة نفسها.
كان العائق الرئيسي لنمو الإنتاج الحيواني هو المصادر المحدودة من الأعلاف المنتجة محليا وارتفاع كلفة مصادر الأعلاف المستوردة، وبخاصة بعد انخفاض قيمة العملات المحلية في بعض البلدان. في الماضي، وفّر الرعي المجاني في المراعي في معظم البلدان العربية ما بين 75 و80 في المائة من مصادر العلف. أما اليوم، فتوفر المراعي 15 إلى 20 في المائة فقط من العلف. ويرجع ذلك أساسا إلى الرعي الجائر والإفراط في مخزونات الحيوانات مما أدى إلى الاستخدام غير المستدام للمراعي.
تستخدم إيكاردا مقاربات جديدة لتحسين الإنتاج الحيواني في العالم العربي من خلال عملها على المجترات الصغيرة، أي الأغنام والماعز. ويقوم العلماء بتوصيف وصون السلالات المحلية من أنماط مختلفة من الماشية، وتحديد السلالات الأكثر إنتاجية أثناء استكشاف تكيفها مع البيئات الحارة والقاحلة. ويتم إشراك المجتمع في كل هذه الجهود، ولا سيما النساء، اللاتي يتم بناء قدراتهن حول الحيوانات التي يجب المحافظة عليها أو التخلص منها عند انخفاض إنتاجيتها. وقد حسنت الجهود في الأردن والعراق نظام «المواشي – الشعير» من خلال تطوير خصوبة الماشية المحسنة والإنتاج. وذلك عن طريق تدابير مثل الفطام المبكر والحلب المتزامن، والجرعة الصحيحة والتوقيت المناسب لمكافحة الطفيليات، والمكعبات العلفية المستدامة، مع تطوير ونشر أصناف جديدة من الشعير قادرة على تحمل فترات الجفاف الطويلة وندرة المياه المتزايدة في الأردن والعراق.
وقد وجدت إيكاردا أن مقاربات المجتمع لزيادة إنتاجية الثروة الحيوانية والاستخدام المستدام للمراعي وموارد المياه تكون أفضل عند إدارة الملكيات المشتركة. ويمكن تعظيم مصادر العلف المنتجة محلياً من خلال استخدام مخلفات المحاصيل بعد معالجتها لزيادة قيمتها التغذوية واستساغتها. ومن الممكن تطوير مصادر غير تقليدية للأعلاف المغذية، مثل المنتجات الثانوية ومخلفات المحاصيل والصبار اللاشوكي الذي ينتشر على نطاق واسع في الأراضي الهامشية في المغرب وتونس.
هناك حاجة إلى بحوث إضافية لإدخال سلالات أكثر إنتاجية وقابلية للتكيف لزيادة المصادر الحيوانية للغذاء وتحسين الاكتفاء الذاتي في اللحوم والحليب. هناك أيضا حاجة لخدمات بيطرية محسنة وموجهة بشكل جيد لضمان صحة الحيوانات، وبرامج تحصين منتظمة لمكافحة الأمراض الحيوانية العابرة للحدود، وضمان إجراءات حجر صحي صارمة لإدخال الماشية وغيرها من الحيوانات إلى البلدان العربية. كذلك، من شأن تطوير سلاسل القيمة المتكاملة للثروة الحيوانية وتعزيز الشراكات بين مختلف الجهات المعنية، بما في ذلك منتجو الثروة الحيوانية وبخاصة أصحاب الحيازات الصغيرة والمصنعون، أن يساعدا في تحسين الأمن الغذائي في البلدان العربية.

