شكلت جائحة فيروس كورونا المستجد أزمة صحية غير مسبوقة عبر العالم تسببت في مئات الآلاف من الوفيات، وأثرت سلبا على اقتصادات الدول، لكن كان لها أيضا وقع نفسي كبير على الناس باعتبار حالة القلق والذعر التي خلقتها في نفوسهم. في هذا الحوار، تجيب ماجدولين النهيبي، الأستاذة في كلية علوم التربية بجامعة محمد الخامس بالرباط، والمسؤولة بمركز (أرطالوجيا) للعلاج بالفن، عن أسئلة لمجلة
»باب» المجلة الشهرية لوكالة المغرب العربي للأنباء، حول ما يسمى ب»العلاج بالأدب» ودوره في التخفيف من الضغوطات النفسية التي فرضتها الجائحة.
> برزت إبان جائحة فيروس كورونا، والحجر الصحي الذي فرضته السلطات، عدة مبادرات تسوق للفن باعتباره وسيلة دعم نفسي لمواجهة الضغوط التي تسببت فيها. هل يمكن الحديث عما يسمى ب»العلاج بالأدب» باعتباره تقنية قائمة الذات للتخفيف من هذه الضغوط؟
< قبل الحديث عن العلاج بالأدب بشكل خاص، تجدر الإشارة إلى أن « العلاج بالفن» يشكل تقنية يلجأ لها الأخصائيون النفسيون حيث يوجهون مرضاهم إلى مراكز متخصصة في هذا النوع من العلاج توظف الموسيقى والفن التشكيلي بالأساس للتخفيف من حدة القلق الذي يعانون منه والضغوطات التي يواجهونها. واليوم، يتيح هذا النوع من المراكز ملاذا ليس فقط لمن يعانون من أمراض نفسية، وإنما لكل شخص لمواجهة ضغوطات الحياة المتسارعة.
وفي واقع الأمر، ف»العلاج بالأدب» يشكل جزءا من العلاج بالفن بصفة عامة، باعتبار الأدب نوعا من أنواع الفنون إن لم يكن أرقاها. ويمكن القول هنا إن الحديث عن هذا العلاج اليوم « مطلوب ومشروع» ، لاسيما في ظرفية جائحة كورونا وما خلفته من خوف وتوتر وقلق نفسي، من جهة، وما تسببت فيه من بعض المشاكل الاجتماعية والعائلية التي تنتج عنها اضطرابات نفسية، من جهة أخرى.
> كيف يمكن التسلي بقراءة الأدب بمختلف أجناسه في غمرة الجائحة بشكل يعزز التفاؤل ويوفر مساحة للراحة النفسية في مواجهة تداعياتها؟
< في واقع الأمر، توفر قراءة الأدب فرصة مثالية لتحقيق المتعة والتسلية. وقد لاحظنا خلال فترة الحجر الصحي بالمنازل بالخصوص نزوعا نحو القراءة، برزت تجلياته في وسائل التواصل الاجتماعي حيث تم تنظيم تحديات ومسابقات في مجال القراءة، كما تقاسم الكثيرون الكتب التي يقرؤونها. وقد سجلنا اتجاها نحو قراءة الرواية بشكل أكثر. بدا الأمر كما لو أن الناس أرادوا الهروب من واقع معيش ( يتسم بضغوطات الجائحة) إلى واقع متخيل توفره الرواية. وبالفعل، فإن السفر مع الأحداث والغوص في حياة الشخصيات وكل المقومات التي تميز الكتابة السردية سواء كانت رواية أو حكاية أو قصة قصيرة، كلها أمور توفر عنصر المتعة والتسلية.
> هل تستحضرون تجارب ناجحة لتوظيف العلاج بالأدب في مواجهة الضغوط النفسية؟
< التجارب والورشات التكوينية وكذا الجلسات العلاجية التي حضرتها وشاركت فيها رفقة الأستاذ محمد بوخانة، وهو فنان وصاحب مركز للعلاج بالفن، كانت توظف العلاج بإتاحة الفرصة للمعنيين للتعبير عن أنفسهم بشكل خاص من خلال فن النحت والصباغة والرسم. غير أنه يمكن القول إن العلاج بالأدب يوازي العلاج بالفن البصري ويحاكيه. فكما أن اللوحة التي ينجزها الفنان تحكي قصة، فالرواية تقوم بذلك أيضا. وكما يستمتع المرء باكتشاف الألوان والمساحات في اللوحات التشكيلية، وباكتشاف ذاته، فإن الفعل القرائي يمكن بدوره من اكتشاف الآخر من خلال العوالم الجديدة التي تفتحها الرواية، بل ويكتشف ذاته أيضا باعتبار الرواية تحكي تجارب إنسانية ومشاعر وأحاسيس تشبه كثيرا ما يعيشه قارئها.
يمكن إذن أن أقيم تناظرا بينما عشته في هذه التجارب والورشات الخاصة بالعلاج بالموسيقى والفن التشكيلي وما يتعلق بالعلاج بالقراءة. القراءة تشكل في الواقع أداة لتعزيز الأفكار الإيجابية، وتوفر فرصة للقارئ للانسلاخ من خوفه وتوجسه وقلقه نحو آفاق أخرى.
> هل تعتقدون أنه سيكون لهذا الأمر جدوى باعتبار المستوى المتدني للإقبال على القراءة في المغرب؟
< هذا سؤال مهم جدا، لأن الحديث عن تعزيز سلوك القراءة يعني الحديث عن مستقبل الأطفال. وفي ظل اكتساح الصورة والفيديو في عصر الانترنيت والهواتف الذكية التي تسبب الإدمان، يتعين تعزيز محبة القراءة في صفوف الأطفال بكل الوسائل الممكنة. ومن ذلك تخصيص حيز مهم وواضح في الزمن الدراسي خاص بالقراءة، والتخفيف من اكتظاظ المقررات المدرسية، وتزويد المدارس العمومية بمكتبات وتخصيص وقت لولوجها وتوفير أجواء تعين على القراءة فيها، إلى جانب توفير مكتبات في البيوت.
> عبد اللطيف أبي القاسم(و.م.ع)