تشارك المملكة المغربية الرائدة في تنزيل أهداف التنمية المستدامة الأمم المتحدة احتفالاتها باليوم العالمي للمدن، والذي يصادف 31 أكتوبر من كل عام، تجاوبا مع قرار الجمعية العامة الصادر في شهر دجنبر 2013، وحرصا على توفير المستوى المعيشي اللائق لجميع المواطنين في ظل بنية تحتية متطورة ومرافق عامة متكاملة وبيئة آمنة وصحية، وتطورات اقتصادية واجتماعية في إطار المسيرة التنموية الشاملة والمستدامة التي يرعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
لقد استطاعت المملكة المغربية خلال العهد الزاهر لجلالة الملك محمد السادس، أن تحقق إنجازات رائدة في مجال التنمية الحضرية والاجتماعية والإسكان، بالتوافق مع الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، ومبادئها المرتكزة على الاستدامة والتنافسية والعدالة، والمخطط الوطني للانتقال الطاقي النظيف والمستدام، والاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأخضر المتعلق ببناء اقتصاد صديق للبيئة ويحافظ على الموارد الطبيعية، ووضع استراتيجية وطنية للنقل والمواصلات، وتلبية الاحتياجات الإسكانية، وتحديد الواجهات البحرية العامة، وحماية التراث الثقافي والأثري، وترويج المستقبل الواعد بخطى ثابتة، حيث حافظت المملكة المغربية في نهضتها العمرانية على الذاكرة الثقافية وروح الهوية الوطنية الحضارية لمدنها والتي توجت باختيار الرباط عاصمة للثقافة العربية عام 2018 عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2021، وإدراج العديد من المواقع الوطنية على قائمة التراث العالمي لليونسكو، حيث سبق للمدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) سالم بن محمد المالك بقصبة الأوداية مفتاح الأبواب الكبرى للقصبة، وذلك خلال زيارة قام بها وفد من “الإيسيسكو” برئاسة المدير العام للمنظمة لقصبة الأوداية وذلك في إطار التحضير لإعلان مدينة الرباط عاصمة للثقافة الإسلامية وبهذه المناسبة كان قد نوه المدير العام بالعناية الكبيرة التي يوليها جلالة الملك محمد السادس للمعالم التاريخية للحفاظ على تاريخ المملكة المغربية وأصالتها عبر العصور، خصوصا أن قصبة الأوداية تمثل الرمزية التاريخية للدول التي تعاقبت عليها العديد من الدول والحضارات، بالإضافة إلى أن فضاء الأوداية ومكانته التاريخية عجلتا بإعلان مدينة الرباط تراثا عالميا للإنسانية سنة 2012 وكذا إعلانها تراثا إسلاميا من طرف الإيسيسكو خلال الاجتماع الحادي عشر لوزراء الثقافة للعالم الإسلامي بتونس سنة 2019.
قمة المناخ بغلاسكو هل ستكون حاسمة أم مخيبة للآمال؟
منذ عام 1995 لم تفوت البلدان الملتزمة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سوى مؤتمر واحد للأطراف عندما ضرب الوباء في عام 2020، حيث سبق لمؤتمرات المناخ السابقة أن وضعت مخططات عمل (بالي 2007) الغرامات (برلين 1995) والبروتوكولات (كيوتو 1997) والمنصات (ديربان 2011) والتشنجات الحادة (كوبنهاغن 2009) والاتفاقيات (باريس 2015)، لكن الزيادة في محتوى غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي وما ينتج عنها من ظاهرة الاحتباس الحراري تستمر على الرغم من حدوثها حتى عندما يتم تقديمها في كثير من الأحيان، على أنها الفرصة الأخيرة للعالم، نظرا لأن الدبلوماسيين والعلماء وجماعات الضغط والنشطاء المناخيين والإعلام والسياسيين ورجال الأعمال يجتمعون في غلاسكو من أجل قمة المناخ منذ يوم أمس 31 أكتوبر ، لذلك من السهل رفض القضية بأكملها، حيث سيكون من الخطأ أن تلعب الاتفاقية الإطار للتغيرات المناخية دورا حاسما في عملية تاريخية وحيوية ألا وهي إزالة الحد الأساسي من الازدهار البشري الذي يفرضه الاعتماد على الوقود الأحفوري.
