ندوة بالرباط تدعو لإصدار دليل عربي مرجعي للعقوبات البديلة

أوصى المشاركون في ختام أشغال الندوة الدولية، حول العقوبات البديلة، التي نظمتها على مدى ثلاثة أيام رئاسة النيابة العامة بتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالسعودية، بالتأكيد على مواصلة التقعيد الجاري في البلدان العربية لإدخال هذه العقوبات ضمن منظومتها الجنائية، بالعمل على إقرار تشريعات وطنية تسير في هذا الاتجاه، كما تم التأكيد على ضرورة إعداد دليل مرجعي للعقوبات البديلة التي يمكن ان تعوض العقوبات السالبة الحرية،يتم بمقتضاه تحديد الجرائم التي يمكن أن يعاقب عليها بهذه العقوبات.
وبدا من خلال فعاليات هذه الندوة التي انطلقت منذ يوم الثلاثاء، أن مجموعة من الدول العربية تواصل استعدادها لاعتماد منظومة العقوبات البديلة وتهيئة الأرضية الملائمة والكفيلة بتفعيل هذه البدائل، ويتم هذا التهييئ اساسا على مستوى مختلف الأجهزة القضائية والمؤسساتية خاصة المؤسسات السجنية والإصلاحيات وإعدادها لمرحلة التفعيل.
ويجري تعميق مسارات التفكير والإعداد بشكل حثيث، على اعتبار ان العقوبات البديلة كتجربة والتي يتم العمل بها في عدة بلدان كالولايات المتحدة الأمريكية ، السويد ، هولندا، بلجيكا، بريطانيا وفرنسا ويجري تنفيذها في مرحلة الاعتقال الاحتياطي،وفي حال ارتكاب الجنح الصغيرة، لها كلفة باهظة بالنظر لارتباطها بتقنيات متطورة للمراقبة وما يتطلبه ذلك من موارد بشرية مؤهلة لاستعمال تلك التقنيات ، أساسا في حال إخضاع المتهمين أو المحكومين للمراقبة الإلكترونية وذلك بمراقبة حركتهم وتنقلهم إلكترونيا باستعمال السوار الإلكتروني أو عبر تطبيقات موجودة على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، وإلزامهم بعدم مغادرة نطاق مكاني أو جغرافي معين.
وأوصى المشاركون في الندوة الدولية التي شارك فيها أكثر من 140 متخصصا في مجالات القضاء والعدالة والأجهزة الشرطية من الدول العربية، بتكوين فرق عمل على المستوى الوطني تعنى بالإشراف على تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية بعد اكتساب الأحكام الجنائية للقطعية»، تتألف من خبراء يمثلون وزارات العدل، والنيابات العامة، ووزارات الداخلية، وهيئات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني»، على أن تتولى «جامعة نايف العربية»قبل ذلك إعداد دراسة قانونية يتم فيها الوقوف على أهمية وكذا مزايا تفعيل العقوبات البديلة، ، بحيث يتكلف بذلك فريق من النخب الأكاديمية والخبراء في بعض الدول العربية.
هذا وقدم وزير العدل عبد اللطيف وهبي،توضيحات بخصوص اعتماد المغرب خيار العقوبات البديلة،قائلا» إن مشروع قانون العقوبات البديلة أصبح يشكل بالنسبة رهانا أساسيا يتم الحرص على تسريع وتيرة تنزيله على أرض»، معلنا عن إعداد مشروع قانون خاص بالعقوبات البديلة يجمع الأحكام القانونية الموضوعية والإجرائية معا إلى جانب الأحكام التنظيمية، وأنه تمت إحالته على الأمانة العامة للحكومة والمجلس الوطني لحقوق الانسان وكافة المؤسسات الحكومية والقضائية والأمنية والهيئات المعنية لدراسته وإبداء رأي بشأنه».
وأفاد أن المشروع تضمن خيارات متعددة للعقوبات البديلة، تتوزع بين العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الالكترونية والغرامة اليومية وتدابير علاجية وتأهيلية أخرى لتقييد ممارسة بعض الحقوق بما يتماشى وخصوصية المجتمع المغربي، وفق ضوابط قانونية محددة تراعى من جهة السلطة التقديرية للقاضي في اعتمادها والإشراف على تنفيذها باستثناء بعض الجنح الخطيرة.
