نقاد وشعراء يؤكدون أن القيم الروحية عماد علاقة الشعر بالتصوف والمعرفة الإشراقية غايتها

أجمع نقاد وشعراء، في ندوة، نظمت أول أمس بالدار البيضاء، أن القيم الروحية هي عماد علاقة الشعر بالتصوف وأن المعرفة الإشراقية هي غاية هذه العلاقة.

وأوضح النقاد والشعراء الذين نشطوا هذه الندوة التي نظمها المركز الثقافي كمال الزبدي “بنمسيك” حول موضوع “الشعر والتصوف”، بشراكة مع جمعية شتلة للثقافة والفنون، أن المعرفة الإشراقية تعني في جانب منها، الكشف أو انبعاث نور من العالم غير المحسوس إلى الذهن من أجل تحقيق غايات تكرس المعاني الإنسانية النبيلة التي تنتصر للحياة والإنسان، مشيرين إلى أن الشعر وجد في الصوفية مرتعا خصبا لا أول له ولا آخر: المجازات بكثرة وذات البعد البعيد، ثم القدرة على تصوير ما هو حاضر بما يمكن أن يحضر فيما بعد.

وكشف المتدخلون في هذه الندوة أن علاقة المتصوفة بالشعر لم تقتصر على السماع والقراءة، بل تخطتها إلى الإبداع “حيث يضم تاريخ التصوف متصوفة شعراء أبدعوا في الشعر بالقدر الذي أبدعوا في تصوفهم”، وخاض المشاركون في علاقة الشعر بالتصوف، من عدة زوايا، إذ وصفها بعض المتدخلين بأنها تاريخية ومتجددة ومركبة، لكن قاسمها المشترك هو اللغة والإشارة، خاصة في شقها المعرفي.

في هذا السياق اعتبر الناقد الأدبي محمد علوط، في مداخلة ركزت على التجربة الشعرية لصلاح بوسريف، أن القول الشعري في هذه الحالة وغيرها يتحول إلى أثر عابر لخرائطية الدائرة الشعرية، وذلك ضمن إعادة بناء المعنى الشعري في تأسيساته الكونية.

وبعد أن لفت إلى أن نرجس الأنا الشعري ينغمس في المجال الصوفي، قال إن تجربة صلاح بوسريف تنبني في جانب منها على استعارات بليغة ورمزية روحية تنتقل من مقام السمعي إلى مقام الرؤية.

تجليات العلاقة بين الشعر والتصوف تعمق فيها أكثر الشاعر صلاح بوسريف، حيث تساءل، في تدخله، عن سبب اختيار الكثير من المتصوفة للشعر من أجل التعبير عن رؤاهم؟ ليؤكد في جوابه أن المتصوفة أدركوا أن اللغة الوحيدة التي تفضي إلى المراد هي لغة الشعر من خلال المجاز والتخييل.

وتابع الشاعر بوسريف أن المتصوفة، الذين اختاروا الشعر للتعبير عن رؤاهم، تهمهم الإشارة وليس الوزن ومكونات أخرى، مضيفا أن مرحلة التأمل عند الشاعر، تتشابه مع حالة الفناء عند الصوفي، حيث يغيب الشاعر عن محيطه ليبدع القصيدة، كذلك يفنى الصوفي عن الوجود وعن نفسه بمشاهدة الحقائق..

من جانبه، وسع الناقد الفني والباحث الجمالي الدكتور عبد الله الشيخ من دائرة هذه العلاقة ليضيف إليها الفن التشكيلي عبر التركيز على تجربة الفنانة لبابة لعلج التي تؤكد في أعمالها على مركزية الحب والعودة إلى الذات الصغرى التي تحتضن الذات الكبرى.

واستحضر هذا الناقد أيضا تجارب شعراء مغاربة منهم عبد الكريم الطبال وأحمد بلحاج أيت وارهام وغيرهما، وذلك من أجل التأكيد بشكل خاص على أن المعرفة الشعرية والصوفية تنتصر، في كلا الحالتين، للباطن مع التمسك بالقيم الروحية.

من جانبها، شددت كريمة دلياس رئيسة جمعية شتلة للثقافة والفنون، على التشابك الوثيق بين الشعر والتصوف، حيث يستخدم الشاعر والصوفي رموزا ومجازات لاستكشاف عمق الذات والعالم الروحي، مشيرة إلى أن العديد من النقاد ينسجون علاقة وطيدة بين التجارب الشعرية عبر القرون والتجارب الصوفية، “لأن الشاعر مثل الصوفي يهيم في إيقاع الكون ويتناغم مع الكائنات، فتنهل قصائده من تلك المسيرة الروحية”.

خلال هذه التجربة الروحية، تقول كريمة دلياس، يتجاوز الشاعر والصوفي الرؤية الضيقة للأشياء، كما أن كلا منهما يؤسس عالمه انطلاقا من طاقة كامنة لدى الإنسان، فالشاعر والصوفي يهتمان بالجمال، ويبحثان عن إعادة صياغة الإنسان والوجود، وعن سر المطلق؛ فالصوفي يتفانى في حب الله، بينما يتطلع الشاعر إلى الكمال، في تجربة روحية ينعم خلالها بلطائف الكون. كما يبحث كلاهما عن المثل العليا، وتبدو الصلة الوثيقة بينهما في إحساس كل منهما بالقلق والاغتراب، فكلاهما يعيش غربة عن الواقع والمجتمع، والنفس أيضا.

* مصطفى السالكي

Top