تحسين كفاءة الري

يعد تحسين كفاءة الري وإدخال تقنيات موفرة للمياه قضيتين ملحتين لمزارعي المحاصيل الغذائية في المنطقة العربية. والري بالغمر هو الطريقة التقليدية المستخدمة في نحو 70 في المائة من المساحة المروية، وهي طريقة غير فعالة ومكلفة ومبذرة. وفي كثير من الأحيان يستخدم المزارعون، إذ ليس لديهم خيار آخر، مياها ذات نوعية متدنية تقود إلى التملّح والغدق وتدهور الأراضي بشكل كبير بحيث يتعذر أحياناً زراعة أي محصول غذائي فيها بعد ذلك. بالتالي، يحتاج المزارعون إلى وجود نظام فعَّال واقتصادي ومستدام لإدارة الري لتعظيم إنتاجية المحاصيل والمياه.
تنتج الأبحاث أنظمة ري مثلى على امتداد موسم النمو لزيادة إنتاجية المحاصيل لكل وحدة من المياه المستخدمة. وقد أسفرت الدراسات التي أجرتها إيكاردا مؤخرا بالتعاون مع نظم البحوث الوطنية في العالم العربي عن تطوير حزم مبتكرة لإدارة المياه على مستوى المزرعة لتقليل فاقد المياه. وقد ركًّزت هذه الحزم على تحسين توقيت الري، وضبط كميات المياه المستخدمة، وتقنيات محسنة لتحضير الأرض تؤدي إلى استخدام أكثر إنتاجية للمياه من دون تكاليف إضافية للمزارعين.
من الأمثلة على ذلك مكننة تقنية المصاطب ذات الأخاديد المرتفعة والعريضة، المنفذة لمساعدة مزارعي القمح على تحسين إنتاجيتهم وكفاءة استخدامهم للمياه. وقد عملت التجارب التي أجريت في المزارع في محافظة الشرقية في مصر على تقييم وضبط وصقل أصناف القمح والممارسات الزراعية المحسنة في الظروف الميدانية. وتشمل الحزمة زراعة القمح على مصاطب مرتفعة ذات عرض مثالي، والتسميد المناسب، واستخدام أفضل أصناف القمح ذات الإنتاجية العالية. ومنذ إدخال هذه الحزمة المحسنة، ازدادت المساحة المزروعة بالقمح على المصاطب المرتفعة تدريجيا من 2080 هكتارا في الموسم الأول (2010 – 2011) إلى نحو 80 ألف هكتار في 2014 – 2015. وكحزمة، قللت التقنية من استخدام مياه الري بنسبة 25 في المائة، وزادت محصول الحبوب بنسبة 30 في المائة، وزادت كفاءة استخدام المياه بنسبة 73 في المائة، وخفضت كمية البذور المستخدمة للزراعة بنسبة راوحت بين 30 و50 في المائة، ووفرت الطاقة بنسبة 33 في المائة نتيجة تخفيض ضخ المياه.
أحدث المشروع ثورة في الممارسات الزراعية في الدلتا. وشجع نجاحه الحملة الوطنية للقمح التي تقودها الحكومة المصرية لدعم تنفيذ 1900 موقع ميداني تجريبي في المحافظات الـ22، باستخدام أسلوب المصاطب المرتفعة. ونتيجة لذلك، تتم الآن زراعة أكثر من 300 ألف هكتار من الأراضي في مصر باستخدام هذا النظام.
ومع ذلك، هناك حاجة إلى أكثر بكثير من الاقتصاد بالمياه في الري. فقد أظهرت الأبحاث إمكانات هائلة لتقنيات توفير المياه، وبخاصة معالجة مياه الصرف الصحي والمياه المالحة والمياه الرمادية وإعادة استخدامها بشكل آمن، من أجل توفير المياه العذبة وزراعة المزيد من الغذاء وإعادة تغذية المياه الجوفية. وفي العراق، قادت إيكاردا مشروع وضع إطار لإدارة الملوحة لصانعي القرار في المنطقة، للمساعدة في تحسين كفاءة الري لدى المزارعين، والحد من الترشيح العميق إلى المياه الجوفية الضحلة وما يؤدي إليه من إعادة تملُّح منطقة الجذور. كما اختارت أصناف قمح عالية الإنتاج في ظروف التربة المالحة.
لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتحسين كفاءة الري وإدخال التقنيات الموفرة للمياه في زراعة المحاصيل الغذائية في العالم العربي، من خلال الأبحاث والعلوم والسياسات وآليات التسعير وتغيير السلوك. وفي الواقع، نظرا لندرة المياه في المنطقة والحاجة الملحة إلى زيادة إنتاج الغذاء، على العالم العربي أن يكون «وادي السيليكون» لأبحاث المياه في العالم. لذا يجب تشجيع المستثمرين من القطاعين العام والخاص وعلى المستوى الإقليمي والوطني والدولي على الاستثمار في هذا المجال.

