هناك أحزاب وأحزاب…ومستقبل البلاد تصنعه السياسة والديمقراطية

هل يمكن أن نتوقع أن يفضي “زمن كورونا” إلى مشهد حزبي جديد في بلادنا؟ وهل يمكن أن تكتسب ممارستنا السياسية وحقلنا الحزبي واقعا مختلفا؟
لا شك أن الأمر ليس يسيرًا أو ذا منحى خطي، ولكن طبيعة هذه المنظومة وتاريخها التراكمي ومختلف تعقيداتها تجعل الأمر مركبًا ويندرج ضمن سيرورة.
لكن، وحيث إن العالم كله لن يكون بعد كورونا ما كان عليه قبلها، كما ستتغير مواقف الدول وأنماط العيش والحياة والعلاقات وسلوكات الأفراد والجماعات، فإن السياسة نفسها ستشهد التبدلات، وسيكون بالفعل مطلوبا ممارستها بشكل آخر.
أما الآن، ونحن في خضم “كورونا” وزمنها، والبلد بكامله يخوض المعركة من أجل الانتصار على الفيروس، فإن الوعي بالسياسة يبقى ضروريا للآن وللمستقبل.
إن مختلف الهزات التي أحدثها “كوفيد – 19” عبر العالم، وفِي الاقتصاد والأفكار والنفوس والسلوك، يقود، عقلًا ومنطقًا، إلى التوجه بالذات نحو السياسة، ونحو إعمال التفكير والتحليل وبعد النظر لصياغة البدائل والمخارج لصالح بلادنا وشعبنا.
ومن يعتقد أن هذه مهمة الخبراء والتيقنوقراطيين وحدهم، هو أعمى ولا يذكر دروس التاريخ، ولا يحسن قراءة ما يجري أمام أعيننا وحوالينا على طول وعرض الكرة الأرضية.
ندرك أن هناك جهدًا كبيرًا يجري بذله من لدن قطاعات حكومية مختلفة ومؤسسات عديدة، وأيضا من طرف لجنة اليقظة، وهناك فعلا منجزات وأفعال ملموسة تستحق التنويه والعرفان، ولكن التخطيط للمستقبل وبناء المخططات والبرامج لابد أن يحضر، في منظومة إعدادها والتفكير فيها، العقل السياسي الرصين والمالك لبعد النظر، والمتفاعل مع الشعب…
الخشية أن يكون هناك من يرى اليوم في زمن الوباء مناسبة للتخلص من الالتزامات الديمقراطية، أو إعادة رسم مشاهد حزبية وسياسية، وسيناريوهات لم يتحقق لها النجاح قبل سنوات قليلة، وقد تسعفها هذه الأيام كورونا وتداعياتها.
كما فشلت السيناريوهات السابقة وضربت في الحائط، فإن هكذا تفكير اليوم لن يكون بدوره سوى مجرد رسم فوق الماء أو على رمل متحرك لن يخلف سوى غبارا وخواء.
من المصلحة إذن بلورة آلية إشراك القوى السياسية في صنع القرار المتصل بمستقبل بلادنا وشعبنا، وإعادة الاعتبار للسياسة وللعمل السياسي.
من جهة أخرى، لا بد أن نسجل كذلك أن أيام هذه المحنة الصحية والمجتمعية، فضحت طبيعة وواقع عدد من الكائنات الحزبية، التي لا صلة لها حقيقة لا بالسياسة ولا هم يحزنون، وقد تأكد أن البلاد ليست في حاجة إليها إطلاقًا.
ولكن في المقابل، لقد برزت أحزاب استمرت في التواصل مع الناس، وواصلت إنتاج الاقتراحات والمواقف والأفكار، كما حضر مناضلوها في الميدان، كهياكل حزبية أو منتخبين محليين أو نشطاء في هيئات جمعوية، وعدد منهم لم يقرنوا فعلهم ومبادراتهم بأي ترويج إعلامي أو بأي شكل من أشكال المن، وإنما مارسوا دورهم النضالي التطوعي كما يقومون بذلك طيلة سنوات وكل يوم وعلى مدار الساعة.
هذه الأحزاب الجادة والممتلكة للنضالية والمنتجة للأفكار والمواقف، شاهدها الجميع وتابع فعلها وحضورها وما يصدر عنها، ولا علاقة لهذا بالموارد المالية أو الإمكانيات المتوفرة، ذلك أن الهيئات السياسية التي وقعت على حضور تواصلي وسياسي ومعرفي لافت في زمن الأزمة، كانت بالضبط هي القوى المعروف عنها فقرها المالي، ولكن لديها ثراء التاريخ وقوة المصداقية ونضالية أعضائها.
الدرس هنا، أن المخلوقات الحزبية التي جرى، في مراحل مختلفة، صنعها  وإحاطتها بالأموال الطائلة وأدوات النفوذ، لم تقدر اليوم على إنتاج ولو فكرة واحدة، ولم تبدع موقفا، بل بعضها استغل معاناة الشعب ليوجه صفعة للبلاد ولكل مكتسباتها الديمقراطية، وذلك فقط ليحمي هو مصالحه الريعية، دون أن يكترث في ذلك، أنه يدوس على حريات شعب وحقوقه.
على هذا المستوى، يجب بالفعل أن يحدث التغيير، وبلادنا لن يكون أمامها غدا سوى التمسك بتعدديتها وانفتاحها، وحماية ديناميتها المؤسساتية والسياسية، وهي في ذلك في حاجة إلى القوى السياسية الجادة والحقيقية، وليس إلى “شلاهبية” ولا إلى خياطين يجيدون “لفصالة والطرز والخياطة” في خرائط انتخابية، ولكنهم قطعًا لا يمتلكون حبة مصداقية أو نزاهة ولا يقدرون على إنتاج فكرة واحدة تخدم هذا الوطن ومستقبله.
إن مرحلة ما بعد كورونا يجب أن تغير دار لقمان ولا تتركها على حالها، ويجب ألا تترك حليمة تعود لكل عاداتها القديمة، ذلك أنه لن يكون من المعقول الاستمرار في ممارسة السياسة بذات الأدوات القديمة، وتترك كما لو أنها لعبة رهينة بين أيدي “شناقة”، ولكن يجب إحداث التغيير، وأن تستعيد السياسة جديتها ونبلها.

 محتات‭ ‬الرقاص

Related posts

Top