يوم عالمي للمدن المستدامة في ظل قمة المناخ
ويأتي الاحتفاء باليوم العالمي للمدن لهذا العام تحت شعار “تكيف المدن من أجل المرونة المناخية”، متزامنا مع نجاحات المملكة المغربية في توفير بيئة صحية سليمة، وتنظيمها الناجح لقمة المناخ في نسختها الثانية والعشرون بمراكش عام 2016، والريادة العالمية في مجال العمل المناخي بتأكيد منظمات دولية وبمؤشرات جد إيجابية، وتعكس هذه المكانة الدولية المبادرات الملكية الرائدة في مجال المناخ والتنمية المستدامة والمحافظة على المنظومات الإيكولوجية، في تنسيق الجهود الوطنية واقتراح الخطط والسياسة العامة للحفاظ على الموارد وتنميتها ونشر الوعي البيئي، والعمل على زيادة مساحة المحميات الطبيعية، وتبني مفهوم الإدارة المتكاملة للبيئة الساحلية والبحرية، ومتابعة التقويم البيئي للمشروعات التنموية، حيث عززت المملكة المغربية من تميزها في بناء وتطوير مدن ومجتمعات عمرانية شاملة للجميع وآمنة ومرنة ومستدامة.
إن المملكة المغربية وهي تشارك العالم احتفاءه بيوم المدن المستدامة الدولي، تواصل مسيرة الإنجازات التنموية والحضرية والعمرانية المستدامة في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه، واهتمامه بتوفير حياة أفضل وبيئة خضراء نظيفة للمواطنين والمقيمين والأجيال القادمة، بإعلان استهداف الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2050 في الانبعاثات الكربونية لمواجهة تحديات التغير المناخي وحماية البيئة، وتشجيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة والمباني الخضراء، هذا اليوم العالمي للمدن المستدامة الذي يهدف إلى تعزيز اهتمام المجتمع الدولي بالتوسع الحضري العالمي المستدام وتعزيز التعاون بين البلدان والمدن لاغتنام الفرص ومواجهة تحديات التحضر ، والمساهمة في تنمية البيئة الحضرية المستدامة في العالم، وإلى زيادة الوعي بالتكيف مع تغير المناخ والقدرة على الصمود في المناطق الحضرية، وإلهام العمل المناخي الفعال على المستوى المحلي من خلال تبادل المعرفة حول الحلول الفعالة للنظم الحضرية المرنة ، والمساهمة في تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة وإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة خاصة الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة والذي يشمل: “بحلول عام 2020 زيادة عدد المدن والمستوطنات البشرية التي تتبنى وتنفذ سياسات وخطط متكاملة من أجل “التكيف مع تغير المناخ والقدرة على الصمود أمام الكوارث “، حيث تعاني المدن في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد من تأثيرات المناخ والتحديات والمخاطر الأخرى مثل الفيضانات والعواصف والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر وموجات الحر والانهيارات الأرضية وغيرها، حيث من المتوقع أن تتأثر ما لا يقل عن 130 مدينة ساحلية يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة بالفيضانات الساحلية.
ففي عالم يزداد احترارا حيث يجب معالجة الآثار المباشرة وغير المباشرة للجفاف المتكرر وموجات الحرارة، عالم يعتبر المدن موطنا لأكثر من نصف سكان العالم حيث أن المدن والبلدات هي الأماكن التي يتركز فيها الناس والسلع والنشاط الاقتصادي ويتعرضون للتهديد، إذ قد تكلف آثار تغير المناخ والمخاطر الأخرى المدن في جميع أنحاء العالم أكثر من 314 مليار دولار أمريكي سنويا بحلول عام 2030 إذا فشلنا في بناء مرونة حضرية متعددة المخاطر لتغير المناخ اليوم الصدمات والضغوط المحتملة.
