يخلد نساء ورجال التعليم اليوم عيدهم العالمي الذي يصادف الخامس من أكتوبر، وهي مناسبة تعيد إلى الواجهة الحديث عن أوضاع هذه الفئة، وأيضا عن مختلف إشكالات التعليم، علاوة على أن الاحتفال بـ«يوم المدرس» هو فرصة للاعتراف بالدور المفصلي والأساسي للمعلمات والمعلمين في تنمية المجتمع وإشعاع القيم والمعارف. في بلادنا، تحل هذه المناسبة في ظل تواصل تنفيذ المخطط الاستعجالي، ووسط نقاشات متعددة بشأن واقع منظومتنا التربوية، ومستقبل المدرسة المغربية، وعلاقة التعليم بسوق الشغل وبالمحيط الاقتصادي للبلاد، بالإضافة إلى أسئلة أخرى ذات صلة بالأوضاع المادية والاجتماعية والمهنية للعاملين في القطاع.
لا أحد ينكر تحسن العديد من مؤشرات واقعنا التعليمي، خصوصا ما يتعلق بالجوانب الكمية، ولا أحد أيضا ينكر حجم المجهود الذي بذلته الحكومة في العقد الأخير على صعيد المطالب الاجتماعية والمادية لرجال ونساء التعليم، لكن في نفس الوقت لا يمكن لأحد أن ينكر وجود اختلالات أساسية لا زالت تطبع نظامنا التربوي، ولا يمكن أيضا أن نغفل قضايا إستراتيجية تسائلنا اليوم بإلحاح.
لازالت أعداد كبيرة من أطفال المغرب، خصوصا في الأرياف والمناطق النائية والأحياء المهمشة لم تأخذ طريقها نحو المدرسة، ولازلنا نعاني من ظاهرة الهدر المدرسي، ولا زالت العديد من المدارس تفتقر إلى التأهيل، وأيضا إلى القدرة على التفاعل مع محيطها الاقتصادي والثقافي والمجتمعي، ناهيك على أن مناطق عديدة تعاني من التأخر أصلا في إنشاء مؤسسات تعليمية مبرمجة…
وإلى جانب ما سلف، يعاني المدرسون وأيضا التلاميذ من الاكتظاظ داخل الأقسام، وكذا من الخصاص في الموارد البشرية التربوية والإدارية…
وعندما نضيف كل هذه الاختلالات إلى انتشار الأمية والفقر، وإلى غلاء اللوازم المدرسية وباقي حاجيات الأطفال، وتفشي البطالة وسط الخريجين، نجد أنفسنا جميعا أمام حجم الخطورة التي يمثلها أي تأخر أو تردد في إعمال إصلاح جذري وحقيقي لقطاع التعليم في المغرب اليوم.
إن تخليد اليوم العالمي للمدرس، يطرح أمامنا موضوع المدرسة العمومية، حيث الكل يعترف اليوم بأنها، ومنذ سنوات لم تعد تقدم أي إغراء للأسر، والخطورة أن نواصل ترك هذا الشعور يتكرس وسط شعبنا كقناعة مسلم بها.
إن المدرسة العمومية هي المكان الطبيعي والوحيد القادر على تجسيد تكافؤ الفرص والمساواة بين كافة المغاربة، من خلال تمكينهم من الحق في التعليم ، كما أنه لا يمكن التعويل سوى على تعليم عمومي جيد وتنافسي من أجل تقوية الطبقة الوسطى وجعلها تقود مسلسلات التنمية والتحديث في البلاد.
ولهذا، فإن المستعجل اليوم هو محاربة التفكير الذي يروج لكون النتائج المتردية التي تفرزها المدرسة العمومية هي عادية ما دام أنها مجانية، وأن من يريد لأبنائه الجودة وتأمين المستقبل المهني والاجتماعي عليه اللجوء إلى التعليم الخصوصي أو إلى مدارس البعثات.
إن الدفاع عن المدرسة العمومية الجيدة يمثل اليوم أولوية، والإصلاح العميق للمنظومة التعليمية يعتبر كذلك أولوية، ثم إن الاهتمام بالأوضاع المادية والاجتماعية للمدرسين، وتعبئتهم وإشراكهم، يبقى شرطا أساسيا لإنجاح الإصلاح، بالإضافة إلى ضرورة جعلهم يتتبعون، باستمرار، كل ما يستجد في مختلف المجالات المعرفية وفي علوم التربية الحديثة، وينخرطون في ورش تحديث المجتمع وتعزيز قيم المواطنة والديمقراطية.