يونس بنان: على المشرع إعادة النظر في صلاحيات انفراد الحكومة بتشريع القوانين داخل البرلمان

قال يونس بنان رئيس معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية بالمغرب، إن الحكومة لا تتحمل مشكل الهيمنة على التشريع داخل البرلمان، نظرا للفراغ القانوني الحاصل بهذا الشأن، والذي يمنحها كامل الصلاحية في التقرير في مسار المقترحات التي يقدمها نواب الأمة. ويرى يونس بنان في حوار مع جريدة بيان اليوم، أن المشرع مطالب بإعادة النظر في مسطرة تشريع القوانين لتلائم تطور النظام البرلماني المغربي الذي يجب أن يطلع بأدوار متطورة على مستوى التشريع والرقابة وكذا صلاحيات جديدة، علما أنه أسندت إليه مؤخرا في إطار دستور 2011، مهمة تقييم السياسات العمومية.
> تشير إحصائيات مجلس النواب، في إطار حصيلة النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة 2021-2026، إلى أن ممثلي الأمة طرحوا ما يفوق 20 ألف سؤال كتابي وشفوي على الحكومة، أجابت هذه الأخيرة عن 70 في المائة منها. إلى أي حد يعكس هذا الكم من الأسئلة جودة مضمونها السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟
< أمام أي معطيات رقمية، يجب استقراء النتائج من منظورين، الأول كمي والثاني كيفي، والأرقام التي كشفها مكتب مجلس النواب لا تعكس حقيقة العمل بالمجلس، وبدورنا سنعطيكم الأرقام التي استمدها المعهد من تحليل بيانات مجلس النواب، وسنعتمد هنا فقط على الأسئلة الكتابية، فالبيانات الخاصة بالولاية التشريعية الحالية لمجلس النواب تشير إلى طرح 14 ألف و492 سؤالا كتابيا من قبل ما مجموعه 390 برلمانيا، أي بمعدل 37 سؤالا لكل برلماني إلى حدود الدورة التشريعية الخريفية الحالية، بما يشكل 7 أسئلة لكل برلماني في كل دورة تشريعية، لكن عند التحليل المعمق لهذه البيانات، نجد أن هناك العديد من المفارقات فـ 2,5% من أعضاء المجلس أي 10 نواب فقط طرحوا 20 بالمائة من الأسئلة الكتابية بالمجلس، بل إن أحد نواب الحزب الحاكم طرح 15 سؤالا في يوم واحد بصيغة النقل والنسخ، حيث وزعها على جل أعضاء الحكومة. نفس البيانات التي استقيناها بطريقة عشوائية خلصت إلى أن عدد الأسئلة التي وضعها أحد النواب المنتمين إلى المعارضة الاشتراكية خلال هذه الولاية بلغ 871 سؤالا، وطرح آخر منتمي للحركة الشعبية 524 سؤالا، وأيضا طرح نائب منتمي للتقدم والاشتراكية ما مجموعه 428 سؤالا خلال هذه الولاية، وهذا ما يدفعنا إلى إعادة النظر في معدل 37 سؤالا كتابيا لكل نائب برلماني، إذ خلصنا بعد التحليل إلى أن حصيلة العديد من البرلمانيين هي 0 سؤال منذ توليهم المهام النيابية، أي أن الأسئلة التي طرحها 10 نواب خلال هذه الولاية غطت على معدل 79 برلمانيا. هذا فيما يخص التحليل الكمي لحالة الأسئلة الكتابية بمجلس النواب، سننتقل أيضا لنوعية الأسئلة وجودتها، وهنا سنمدكم ببعض الملاحظات، حيث أن حصيلة بعض النواب كانت عبارة عن سؤال واحد طيلة مدة الولاية التشريعية وعند تحليل السؤال نجد أن الأمر لا يتعلق بسؤال يهم العموم وإنما هو عبارة عن سؤال يهم مواطنتين بعينهم مع ذكر أسمائهم الكاملة وطلب معرفة وضعيتهم في إطار إعادة إيواء سكن الصفيح بدوار السوق الجديد بتمارة، وهذا النوع من الأسئلة الخاصة ببعض الأشخاص بعينهم نجده يتكرر عند ممثلي مناطق متعدد