ففي الوقت الذي تواجه فيه المدن تحديات كبيرة فهي أيضا أماكن للفرص والابتكار في تطوير حلول مستدامة للتعافي من الاضطراب، حيث يمكن أن يؤدي بناء القدرات التكييفية وزراعة رأس المال الاجتماعي في المدن إلى الحد من مخاطر الكوارث وبناء المرونة الحضرية في مواجهة التحديات المستقبلية التي لا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحيان ولكن نقاط الضعف المتوقعة، بينما يمكن أن يساعد تكييف المدن مع المرونة المناخية المدن والسكان على الاستعداد للمخاطر التي تشكلها الصدمات والضغوط التي يمكن التنبؤ بها والتي لا يمكن التنبؤ بها والتخفيف من حدتها والاستجابة لها، لذلك يعد التكيف مع المناخ أحد الأولويات الرئيسية للمرونة الحضرية المستقبلية ولصحة ورفاه الناس والبيئة، هذا في الوقت الذي يمكن أن يؤدي فيه التحضر إلى ظهور أشكال جديدة من الإدماج الاجتماعي، وتعزيز المساواة والوصول إلى الخدمات الأساسية والفرص الجديدة، يمكن أن يكون التحضر أيضا مصدرا للتعبئة والالتزام من خلال عكس تنوع المدن والبلدان والكوكب، ومع ذلك نادرا ما تستغل التنمية الحضرية هذه الإمكانات، ينتشر عدم المساواة والإقصاء في معظم المدن، غالبا بمعدلات أعلى من المتوسط الوطني على حساب التنمية المستدامة.
البرنامج الأممي الجديد للمدن المستدامة
أطلق برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية حملة أكتوبر الحضري لتسليط الضوء على تحديات التوسع الحضري العالمي ولتشجيع المجتمع الدولي على تنفيذ جدول الأعمال الجديد للمدن الذي اعتمد في مؤتمر الأمم المتحدة للإسكان والاستدامة التنمية الحضرية في مدينة كيتو ، بالإكوادور ، في 20 أكتوبر 2016، حيث يؤكد الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة الذي يهدف إلى “ضمان أن تكون المدن والمستوطنات البشرية شاملة وآمنة ومرنة ومستدامة”، وتقدم أجندة المدن الجديدة رؤية مشتركة لعالم أفضل ومستدام عالم يمكن للناس فيه التمتع بنفس الحقوق والاستفادة على قدم المساواة من الفرص التي توفرها المدينة، عالم حيث يفهم المجتمع الدولي النظم الحضرية ولياقتها كأمر حاسم عوامل تحقيق هذه الرؤية، حيث في هذه الحقبة غير المسبوقة من التوسع الحضري المتفشي وفي سياق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي اعتمدتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة في شتنبر 2015، يقدم جدول أعمال المدن الجديدة حلولا للتحديات، يمكن أن يصبح التحضر ، حسن التصميم والإدارة، أداة هائلة لتنفيذ التنمية المستدامة في كل من البلدان النامية والمتقدمة، فحتى الآن يعيش أكثر من نصف سكان العالم في مناطق حضرية وأصبحت المدن بؤرا للأنشطة البشرية والمرونة والاستدامة والابتكار، تقر اليونسكو بالدور المهم الذي تلعبه المدن في تحقيق التنمية المستدامة حيث في عام 2019 تم إنشاء منصة المدن التابعة لليونسكو والتي تضم ثمان شبكات وبرامج مخصصة أو مرتبطة بالمدن وهي شبكة اليونسكو للمدن الإبداعية والشبكة العالمية لمدن التعلم التابعة لليونسكو والشبكة الدولية، وتحالف المدن الشاملة والمستدامة وبرنامج مدن التراث العالمي، وتحالف المدن الكبرى للمياه والمناخ، ووسائل الإعلام ومعلومات المدن المتعلمة بالمناخ وبرنامج الحد من مخاطر الكوارث ومرصد اليونسكو بالترتيب لتعزيز التنمية الحضرية المستدامة والمساهمة فيها من خلال نهج مستعرض.
