نصوص مغربية وعالمية من أدب الوباء

واكب الإبداع الأدبي في مختلف مراحله الزمنية، المحطات الكبرى التي تمر بها البشرية، ومن بين هذه المحطات بطبيعة الحال، الوباء أو الجائحة، وما ينتج عنها من جوانب سلبية وإيجابية كذلك. في هذه النصوص نجد الذات والمجتمع في صراع مع عدو غير مرئي، وتلك هي سر قوته وطغيانه. من خلال حلقات هذه السلسلة إذن، نقف على عينة من النصوص الإبداعية المغربية والعالمية ومدى تفاعلها مع الوباء، حاضرا وماضيا على حد سواء.

< إعداد: عبد العالي بركات

هكذا يمكنك أن ترتدي الكمامة دون أن تتحول إلى روبوت

< بقلم: ياسين عدنان

في الصباح، كان الفطور على نغمات موسيقى شعبية. أغاني أعراس راقصة وصاخبة للغاية. كأنَّ الله لم يخلق لنا فيروز بأغانيها التي تفتح الشهية للحياة. كأنه لم يُنعِم علينا بباقة كاملة من أغاني الصباح. تذكرت أغاني الصباح التي كانت الإذاعة الوطنية تنتقيها بعناية أيام طفولتنا الأولى. تشبّعنا بها ونحن نتناول إفطارنا الصباحي ونحضّر محافظنا الجلدية الصغيرة ثم وهي تصاحبنا منطلقة من راديوهات أصحاب المحلات ونحن في طريقنا إلى المدرسة. هنا الرباط
إذاعة المملكة المغربية. كانت إذاعة يتيمة. لكنها عرفت كيف تصنع وجداننا. سقى الله تلك الأيام. أفطَرتُ على عجل، فيما مغني الأعراس المشهور يجلجل وكأننا في ملهى ليلي وليس في فطور صباحي بفندق كنت أتصوّره محترمًا. فإذا به لا يحترم حتى الشروط الاحترازية الخاصّة بكورونا، باستثناء شرط الكمامات التي يضعها العاملون على وجوههم. ومن فرط تجهُّمهم يعطونك الإحساس بأنك تخاطب روبوهات.
طردتني موسيقى الأعراس من المطعم. قلت: هي فرصتي لكي أغادر إلى البحر. سألت موظفة الاستقبال عن موقع شاطئهم الخاص. خصوصا وأن هذا الفندق ليس على البحر مباشرة. فأجابتني:
– لست متأكدة من أنّ شاطئنا مفتوح أصلا.
– غير ممكن، أنا هنا أساسًا من أجل الشاطئ. ولم أحجز عبر “بوكينغ” إلا بعدما تأكّدتُ من هذا التفصيل. وإلا، فأخشى أننا إزاء إعلان إشهاري كاذب.
ردّت منزعجة:
– عموما ارتح في ردهة الاستقبال. بعد قليل، سيأتي المسؤول وأسأله.
استغرقتُ في القراءة حتى العاشرة.
– هل جاء المسؤول؟
– ليس بعد.
وقفت مبهوتًا لا أعرف كيف أواصل الحوار مع السيدة. أوّلًا، ما معنى ألّا تعرف موظفة الاستقبال ما إذا كان لديهم شاطئ جاهز لاستقبال الزّبناء أم لا؟ وإذا لم أسألها هي عن مثل هذه التفاصيل، فمن أسأل: طائر العقعق؟ ثم ما معنى أن تجعلك تنتظر أكثر من نصف ساعة لأنها لا تستطيع التواصل المباشر عبر الهاتف أو الواتساب مع المسؤول الغائب الذي لن يشرِّف على ما يبدو قبل منتصف النهار؟ وكلّ هذا من أجل الإجابة على سؤال بسيط يكاد يكون بديهيًا.
فلأغيِّر الفندق إذن.
الحالة ميؤوس منها على ما يبدو.
غادرت الفندق لا لشيء إلا لأعود إلى أكادير. لأستعيدها. أكادير التي أعرف. والتي أحب. تذكَّرت
كنزة بوعافية الإعلامية والناشطة الجمعوية. سفيرة مراكش في أكادير. تشتغل كنزة في مؤسسة إعلامية شهيرة في أكادير وترأس أهم نادٍ للقراءة بعاصمة سوس. سبق أن دعتني مرّةً إلى نشاط منذور لتشجيع مرتادي الشاطئ على القراءة ومصاحبة الكتاب. مع كنزة، وبعد استشارة صديقنا رشيد دهماز الفاعل السياحي بأكادير، تمَّ توجيهي إلى فندق أطلس أماديل
بيتش. كانت استشارةً من ذهب.
“مرحبًا بك في أكادير”، هكذا خاطَبْتُ نفسي منذ موقف
السيارات الفسيح أمام الفندق. “الآن أنت في أكادير. كأنّك للتّو وصلت”.
الفندق فخم وبسيط في الآن ذاته. بالغ النظافة. والأهم أنه يوفّر وصولًا مباشرًا إلى رمل الشاطئ.
الشاطئ مبذول أمامي من شرفتي بالطابق الرابع. والشاطئ الخاصُّ بالفندق محروسٌ مُرتّبٌ حسنُ التجهيز.
ولجتُ الغرفة، ففاجأني أنّ الفندق يخصِّص لضيوفه كمامتين وعلبة تعقيم. مع أن أجهزة التعقيم مُثبتةٌ بأهم مواقع الفندق: عند المدخل، أمام المطعم، ثم في كل طابق أمام الردهات المقابلة لأبواب المصاعد. حالة الاحتراز قائمة، بقدر ما تذكّرك بأن الوباء ما زال يتربَّص بنا بقدر ما تزرع في نفسك الطمأنينة. كلّ الموظفين هنا بالكمامات تماما كما في الفندق السابق. فقط هنا يسمحون لأعينهم بأن تشرق في وجهك بالابتسام. وهكذا يمكنك أن ترتدي الكمامة دون أن تتحوّل إلى روبوت.

Related posts

Top