بالمغرب، إلى جانب ذلك، هناك النوع الثاني من الأسئلة حيث يتم صياغة نفس السؤال وتوزيعه على أغلبية الوزارات، وقد نذكر لكم هذا السؤال الذي تم نسخه 15 مرة باسم وزارات متعددة: "تنفيذا للبرنامج الحكومي، والذي قامت الحكومة بتنزيل جزء مهم منه، بالرغم من الإكراهات التضخمية والمناخية، وبالرغم أيضا من انصرام أقل من نصف الولاية التشريعية على شروعكم في تدبير القطاع الذي تشرفون عليه. ونظرا، للرغبة الملحة في الاطلاع على التقدم الحاصل في تنزيل البرنامج الحكومي بمدينة فاس، وللحاجة الملحة لساكنته وتطلعها لمزيد من مشاريع القطاع الحيوي الذي تشرفون عليه. نسائلكن السيدة الوزيرة المحترمة عن: حصيلة وزاتكم بمدينة فاس؟ مشاريع وزارتكم المستقبلية بمدينة فاس؟". إن هذه الأمثلة التي ذكرنا تضع أكثر من سؤال حول جودة ومصداقية وموضوعية الأسئلة المطروحة من طرف النواب البرلمانيين، وبالتالي فالكم والحصيلة الرقمية لا تعكس جودة هذه الأسئلة ولا تعكس تفاعل النواب مع القضايا والإشكاليات المطروحة في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. > تشتكي المعارضة بمجلس النواب من هيمنة واحتكار الحكومة للحقل التشريعي، ألا يؤثر هذا على العمل التشريعي والفعل السياسي داخل البرلمان رغم أن الحكومة لديها أغلبيتها؟
< المشكل لا يكمن في هيمنة الحكومة، بقدر ما يتعلق بالفراغ الحاصل في النصوص التشريعية التي تمنح للحكومة الصلاحية لوحدها لاستصدار مشاريع القوانين، في حين أن مجلس النواب لديه صلاحية استصدار اقتراحات مشاريع القوانين التي تطلع عليها الحكومة لتقرر الموافقة من عدمه، ما يعني أن المشكل تنظيمي بالأساس، أي أن الحكومة غير مسؤولة عنه، والمشرع هو من لديه السلطة لإيجاد حل لهذا المشكل وإعادة النظر بشأن انفراد الحكومة بمشاريع القوانين دون غيرها، وأرى أن النظام البرلماني المغربي يجب أن يستوعب أدوارا جديدة ومتطورة على مستوى التشريع والمراقبة وكذا صلاحيات أخرى. > تنكب جميع مكونات البرلمان على مشروع مدونة السلوك والأخلاقيات الجديد، كيف سينعكس على مستوى بروفايلات البرلمانيين والمستشارين في غرفتي مجلس النواب والمستشارين؟
< من وجهة نظري ميثاق الأخلاقيات وحده لا يكفي، ولا أدل على ذلك، هو أن مجموعة من المجالات والمهن التي لديها نظام ميثاق الأخلاقيات الذي يحدد عمل المنتسب لها، نرى أنها لا تحترم، من قبيل ميثاق الأخلاقيات الخاص بالصحافة، الذي يوقع عليه الصحافي للولوج إلى المهنة والحصول على البطاقة، ما يعني أن ميثاق الأخلاقيات في جزء منه صالح، لكن يجب أن يكون مواكبا بمجموعة من الشروط للولوج إلى مجال التشريع. ومن ضمن هذه الشروط أن يكون هذا المترشح نظيف الذمة المالية، والأخلاقية مع المواطنين، وأن لا يكون مثار شبهات، فكيف يمكن لبعض الصفات والمهن أن تطلب من منتسبيها أن تكون لديهم حسن سيرة بدون سوابق، في حين أن في التسيير العمومي لا تطبق فيه هذه الشروط والقواعد. ومن هنا، لا يجب الاعتماد على التزكية في قبول المترشحين لعضوية مجلس النواب، ولكن يجب أيضا القيام بمجموعة من الإجراءات من ضمنها البحث الاجتماعي والاقتصادي، ومطالبة المترشحين بأن تكون سيرهم حسنة، إلى جانب التزامهم بمدونة الأخلاقيات، وأعتقد أن الأمور ستتجه إلى ما هو إيجابي بهذه الخطوات إن تم التشديد في إجراءاتها.

Top