ويعد اليوم العالمي للمدن الذي يحتفل به في 31 أكتوبر فرصة لعرض جميع موارد المنظمة وخبراتها وشبكاتها وبرامجها التي تساهم بشكل مباشر في تنفيذ خطة عام 2030 من أجل التنمية المستدامة ولاسيما الهدف 11 بشأن المدن والمجتمعات المستدامة، حيث تم اختيار الموضوع المشترك لنسخة 2021 من اليوم العالمي للمدن هو “تكييف المدن من أجل المرونة المناخية”، مع الاعتراف بأن السياسات وخطط العمل المتكاملة لمقاومة المناخ ستقلل بشكل كبير من مخاطر المناخ من قبل سكان المناطق الحضرية، بينما سيتم تنظيم سلسلة من الفعاليات والأنشطة حول موضوع المدن من قبل شبكات وبرامج منصة المدن التابعة لليونسكو، في مجالات خبرة المنظمة التعليم والثقافة والعلوم والاتصالات والمعلومات.
وتطلق المنصة الرقمية أيضا حلولا حضرية والتي توضح رغبة المنظمة في الاعتراف بالمدن والعمل المناخي كموضوعين متشابكين مهمين وأساسيين بشكل متزايد لتعزيز التنمية المستدامة في العالم. تقدم كل من الشبكات والبرامج المذكورة أعلاه “حلا حضريا” ملموسا لتعزيز المرونة والعمل المناخي في المدن. هذه الحلول الملموسة، التي تستهدف مستويين من الالتزام – مستوى المدن من ناحية ومستوى سكان المدن من ناحية أخرى – يجب أن تجعل من الممكن زيادة الوعي بآثار تغير المناخ، وفي النهاية ، التكيف بشكل أفضل مع البلدان مثل المدن في التحول المناخي، فالحلول الحضرية مناسبة بشكل خاص للمدن في البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ، مثل الدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان الأفريقية، وسيتم استخدامها في إطار مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين بشأن تغير المناخ (COP 26) ، الذي انطلق يوم أمس في غلاسكو بمناسبة يوم المدن العالمي.
مبادرة الشرق الأوسط الأخضر والطموح المناخي
يعتبر التغير المناخي فرصة اقتصادية للأفراد والمجتمعات وللقطاعين العام والخاص لنهج سلوكيات التخفيف والتكيف مع حدة الظواهر المناخية المتطرفة، وفي هذا السياق أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي يرجى منها خلق وظائف نوعية وتعزيز الابتكار في المنطقة، مبادرة خضراء تأتي قبل أيام من انعقاد قمة مجموعة العشرين في روما، وتسبق أيضا مؤتمر الأطراف السادس والعشرين للمناخ في غلاسكو وتأتي مباشرة بعد إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة الحياد الكربوني في أفق 2050، مبادرة تهدف إلى رسم خريطة إقليمية لحفظ الحياة ورفع جودتها في المنطقة في بادرة تقدمها المملكة العربية السعودية لصنع الفارق العالمي في حفظ الطبيعة والإنسان والحيوان ومواجهة تحديات التغير المناخي، مبادرة عربية بطابع عالمي لتنسيق الجهود تجاه حماية البيئة ومواجهة التغير المناخي، ولوضع خارطة طريق لتقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من عشرة بالمائة من الإسهامات العالمية، وزراعة خمسين مليار شجرة في المنطقة، وفق برنامج يعد أكبر برامج زراعة الأشجار في العالم، ويساهم في تحقيق نسبة خمسة بالمائة من المستهدف العالمي للتشجير، مبادرة عربية تسعى إلى إنشاء منصة تعاون لتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس مركز إقليمي للتغير المناخي، وإنشاء مجمع إقليمي لاستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، وتأسيس مركز إقليمي للإنذار المبكر بالعواصف، وتأسيس مركز إقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية، وإنشاء برنامج إقليمي لاستمطار السحب، تأسيس صندوق للاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة، في أفق خلق مبادرة عالمية تساهم في تقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء، لأكثر من 750 مليون شخص بالعالم وتأسيس مؤسسة المبادرة الخضراء لدعم أعمال القمة.
