هل يطرح أبومازن مبادرة سلام فلسطينية؟

لا شك في أن الموقف الصارم الذي أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) تجاه المحاولات الدائرة لإعادة العلاقات التفاوضية الفلسطينية الإسرائيلية قد نجح في لفت انتباه دول العالم لخطورة الترتيبات الجديدة المعتمدة على مفهوم جديد ومختلف عن الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، بالرغم من أنه لا يمكن التأكد حتى الآن ممّا إذا كان إسقاط تلك الترتيبات قد ينجح أو لا.
من ناحية أخرى فإن الإستراتيجية الفلسطينية القائمة على المقاطعة والرفض والانزواء قد تقود إلى الخيار الأسوأ، الذي هو العودة لـ”الوضع الراهن” الحالي، والذي ساد منذ أكثر من عقد من الزمن، واستفادت منه إسرائيل بفرض سياسات التهجير والاستيطان والاعتقال وإنشاء المزيد من المستوطنات، وتوسيع المستوطنات القائمة وتهويد القدس دون موقف دولي فاعل لوقف ذلك.
يتباين الموقف العربي والدولي اليوم بوضوح بين تأييد خجول للدعوة الأميركية إلى عودة التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي، وبين تشكيك يصل إلى درجةِ رفضِ الترتيبات المقترحة لتحقيق ذلك. ويتحتم على الفلسطينيين اليوم التفكير في كيفية دعم هذا الموقف الهادف إلى إسقاط المبادرة الأميركية دون أن تقودنا النتائج إلى المساهمة في العودة للوضع الراهن الذي نكتوي منه اليوم.
العودة للوضع الراهن قد تمكّن إسرائيل من الحصول على كل الميزات التي تناثرت عن الترتيبات الجديدة دون أن تكون هناك موافقة فلسطينية على الترتيبات المفترضة، ودون الالتزام من قبل إسرائيل بأية شروط قد تفرضها عليها تلك الترتيبات.
نجح الجانب الفلسطيني في إعلان موقفه الرافض للترتيبات التي لا تلبي مطالب الشعب وأهدافه الشرعية. لكن هذا النجاح هو جزء من المهمة، لأن الأهم هو استكمال الموقف لإبقاء القضية الفلسطينية حيّة في الأوساط العربية والإقليمية والدولية، ليس بالزيارات والعلاقات فقط، بل بالاقتراحات والمبادرات والاشتباك الإيجابي.
لا يمضي يوم في خضم الصدام القائم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا دون أن يتقدم أحد الأطراف المتنازعة، بما فيها الولايات المتحدة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالدعوة إلى مفاوضات أو لقاءات أو نقاشات.
نشهد اليوم بوادر تهاوي أواصر الدعم العربي للرؤية الفلسطينية في الدفاع عن القضية والشعب الفلسطيني، فلقد تغيّرت الأولويات بتغيّر الزمان، وكما نأمل أن يتفهم العرب أهدافنا واهتماماتنا علينا أن نتفهم ظروفهم وارتباطاتهم وتحالفاتهم.
هل ما يجري اليوم فيما يتعلق بالنازحين الفلسطينيين في لبنان والأردن، وربما دول عربية أخرى قريبا، مرتبط بالتطورات والمبادرات الجديدة التي تريد إنهاء الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي استعدادا لأوضاع سياسية جغرافية وسياسية جديدة؟ هل سنكون طرفا في الدفاع عن مصالح شعبنا أو متفرجًا على نكبته الجديدة؟
إن الأغلبية الساحقة لدول العالم تؤيد شعبنا وتساندنا وتنتظر رؤانا واقتراحاتنا ومبادراتنا البديلة. لقد آن الأوان لمبادرة سلام فلسطينية. وتهدف هذه المبادرة الفلسطينية إلى تحقيق التالي:
1 – تأكيد رغبة الجانب الفلسطيني في التوصل إلى العودة للمفاوضات لإيجاد حل للتعايش السلمي في فلسطين. ولقد أمكن التوصل إلى الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي في عام 1993 ليس لعدالته، لكن لأن الطرفين المتعاقدين قد وافقا على قبوله. لكن الترتيبات التي يدور حولها الحديث اليوم لن يكتب لها النجاح لسبب بسيط، هو أن الطرف الفلسطيني لن يوافق عليها كما هي مهما عظمت الضغوط والعقوبات.
2 – الرفض الفلسطيني للترتيبات التي يدور الحديث عنها ليس بسبب رفض الفلسطينيين للتوصل إلى حل سلمي لقضية الشعب الفلسطيني، أو المشاركة في تحقيق ذلك، بل لأن المتناثر من فحوى تلك الترتيبات الجديدة يشكل جريمة بحق الشعب الفلسطيني وأهدافه الشرعية.
3 – لذلك يرى الجانب الفلسطيني أنه لا ضرورة لترتيبات جديدة للتوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأن هناك اتفاقا بين الطرفين في هذا الصدد قد تم التوافق عليه ويجب العودة للتفاوض حول استكمال تطبيقه، اتفاقا وافق عليه ووقعه الطرفان وأيدته الأمم المتحدة، والدولتان العظميان، وكافة دول العالم، وتم تنفيذ جزء منه، ولم يتسنَّ استكمال تطبيقه بسبب رفض وتعنت أحد الطرفين المتعاقدين.
وفحوى المبادرة الفلسطينية للسلام، أن “تعيد السلطة الوطنية الفلسطينية تأكيد موقفها الثابت بأهمية التفاوض الفلسطيني/ الإسرائيلي برعاية دولية، وتبدي السلطة الوطنية الفلسطينية استعدادها للمشاركة في جهد يهدف إلى تحقيق هذا الهدف.
كما ترى السلطة الوطنية أن ما قد يسهّل التوصل إلى العودة لتلك المفاوضات هو تهدئة الإجراءات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية والتي تمسّ الحياة والأمن للشعب الفلسطيني وتطلعاته الوطنية”.
إن عودة الجانب الفلسطيني للمشاركة في مفاوضات مكثفة وجدية ترتبط بالتزام الجانب الإسرائيلي باتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق وقف الاعتداءات والاجتياحات المتكررة للمسجد الأقصى في مدينة القدس، والتوقف النهائي عن هدم منازل الفلسطينيين وخاصة ذلك الذي يجري حاليا في القدس الشرقية، والتوقف عن مصادرة أراضي الفلسطينيين وبناء المستوطنات أو توسيعها. وإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. والتوقف عن مصادرة الأموال التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية وإعادة ما تمت مصادرته منها. يمهد تصحيح تلك الإجراءات الجائرة الطريق للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للعودة للمفاوضات بهدف التوصل إلى تنفيذ كافة بنود معاهدة السلام الفلسطينية الإسرائيلية الموقعة من قبل الطرفين في عام 1993 في واشنطن، وكذلك المبادرة العربية لعام 2002 في بيروت.

< مروان-كنفاني

مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات

Related posts

Top