التعامل مع فضلات الأغذية وخسائر ما بعد الحصاد
إن كمية المواد الغذائية المفقودة والمهدورة  في العالم العربي هي أعلى من المعدل العالمي، وتقدر بنحو 250 كيلوغراما للفرد سنويا. وتعود ضخامة الخسائر الاقتصادية الناجمة إلى واقع أنها المنطقة التي تعاني أكبر عجز غذائي وأنها أكبر مستورد للغذاء في العالم. لذلك فإن للأغذية المفقودة والمهدورة تأثيرا خطيرا جدا في الأمن الغذائي. ويتم هدر الكثير من الأطعمة التي توضع على الموائد، سواء في المطاعم أو في المنازل. وتشير التقديرات إلى أن فضلات الغذاء الصالحة للأكل تبلغ نحو 35 في المئة.
المصدر المهم الآخر لخسائر الأغذية هو الناجم عن أنشطة الحصاد وما بعد الحصاد. إذ يمكن أن تتضرر الأغذية أو تتلف أو تفقد خلال حصادها ومناولتها وتصنيعها وتعبئتها وتخزينها ونقلها وتوزيعها وتسويقها واستهلاكها. وتؤثر هذه الخسائر في قدرة المنطقة على الحدّ من الجوع، وتضع أعباء كبيرة وإهدارية على الموارد الطبيعية الشحيحة في المنطقة، خصوصاً المياه، وتساهم في التغير المناخي من خلال توليد الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن الأغذية المفقودة والمهدورة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعادل خسارة 42 كيلومتراً مكعباً من المياه سنويا. وتؤثر خسائر الأغذية أيضاً في مزارعي الحيازات الصغيرة، الذين تفوتهم فرص توليد المزيد من الدخل بسبب الخسائر التي تلحق بهم أثناء مراحل الإنتاج وما بعد الحصاد.
وعلى مستوى المزرعة، يمكن أن يُفقَد الغذاء من خلال مرافق التخزين السيئة، وترك المحاصيل عرضة للأمطار وغزو الحشرات والقوارض. ومن شأن استخدام تقنيات وأدوات خاطئة في حصاد المحاصيل ودرسها وتنظيفها إلحاق الضرر بها أيضا. كما يؤدي سوء تقنيات الحلب وتصنيع الحليب وتخزينه ونقله إلى فساده، ما يجعله غير آمن للاستهلاك البشري.
يمكن التعامل مع خسائر الأغذية والنفايات الغذائية بشكل أفضل عن طريق استخدام مقاربة تقوم على سلسلة الإمداد، باعتبار أن الخسائر تحدث على طول سلسلة الإمداد لسلعة معينة. ويتعين معالجة هذا الأمر على مستوى المزارع التجارية الكبيرة والمزارع الصغيرة. ويمكن للعلم والتكنولوجيا استهداف كلتا المجموعتين، من خلال تحسين النظم الزراعية وآلات الحصاد، والبنية التحتية للتخزين بما في ذلك التخزين البارد، والتجفيف المحسن والأكثر نظافة صحية، وتقنيات الصون والحفظ، لتحسين سلامة الغذاء ومدّ عمره الافتراضي.
وقد وافقت البلدان العربية مجتمعة على الحد من الخسائر والنفايات الغذائية بنسبة 50 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة. وسوف تركز الجهود على الحد من الهدر والخسائر أثناء عملية زراعة المحاصيل الغذائية، وكذلك أثناء المعالجة والمناولة والتعبئة والنقل والتسويق. ويمكن أن تستفيد هذه المبادرة من تطور البحوث والتكنولوجيا، فضلاً عن خدمات الإرشاد وآليات التمويل، للمساعدة في تقديم الحلول للحد من الخسائر حيثما تكون هناك حاجة إليها. ومن المهم جداً للبلدان العربية إطلاق حملات وطنية للحد من خسائر الغذاء في البيوت وفي المطاعم. وقد تبنت بعض المطاعم بالفعل نظاماً لفرز الغذاء الجيد والآمن وغير المستخدم وجعله متاحاً للمؤسسات الخيرية. إن التقليل من هدر الطعام سيعزِّز الأمن الغذائي ويحدّ من الواردات الغذائية.

التعاون الإقليمي المرتكز على المزايا النسبية

تختلف البلدان العربية في الموارد الطبيعية والبشرية والمالية المتاحة لها، وبالتالي تختلف في قدرتها على تعزيز الأمن الغذائي من خلال الإنتاج الغذائي المحلي. وهكذا فإن التعاون بين البلدان العربية على الصعيدين الإقليمي ودون الإقليمي هو وسيلة حاسمة للعالم العربي كي يعزز أمنه الغذائي ويتحرك في مسار القضاء على الجوع. إن التعاون الدولي والإقليمي والشراكات في مجالي البحوث الزراعية والتنمية المستدامة المرتكزة على التكامل والمزايا النسبية، يمكن تحسينها أكثر لتعزيز الأمن الغذائي والقضاء على الجوع في البلدان العربية. وقد ثبت أن التعاون على الصعيدين الإقليمي ودون الإقليمي هو وسيلة فعالة لتطوير التكنولوجيا ونقلها، وتطوير حلول مشتركة للمشاكل المشتركة، وتعزيز روح المنافسة البناءة والابتكار. وهذا سيتطلب بيئة سياسية تمكينية للاستثمار في جهود البحث والتنمية الزراعية، لتعزيز استدامة الموارد الطبيعية كمجالات ذات أولوية، ووضع العائدات التي تنتجها مباشرة في أيدي المزارعين.
وكما اتضح في أمثلة قليلة، فإن استخدام مقاربة متكاملة لزيادة إنتاج الغذاء مع استخدام الموارد الطبيعية المحدودة بشكل مستدام هو أمر ممكن. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الجهـود لتحويـل الزراعة إلى محـرك قوي للنمو الاقتصادي، ليس فقط لإنتاج مزيد من الغذاء، وإنما أيضاً لخلق فرص عمل جديدة ومرغوبة للشباب في العالم العربي.
 
 عن مجلة (البيئة والتنمية)

Related posts

Top