انطلقت يوم أمس الأحد 31 أكتوبر 2021 قمة المناخ في نسختها السادسة والعشرون بغلاسكو بالمملكة المتحدة، في حضور قوي للولايات المتحدة الأمريكية وفي غياب محتمل للتنين الصيني والدب الروسي، قمة من المرتقب أن تعطي فيها هيئة الأمم المتحدة تجسيدا لاتفاقية باريس نظرة عامة على ما يمكن أن يجعله ممكنًا لإنجاحه، حيث فبعد مرور خمس سنوات سيتعين على القادة قبل كل شيء أن يظهروا أنهم يوفون بوعدهم بالحفاظ على الاحترار العالمي “أقل بكثير من 2 درجة مئوية” مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، حيث يبقى الهدف من اتفاق باريس جرد المساهمات المحددة وطنيا على اعتبارها خارطة الطريق المناخية التي يجب على البلدان تحديثها كل خمس سنوات على الأقل، ومع ذلك فإن هذه تشكل كما هي “تذكرة ذهاب فقط إلى كارثة” حسب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ففي تقرير نشر يوم الثلاثاء الماضي أشارت هيئة الأمم المتحدة إلى أن 121 فقط من 191 طرف موقع على اتفاق باريس قاموا بتحديث المساهمات المحددة وطنيا، مما وضع الكوكب على مسار + 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، هذه المساهمات المحددة وطنيا الجديدة التي سيتم تقديمها خاصة من قبل أكبر المصدرين سيتم فحصها عن كثب في حين أن التوقيف لا يزال كليا من جانب الصين أو الهند أو تركيا أو المملكة العربية السعودية، بينما ينتظر أن تشكل قمة مجموعة العشرين المجتمعة أول أمس السبت 30 أكتوبر 2021 بالعاصمة الإيطالية روما دفعة قوية لقمة غلاسكو، قمة تبرز أن أغنى 20 دولة وحدها مسؤولة عن 80٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث إن الإعلان عن تدابير طموحة من شأنه أن يضع مؤتمر الأطراف على المسار الصحيح، موضوع مهم جدا سيتم طرحه على طاولة المفاوضات في قمة غلاسكو ألا وهو حشد التمويل العام والخاص لمساعدة بلدان الجنوب على التكيف مع تغير المناخ، بلدان الجنوب التي ستأتي إلى مؤتمر الأطراف وهي تشعر بالاشمئزاز من الافتقار إلى التضامن الدولي في حين أن العديد من الوفود واجهت كل المتاعب في العالم لتقديم برنامج متكامل، وفي هذا السياق فإن تحويل 100 مليار دولار سنويا بين عامي 2020 و 2025 الموعود منذ أكثر من عشر سنوات هو وعد محفوف بالمخاطر كما حذر رئيس مؤتمر الأطراف ألوك شارما خلال خطابه إلى منظمة اليونسكو في 12 أكتوبر الأخير حيث تظهر أحدث التقييمات أنه لن يتم الوصول إلى الهدف حتى عام 2023، بينما سيتم تكليف المفاوضين بمناقشة النقاط الفنية ولكن الحاسمة في اتفاقية باريس مثل إنشاء سوق عالمية للكربون والتي من شأنها أن تسمح للبلدان بتداول حصص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومن أجل حماية المنظومات البيئية الهشة الساحلية منها والجبلية والواحات، آخذا بعين الاعتبار اتفاق باريس التاريخي للمناخ تم تحديث المساهمات المحددة وطنيا في المغرب كجزء من نهج تشاركي رفع المغرب من درجة طموحه المناخي بنسبة 45.5٪ بعدما كانت المملكة المغربية قد التزمت قبيل تنظيم المؤتمر الثاني والعشرين للأطراف حول المناخ في مراكش بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030 بنسبة 42٪ والتي كان هدفها غير المشروط 17٪، مع تنزيل أهداف تكيف استراتيجية لقطاعات المياه والزراعة ومصايد الأسماك وتربية الأسماك والغابات وتخطيط استخدام الأراضي والإدارة الحضرية والصحة،ويغطي مشروع المساهمات المحددة وطنيا 61 مشروعا لتخفيف حدة التغيرات المناخية، 27 منها مشروطة بدعم دولي، هذه المشاريع التي تغطي سبعة قطاعات منها الطاقة بما فيها إنتاج الكهرباء والصناعة بما في ذلك إنتاج الفوسفات والأسمنت الإسكان، النقل، النفايات، والفلاحة بينما تتضمن المساهمة المحددة وطنيا المحدثة.
