غادر العالم قبل أيام قليلة، عن 86 عاما، المخرج السينمائي وكاتب السيناريو التشيكي، المتميز ميلوش فورمان، بعد حياة مفعمة بالعطاء النوعي والمواقف الجريئة، التي اختارت الاصطفاف إلى جانب قضايا إنسانية كبرى، من خلال أعمال كوميدية سوداء، تنطوي على نقد لاذع مبطن بالسخرية.
بدأ حياته الفنية في ستينات القرن الماضي كأحد رواد “الموجة الجديدة” في السينما بتشيكوسلوفاكيا السابقة. واشتهر بأفلام مثل “بلاك بيتر” و “ذي فايرمنز بال” قبل أن يقرر ولدوافع سياسية الانتقال إلى هوليوود، التي لم يلبث أن أخضعها لسحره، بفيلمه الأول “تايكينغ أوف” سنة 1971، تلاه بعد أربع سنوات
“Vol au-dessus d’un nid de coucou”
المأخوذ عن رواية للكاتب الأمريكي كين كيسي، وتألق في بطولته النجم جاك نيكلسون، واستحوذ هذا الفيلم على جوائز أكاديمية فنون السينما الأمريكية، الخمس، عن (أفضل فيلم، أفضل ممثل، أفضل ممثلة، أفضل إخراج، أفضل سيناريو). كما احتل مكانة بارزة على رأس قائمة أكثر الأفلام من حيث الإيرادات عام، 1975 بأكثر من 100 مليون دولار، واختير في ما بعد، من طرف معهد الفيلم الأمريكي، ليكون أحد أفضل الأفلام الـ100 في تاريخ السينما.
ويعود فورمان، سنة 1979 ليدهش العالم، بفيلم موسيقي مليء بالاستعراضات الراقصة ومليء كذلك بالانتقادات القوية للتدخل العسكري الأمريكي في فيتنام، تحت عنوان “Hair” أو “الشعر”، ولم ينل عنه أية جوائز تذكر، لكنه بالمقابل حقق صدى جماهيريا داخل الولايات المتحدة وعبر العالم.
الرائعة التالية التي حققها ميلوش فورمان للسينما هي فيلم “آماديوس، 1984” عن عبقرية الموسيقي موزار، والذي يعود إلى نص للمسرحي بيتر شافر.
ترشح هذا الفيلم لخمسين جائزة فاز بأربعين منها، ضمنها 8 جوائز أوسكار، لتنضاف إلى لائحة طويلة من الجوائز الرفيعة التي حصلها المخرج عبر أكبر مهرجانات العالم مثل “البافتا” البريطاني، و”البندقية” الإيطالي، و”البرلينالي” الألماني، و “كان” الفرنسي.
وكان المخرج الراحل، قد ترأس لجنة تحكيم الدورة السابعة من مهرجان مراكش الدولي للفيلم، التي أضفى عليها من تواضعه الحكيم وكريزماه الباهرة وسعة معرفته الشيء الكثير.
برحيل ميلوش فورمان تفقد السينما العالمية، أحد العمالقة، الذين ظل يشغلهم سؤال الحرية الإنسانية في مواجهة المؤسسة الرسمية، الذي تناوله بجرأة وصدق جعلا المنتجين الذين كانوا في معظمهم يبحثون عن الربح من خلال تكريس وجهة النظر الرسمية، ينفرطون من حوله، ففضل اعتزال الإخراج، في العام 2011 والاشتغال بتدريس السينما حتى اختطفته المنية بعد فترة قصيرة من المرض في الرابع عشر من أبريل الماضي.
>بقلم سعيد الحبشي