نفحات رمضانية في رحاب الشعر الملحون -الحلقة 20-

فن الملحون من أنواع الطرب التي ابتكرها المغاربة بعد أن تأثروا بالموسيقى الأندلسية خلال القرن السابع الهجري في العهد الموحدي للمغرب، فوظفوا النغمات والإيقاعات للتغني بقصائد الشعر والنثر سواء باللغة العربية الفصحى أو باللهجة الدارجة.
وبدأ الملحون بالمدح النبوي ومناجاة الله ثم الرثاء، وكان له دور كبير في المقاومة ضد الاحتلال الإسباني والفرنسي والبرتغالي، وانتشر الملحون بين الناس كفن شعري وإنشادي وغنائي، موطنه الأول كان مدينتي سجلماسة وتافيلالت الأمازيغية– جنوب المغرب- ثم انتشر ليصبح فنا شعبيا تتغنى به الفرق في مختلف مدن المغرب. وتشتمل قصيدة الملحون على كلام ينتظم، لكن في غير ضبط محكم لوحدة الوزن فيه والقافية، وتنقسم قصيدة الملحون إلى خمسة أركان، هي المقدمة، أو السرابة وهي قطعة قصيرة تؤدى على غير ما تؤدى به القصيدة، ثم الدخول، وهو شطر في استهلال القسم بدون عجز، والقسم الثالث هو الحربة، وهي اللازمة، ويؤديها الشداشة وهم جماعة المغنين والعازفين، والقسم الرابع هو الأقسام، وهي الأبيات المغناة، أما القسم الخامس فهو الدريدكة، وتختم القصيدة وتنشد على إيقاع سريع.
وارتبط الملحون كفن مغربي أصيل بشهر رمضان، وذلك منذ ثمانية قرون تقريبا، حيث تتاح خلال الشهر فرص زمنية للاستماع والاستمتاع بهذا الفن الذي يتميز بالتزامه بقواعد اللغة العربية الصحيحة في الغناء، واختيار القصائد العظيمة لعمالقة الشعر الصوفي لغنائها، وحتى اللهجة المغربية لا يتم غناء أي كلمات لا تلتزم بآداب وضوابط هذا الفن الأصيل. ولا غرابة في ذلك، فالملحون رسالة فنية وليس مجرد غناء للتسلية، ونجد فيه تمسكا بالآلات الوترية والايقاعية الأصيلة والتي تضيف للكلمات العربية الفصحى نوعا من السحر الذي يصيب قلوب المستمعين قبل آذانهم.
معلوم أن للنفس شهواتها ، وهي كثيرة ومتعددة. لذلك، وجدنا شاعر الملحون، ينبه على الابتعاد عنها ومقاومتها عن طريق تطهير النفس وتزكيتها .. ومن ثمة، كان هم شعراء الملحون، ابتعاد النفس عن الهوى والشيطان، تجلى ذلك في قصائدهم، علما منهم بأن أمراض النفوس لا حصر لها، مثل الرياء وحب الدنيا والجاه والنفاق والعصيان والحسد والعجب والكبر والغرور وما إلى ذلك. ومن هنا، نزع شعراء الملحون إلى التبرء من هذه الأمراض النفسية الخطيرة، والتي لا تترك للمرء فرصة الرجوع إلى الله، والتعلق بكتابه الحكيم وما فيه من آيات تدعو إلى التحلي بالمبادئ السامية والأخلاق الفاضلة، فكان أن فطنوا لذلك، إذ غالبا ما يكون الإنسان حاسدا أو معجبا بنفسه أم متكبرا وهو لا يشعر، كما أنه كثيرا ما يقع في الغيبة والنميمة وهو غافل. يقول تعالى: ” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون “. كما يقول عز وجل في صفة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم: ” يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ” ومن ثمة روي عنه صلى الله عليه وسلــم أنه قال: ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. ” وقال عليه السلام في الحديث المتفق عليه، ” مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها، إلا موضع لبنة، فكان الناس يطيفون بها ويعجبون من حسنها ويقولون: لولا موضع اللبنة ؟..فأنا تلك اللبنة . ” فبه صلى الله عليه وسلم، كمل دين الله المتضمن للأمر بكل معروف وإحلال كل طيب وتحريم كل خبيث. وقد وصف الله تعالى الأمة بما وصف به نبيها حين قال: ” كنتم خير أمة أخرجت للناس، تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله ” وقال:” والمومنون

والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ” . فلقد بين الله تعالى أن هذه الأمة خير الأمم للناس ، فهم أنفعهم لهم وأعظمهم إحسانا إليهم ، حيث أمروا بكل معروف ، فكان ذلك كمال النفع للخلق .
   لهذا ، انبرى شعراء الملحون يكشفون عن العيوب التي سادت في المجتمع ، منبهين الناس إلى الطريق الصحيح ، يقول الشاعر ابن سليمان :
          ابن آدم اللي تجالسه كل نقصتتان        واللي تنويه حبيب تصيب عــــــدوك
          ايجيك في صفة النصيحة للختلان       حتى يروي حكاية تمامك وبــــــدوك
                                   لا هو هنا ولا هو من دوك
         إلـى ريتيه اتقول من الصدقـــــــان            والشر يقول فيك منين ما جبـــدوك
         منين مــا يتبسم كيبــان البيــــــاض            ايدرق كحال القلب ويغرق الخديعة
         والكلام اللي يدوي لا تكون قباض            واش من جا يحكم عواصف سريعا
         في حديث المجدوب سمعنا فالالفاظ           قم واحض راسك من خاين الطبيعة
         كن عايق فايق مهما يجيك نصـــاب           ولا تكون غاتب في من يكون غايب
        جيلنا قال المغراوي ذياب في ثيــاب           والعلايم ظـــهرت في وقتنا اغرايب ..

فالشاعر ابن سليمان ، يحاول من خلال هذه الأبيات لفت النظر إلى بعض السلوكات التي ينبغي على المرء اجتنابها ما أمكنه ذلك ، بعد أن تفشت في المجتمع وانتشرت بشكل قد لا يطاق . ومن هذا المنطلق ، يرغب الشاعر في السير إلى الله من خلال قوله :
        العشق اهله مضى وغاب مع ناسه              عــزني ياللي بحــــالي ونعزيـــــك
       لا اتبع جيلنا المغرور براســـــــــه                ونا بعد اعييت نصحك ونوصيــك
       ما لك مشطون بالمخلول لسلســـــه               والله لو طال الزمان ابليس يزلغ بك
                              الخمس الواجبة اطلب ربي يهديك
      يا الغارق في بحر الذنب مركبك غاب           بالكفوف اطلب توبة ألا تروح خايب
      القديـم الباقـي العظيـم الحـي تــــــواب           بـاسـط الرزق حليم مكمـل الرغـايب
ومثل هذا التوجه ، نجده أيضا عند الشاعر البري في قصيدة ” القلب ” وهو الآخر ينبه إلى ما أصبح يعرفه المجتمع من سلوكات فاسدة ، ويكشف عما يملأه من تناقضات غريبة .. يقول :
          ما ابقى في الزمان صاحب               حضران وغيبة
          غير الضحكات بالشوارب                لقلوب صعيبـــة
          بلغـــاوي دارت اللــــوالب                وقوات الهيبـــة
  جات النار في الحجر السابقا لي وعدي نضرة * دون اغراضي نكمده ويجي هذا قليل في غراض الزايد للمواعظة * نتقدم ما صبت لاين نتوخر حملي رافده * وبعيني كانشهده *
سارت ليام بين وهدوا قالوا من العدا ضحكت قومان عن خلاها وملاها * ما تعاهده ولا نحكي تفردو* والولف مقطع السناسل والموجودة مفردة * الدين مع الصحيح والي راشي خليه حيده * والباب علاش شاده * والغوث على الحوض ناشف والحوض مخصوص من الندى * ..

يكتبها ل” بيان اليوم” ـالدكتور منير البصكري الفيلالي

نائب عميد الكلية متعددة التخصصات بأسفي سابقا

Related posts

Top