وبفضل الإرادة القوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وأيده تمكن المغرب من الانخراط في سياسة بيئية واضحة تروم تحقيق التناغم بين السياسات العمومية والتزاماته المناخية العالمية وعلى أعلى المستويات، سياسة رائدة ترمي إلى تطبيق المغرب لالتزاماته في مجال أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث بفضل تظافر جهود الجميع من فاعلين ترابيين و جمعيات المجتمع المدني نجح المغرب في تحقيق تقدم ملموس في تنزيل الأهداف السبعة عشر، ويبقى كسب المغرب لرهان تذويب أهداف التنمية المستدامة في المخططات الوطنية والاستراتيجيات البيئية والتنموية رهين بانخراط والتزام جميع الفاعلين على أساس تضامن وثيق وبناء، مما سيساهم في الحفاظ على كوكب الارض وضمان موارده لأجيال المستقبل، وكان المغرب سباقا في تقديم المشاريع على المستوى العربي والدولي فيما يخص البيئة و التنمية المستدامة، إذ أنه قبل الإعلان الأممي سنة 2015 عن برنامج أهداف التنمية المستدامة 2030، اعتمد المغرب مفهوم التنمية المستدامة في استراتيجياته التنموية عبر تعزيز التوازن بين أبعادها الأربعة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك بهدف تحسين نوعية إطار عيش المواطنين، وتعزيز التدبير المستدام للموارد الطبيعية وتشجيع الأنشطة الاقتصادية التي تحترم البيئة.
تنزيل أهداف التنمية المستدامة المغرب في طليعة البلدان
نجح المغرب من الانخراط في سياسة بيئية ومناخية واضحة المعالم تروم تحقيق التناغم بين السياسات العمومية والبرامج والمخططات الوطنية والتزامات المغرب الدولية وبفضل الإرادة القوية على أعلى المستويات، وفي تطبيق التزاماته في مجال أهداف التنمية المستدامة، وتمكن المغرب في تحقيق تقدم ملحوظ على مستوى عدد من الأهداف السبعة عشر، خاصة في مجال تيسير الولوج إلى الخدمات العامة الأساسية، ويبقى كسب رهان أهداف التنمية المستدامة رهين بانخراط والتزام كافة الجهات الفاعلة، وكان المغرب حاضرا وسباقا لتقديم مشاريع ومقترحات على المستوى الأممي، إذ أنه قبل الإعلان الأممي عن أهداف التنمية المستدامة دعا الملك محمد السادس سنة 2009 في خطاب العرش إلى بلورة الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، كما أن دستور 2011 كرس الحق في التنمية المستدامة والعيش في بيئة سليمة، ولقد تعزز انخراط المغرب على مسار تسريع تنزيل أهداف التنمية المستدامة من خلال اعتماد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030 من طرف المجلس الوزاري تحت الرئاسة الفعلية للملك محمد السادس يوم 25 يونيو 2017، وترتكز هذه الاستراتيجية التي تم إعدادها بتشاور مع كل الفعاليات الوطنية من سلطات عمومية، وقطاع خاص، وممثلي المجتمع المدني على مرجعيات واضحة دستوريا وقانونيا، كما تعتبر آلية ناجعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030.
