الريشة سلاح الفنان التشكيلي يتخطى بها المحن ويقاوم بها الأزمات، ويستشرف بها آفاق الأمل الرحبة، متحديا مشاعر الخوف واللايقين التي تستبد بالنفوس بفعل فيروس “كوفيد -19″، هكذا ترى الفنانة التشكيلية حياة السعيدي رسالة الفنان في سياق الأزمة الوبائية الحالية.
ففي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، على هامش مشاركتها في معرض تشكيلي دولي استضافته مدينة إسطنبول ما بين 12 و30 شتنبر المنصرم، قالت الفنانة السعيدي “من وحي الألوان والفرشاة يلقي الفنان التشكيلي بظلال من الفرح في واقع الانسانية الحزين، ويخلق بصيص الأمل في نفوس تعاني من سطوة الحجر الصحي الذي يصادر حريتها في الحلم بغد أفضل”.
وترى الفنانة المغربية، صاحبة المبادرة الدولية “وومن آرت وورلد”، أن الفنان التشكيلي في محاولاته المتعددة التكيف مع الوضع المحيط به، يجد في عالم الرسم متنفسا له لتخطي حالة الخوف من المجهول، بحثا عن بارقة أمل تخترق قتامة الصورة العامة التي يفرضها فيروس “كوفيد-19”.
الرسم في زمن الجائحة يضفي على الفنان أحاسيس يكتنفها الكثير من التناقض/التيه، فبقدر ما تتملكه مشاعر الحزن من سواد المشهد، تتقد في دواخله مشاعر الفرح كلما أبدعت أنامله فنا ينثر الحب والجمال في دروب الحياة، تقول الفنانة التشكيلية التي تشربت حسا إبداعيا مرهفا من منابع فاس العريقة ورسمت مسارا احترافيا في الجامعات الإيطالية، لتصبح من الرائدات في مجال التأسيس لمفهوم “الكوتشينغ بالفن” أو ما يعرف بتنمية القدرات الذاتية عن طريق الفن التشكيلي.
وفي ظل تعطل شبه كامل للحياة الفنية والثقافية في كافة بقاع العالم لشهور عدة، يأتي معرض إسطنبول كجسر يعبره التشكيليون المشاركون، ولو افتراضيا، للقاء وتقاسم مشاعرهم تجاه هذه الجائحة، والتفكير بشكل جماعي في أعمال وتجارب فنية وثقافية تخلق مساحة مشتركة للإبداع والتلاقح الفني.
وأوضحت أن مبادرتها “وومن آرت وورلد”، كانت تتوخى، لولا الظروف الصحية الاستثنائية، التوقيع على مشاركة متميزة في معرض إسطنبول، المدينة المتحف، حيث بدأ التحضير لها منذ شهر يناير المنصرم، غير أن الجائحة فرضت تقليص حجم المشاركة دون التخلي عنها.
وسجلت أن إقامة هذا المعرض بالتزامن مع العودة التدريجية للحياة الفنية وفتح المتاحف وقاعات العرض كان بمثابة متنفس للفنانين الذين بالرغم من عدم حضورهم فعليا، كانوا في منتهى الحماسة بمشاهدة صور لوحاتهم بالمعرض، وبالانخراط في مختلف الندوات الرقمية المنظمة بالمناسبة.
ولم يفت السعيدي، التي راكمت على مدى مسارها الفني المتألق العديد من الجوائز الدولية المرموقة، الإشارة إلى التحضيرات الجارية لتنظيم النسخة ال 15 لمبادرة “وومن آرت وورلد” التي ستستضيفها الرباط، بعد محطات باريس وميلانو وميامي وهيوستن ودبي ومراكش وفيينا وبرلين وبرشلونة وكوريا الجنوبية والنيبال، موضحة أن المبادرة بوصفها تجمعا فنيا دوليا، تروم الترويج للتشكيل النسائي المغربي، عبر لقاءات بين الفنانات التشكيليات من مختلف بقاع العالم.
“الفن في خدمة الإنسانية” شعار مبادرة “وومن آرت وورلد” تبتغي الانفتاح على ثقافات أخرى عبر قنوات فنية لتبادل الخبرات والتجارب، وخلق فضاءات رحبة لإشعاع ثقافي بين تشكيليات العالم، والنهوض يقيم السلام والتسامح والتقارب بين الشعوب.
وفي عيون النقاد ومحبي الفن التشكيلي، تعكس أعمال الفنانة السعيدي شغفها الغامر بالألوان والضوء والطبيعة، لتجعل من القضايا الإنسانية مصدر إلهامها ومقصد إبداعاتها.
وفي مسارها المتألق على ساحة التشكيل الدولي، حيث شاركت في مهام تحكيمية بعدد من التظاهرات الفنية، خصوصا بكل من بريطانيا والإمارات العربية والولايات المتحدة والنمسا وإيطاليا وكوريا الجنوبية، يحسب لهذه الفنانة أن أعمالها مسجلة في محكمة الفن بإيطاليا وبقاموس الفن “دروو” بفرنسا سنة 2015، وضمن الموسوعة الفنية العالمية لـ”أفضل الفنانين المعاصرين لسنتي 2017 و2020″.
وتعد حياة السعيدي التشكيلية المغربية والعربية والافريقية الأولى التي تحرز جائزة “البونساتور” إحدى الجوائز العالمية المرموقة التي تمنحها الأكاديمية الإيطالية، إلى جانب جائزة “بيتو أنجليكو و باولو السادس” وجائزة “موناليزا” التي تمنحها الأكاديمية ذاتها، وذلك عن مساهمتها في جهود النهوض بحقوق الانسان وأوضاع المرأة بالمغرب.
كما حصلت على جائزة “أوسكار الفن 2016 و2018” التي هي بمثابة جائزة الأوسكار في الفنون التشكيلية بمونتي كارلو، وجائزة “السعفة الذهبية” بموناكو.
التشكيلية السعيدي توجت “فنانة السنة” عام 2019 من قبل جمعية “الفنون الإيطالية” بمناسبة انعقاد بينالي متحف الفن المعاصر بإيطاليا.
> بقلم: لمياء ضاكة (و.م.ع)