كما تضمن المشروع التنصيص على وضع آليات للتتبع ومواكبة تنفيذها مركزيا من طرف وكالة ستحدث لتدبير الممتلكات المحجوزة والمصادرة وهي من ستتولى التنسيق لإعداد برامج العمل وتدليل الصعوبات وتوفير الوسائل المادية اللازمة، فيما محليا سيتم تتبع الموضوع عبر لجان محلية يرأسها قاضي تطبيق العقوبات بعضوية كافة الجهات المعنية».
وكشف أن وزارة العدل بادرت إلى تشكيل لجنة تقنية من القطاعات المعنية لتولي مهمة استقبال الشركات الدولية التي تشتغل في مجال المراقبة الالكترونية للوقوف على كافة العروض المقدمة لتدبير السوار الالكتروني في حالة اعتماده قانونيا.
وأفاد الوزير أن هذا الأمر فتح المجال للوقوف على العديد من الأمور والمعطيات حول الموضوع خاصة على مستوى التجارب المقارنة، «الأمر الذي سيسهل علينا تدبيره من الناحية العملية، وفق تعبير المسؤول الحكومي».
ومن جهته حرص مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، في كلمة ألقاها في افتتاح أشغال هذه الندوة أن يؤكد على المسار الذي اختاره المغرب على مستوى السياسة الجنائية، قائلا» إن موضوع بدائل الاعتقال الاحتياطي والتدابير البديلة للعقوبات السالبة للحرية أصبحت تحتل مكانة متميزة في تنفيذ السياسة الجنائية المعاصرة، خاصة وأنها أصبحت محل توافق حقوقي دولي ومطلب قضائي عملي»
وتوقع أن يسهم إدراج هذه العقوبات في التشريعات الوطنية وتفعيلها على الوجه المطلوب، في تخفيف وطئ العقوبات الحبسية قصيرة المدة وآثارها السلبية، لا سيما تلك المرتبطة بتفاقم مشكلة الاكتظاظ السجني الذي أضحى ظاهرة عامة تشهدها العديد من النظم العقابية».
ولفت المسؤول القضائي، إلى النقاش المتصاعد حول هذه البدائل ، اساسا عندما يتعلق الأمر بأحداث دون سن المسؤولية، حيث تقضي فلسفة عدالة الأحداث اعتبار جميع الأطفال في تماس مع القانون، سواء كانوا ضحايا أو جانحين أو في وضعية صعبة أطفالا محتاجين للحماية، وهم على اختلاف أوضاعهم يعتبرون ضحايا عوامل وظروف شخصية واجتماعية ساقتهم إلى التماس مع القانون، وينبغي لآليات العدالة أن تتقصى مصلحتهم الفضلى عند اختيار التدبير الأنسب لهم» يقول الداكي.
واشار بالنسبة للمغرب، على أن بدائل العقوبات السالبة للحرية بشكل عام لم يغب عن النقاش الوطني ذي الصلة بإصلاح منظومة العدالة وآلياتها ببلادنا».
ووابرز في هذا الصدد، إلى ان التشخيصات الدقيقة التي أجريت في عدة محطات كبرى، أبرزها الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، افضت إلى تكوين قناعة راسخة بضرورة تبني إصلاح جذري عميق يواكب التوجهات الحديثة للسياسة الجنائية، الرامية في جزء مهم منها إلى تنويع رد الفعل العقابي تجاه الجريمة، من خلال سن خيارات تشريعية بديلة ومتنوعة، تمكن من تفادي وتجاوز سلب الحرية واعتماد تدابير بديلة، سواء قبل المحاكمة أو خلال النطق بالعقوبة أو في مرحلة تنفيذها».
ولم يفت المسؤول القضائي، أن يذكر بإعداد وزارة العدل مشروع قانون العقوبات البديلة،الذي من شان اعتماده أن يوفر بدائل للعقوبات السالبة للحرية في مرحلة النطق بالحكم، معتبرا أن ذلك سيتيح للهيئات القضائية هامشا أرحبا في تقدير مدى إعمال العقوبة الحبسية من عدمه بحسب ظروف القضية وملابساتها، كما سيشكل دعما إضافيا للجهود التي تبذلها اليوم النيابات العامة وقضاة التحقيق من أجل ترشيد الاعتقال الاحتياطي».

< فنن العفاني

Related posts

Top