وتشكل أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي تم تبنيها في شهر دجنبر 2015 من قبل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة الإطار المرجعي لمجموعات من الاستراتيجيات ومخططات وبرامج عمل الدول الأعضاء، مع تنزيل أهداف التنمية المستدامة يرتقي طموح العالم هو بحلول عام 2030، للقضاء على جميع أشكال الفقر وعدم المساواة من خلال عدم المغادرة لا أحد آخر، لضمان رفاهية السكان، لحماية كوكب الأرض وتعزيز السلام والازدهار والشراكات، وغني عن القول أن نطاق أهداف التنمية المستدامة وتعقيد التحديات لتحقيق هذه الطموحات يعني تنفيذ سياسات أكثر تكاملا و متماسكة الأمر الذي يجبر جميع البلدان على إعادة النظر في الطريقة التي تتعامل بها التحديات، كما يدعو تنفيذ أهداف التنمية المستدامة الدول الأعضاء إلى تبنيها أساليب جديدة للحكم تعزز الملكية والشراكات و المسؤولية المشتركة للجهات الفاعلة على جميع المستويات، لتنفيذ المشاريع تحويلية ومواتية لمجتمعاتهم.
على الرغم من أنه دخل عامه الثالث من التنفيذ ، إلا أن لا تزال التنمية المستدامة بحلول عام 2030 تمثل تحديا كبيرا وهناك طريق طويل لنقطعه لتحقيق مجتمعات مستدامة وقادرة على الصمود، إذا تم إحراز تقدم في العديد من المجالات، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية تستمر على عدة مستويات سواء كان ذلك إقصاء للشباب والنساء سوق العمل، عدم المساواة بين الجنسين، وتهميش مناطق معينة ومخاطر الأمن الغذائي، أو حتى التفاوتات في الوصول إليها الخدمات الأساسية مثل التعليم أو الصحة أو الحماية الاجتماعية، هذا الوضع يتفاقم بسبب الافتقار إلى التنويع والقدرة التنافسية للاقتصادات مما يحد من قدرتها على توليد نمو قوي بما يكفي خلق فرص عمل مستدامة وتنمية شاملة، فمن وجهة نظر بيئية فإن النظم البيئية مضطربة حيث أن الإجهاد المائي يزداد سوءا ويزداد الشعور بآثار تغير المناخ حدة التصحر التي تؤثر على 80 إلى 90٪ من الأراضي الوطنية حسب البلد.
وفي مواجهة هذا الوضع، لم تتمكن بلادنا بعد من التطور آليات تنسيق وطنية وإقليمية قادرة على تسهيل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، حيث يمكن للبلدان أن تحارب معا القضايا الشائعة مثل بطالة الشباب والنساء أو بطالة منخفضة تنويع اقتصاداتها من خلال تنسيق سياساتها وأنظمتها من خلال تحفيز التجارة البينية وتسهيل التنمية البنية التحتية العابرة للحدود ولا سيما في قطاع الطاقة.
