أعلن مسؤولو المجلة الأسبوعية «نيشان» عن توقفها النهائي عن الصدور، وذلك بسبب ما أسموه «مقاطعة اقتصادية»، من لدن شركات كبرى توقفت عن وضع إعلاناتها بالمجلة، وألمحوا إلى أن تلك المقاطعة ترتبت عنها خسائر مادية بلغت عشرة ملايين درهم، ما جعل المجموعة الناشرة توقف المجلة تفاديا لمزيد من النزيف المالي. وبالرغم مما قد يكون لنا أو لغيرنا من انتقادات لـ»نيشان»، فإن توقفها يصيبنا كمهنيين وكديمقراطيين بالحزن، لكن مع ذلك فإن هذا التوقف، يحيلنا على تحدي مركزي تواجهه مؤسساتنا الصحفية بصفة عامة، ويتعلق بمنظومتها المقاولاتية وبمتانتها التمويلية والاقتصادية.
ما جرى مع «نيشان»، بغض النظر عن تفاصيله، الواضح منها والمستتر، يجب أن يدفع مختلف الفاعلين في البلاد إلى التركيز على إشكاليات المقاولة الصحفية وسبل تأهيلها وتحديثها.
عندما نفحص واقع المؤسسات الصحفية في بلادنا اليوم، نقف على إكراهات متراكمة منذ سنوات على صعيد التنظيم المقاولاتي، وفي محدودية الوسائل وضعف التمويل، بالإضافة إلى ضعف المنظومات البنكية والضريبية ذات الصلة، ثم التأثر المباشر بضعف المقروئية، وبمشاكل التوزيع، علاوة بالطبع على المشاكل الأخرى المتصلة بالقوانين وبالعلاقة مع السلطات ومع القضاء، وبأخلاقيات المهنة وبالتنظيم…
وفي غياب أي انكباب جذري على هذه القضايا المفصلية، فإن بلادنا ستستمر في التعايش مع التردي المهني في المنتوج الصحفي، ومع التسطيح والتفاهة التي تتحول إلى نسق تحريري، يجعل الصحافة في نهاية المطاف في واد والأسئلة الحقيقية لمغرب اليوم وتطلعاته الديمقراطية والتنموية في واد آخر.
إن من إيجابيات الحوار الوطني حول الإعلام أن مؤطريه انتبهوا فعلا إلى ما ذكر أعلاه، وجعلوا المناقشات المرتبطة بالصحافة المكتوبة تركز في شق كبير على المقاولة الصحفية وعلى سبل تحسين كل مقومات الجودة المهنية، وذلك عبر فحص اختلالات البيئة التجارية والتمويلية والقانونية لهذه المقاولة.
وفي السياق ذاته، فإن الدراسة التي ترعاها وزارة الاتصال، بغاية توفير تشخيص موضوعي لواقع الصحافة المكتوبة في المغرب، وبلورة مداخل حقيقية للإصلاح الشامل، هي الأخرى تسير في الاتجاه نفسه، وتنطلق من إدراك المشكل الجوهري للمهنة.
واليوم، فإن المقاولة الصحفية تحتاج إلى تحديث شامل يمس مختلف الأصعدة، خصوصا ما يتعلق بالمحيط الاقتصادي والمالي والقانوني، بالإضافة إلى جعل قطاع الإشهار منظما وشفافا، وتنظيم الحق في الوصول إلى المعلومة، ومعالجة كل إكراهات مجال التوزيع.
هذه التحديات الجوهرية هي التي لا بد من الانكباب عليها اليوم «نيشان»…