وكان المغرب قد أعرب المغرب خلال المنتدى السياسي رفيع المستوى لعام 2016 عن استعداده للتطوير نهج متكامل ومتقارب لمختلف الاستراتيجيات القطاعية في سياق تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث في الواقع أن أهداف التنمية تم تسجيلها وتنفيذها من خلال استراتيجيات قطاعية حيث أن تقارب هذه الاستراتيجيات لا يتم التأكد منه دائما ويشكل تحديا للمغرب، بينما هذه هي طريقة الإستراتيجية تمت الموافقة على الخطة الوطنية للتنمية المستدامة 2016-2030 في يونيو 2017 ويمكن استخدامها على النحو المنصوص عليه في الميثاق الوطني للبيئة و التنمية المستدامة إطار مرجعي وتقارب مختلف السياسات العامة التي تهدف إلى التنمية المستدامة.
اليوم العالمي للمدن المستدامة والرسائل القيمة
واختارت الأمم المتحدة “تكيف المدن من أجل المرونة المناخية”، محورا لاحتفالية اليوم العالمي للمدن 2021، وناشدت دول العالم بمراعاة التغيرات المناخية في إنشاء المدن، أو تحويل المدن الحالية للتكيف مع تلك المتغيرات، وطالبت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، ميمونة الشريف، في كلمتها خلال انطلاق احتفالية الأقصر، بالعمل من أجل مدن “صفرية الانبعاثات”، حيث أن نحو 70 بالمئة من إجمالي الانبعاثات حول العالم تأتي من المدن، وحذرت قائلة: “نحن في نقطة انعطاف بالتاريخ، وعلينا أن نفهم أننا نتعامل الآن مع أزمة مناخية”، بينما ربط الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بين تحديات مواجهة المناخ ومكافحة كورونا في المدن، وقال: “المدن أقدر على التكيف من أي وقت مضى، فقد كانت بؤرا لتفشي الجائحة وهي على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ”، في الوقت الذي طالب فيه غوتيريش بزيادة التمويل الموجه للمدن في البلدان النامية من أجل القدرة على التكيف مع تغيرات المناخ.
في الختام إن تكيف المدن من أجل المرونة المناخية يعتبر واجبا وطنيا وإنسانيا يتحتم على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية التعامل معه بجدية وحزم، هذا في القوت الذي تعاني فيه المدن في جميع أنحاء العالم وبشكل متزايد من مخاطر تغير المناخ وغيرها، مثل الفيضانات والجفاف وموجات الحر والانهيارات الأرضية والعواصف، إن مفهوم التوسع الحضري الذي يناقشه احتفال اليوم العالمي للمدن، يتيح أشكالا جديدة من الاندماج الاجتماعي، بما في ذلك زيادة المساواة، والحصول على الخدمات وفرص جديدة بينما تجدر الإشارة إلى أن إعادة تخطيط المدن وإدارتها وسكنها، يبقى بالأهمية بمكان ضمانا لعدم نشوء مناطق عشوائية جديدة تفاقم مشكلات البيئة والتغير المناخي حيث أصبح من الضروري تعزيز رغبة المجتمع الدولي في نشر الحضرية على مستوى العالم، ودعم التعاون بين البلدان للمساهمة في التنمية الحضرية بينما ينبغي أن يصبح تحدي تدبير الموارد الضرورية للمناطق الحضرية من شواغل السياسات العامة للمجتمع الدولي، إضافة إلى الشواغل المتعلقة بالانبعاثات الكربونية، هذا في الوقت الذي حددت فيه الأمم المتحدة في تقرير رئيسي لها عن اليوم العالمي للمدن ثلاثة أهداف للاحتفال هذا العام، مشيرة إلى أن الهدف الأول هو “زيادة الوعي بشأن التكيف مع تغير المناخ والمرونة الحضرية” أما الهدف الثاني فهو “إلهام العمل المناخي الفعال على المستوى المحلي، من خلال تبادل المعرفة حول حلول مرونة النظم الحضرية الفعالة” أما الهدف الثالث والأخير فيبقى حسب المنظمة الدولية هو “المساهمة في تنفيذ الخطة الحضرية الجديدة للحد من مخاطر الكوارث، واتفاقية باريس لتغير المناخ، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
محمد بن عبو
خبير في المناخ والتنمية المستدامةرئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة