تكاد لا سلطة تعلو على سلطة المؤسسات المالية الدولية على البلدان النامية. وإذا كانت تدخلات المنظمات الدولية من قبيل هيئة الأمم المتحدة وما ينبثق عنها من منظمات ذات الصبغة السياسية والأمنية والحقوقية في شؤون الدول النامية، تمارس من وراء حجاب ووسط سحب كثيرة والتباسات متعددة، فإن تدخلات المؤسسات المالية الدولية من قبيل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها كثير، في شؤون هذه الدول تكون سافرة وتتخطى الحدود الحمراء لسيادة الدول، تملي عليها ما تشاء من سياسات وبرامج لاشعبية، حيث رغم ما تثيره تلك السياسات والبرامج من مشاكل اجتماعية واقتصادية، وما تخلفه من قلاقل وعدم استقرار فإن حكومات الدول المعنية لا تستطيع رفضها بدعوى “الحفاظ على التوازنات الماكرو-الاقتصادية”. أما وكالات التصنيف الائتماني المخيفة فلها القدرة الكاملة على خلق مناخ إما إيجابي أو سلبي، يشجع أو ينفر المستثمرين من استثمار رؤوس أموالهم في البلد وذلك حسب تنقيط تلك الوكالات.
في الحلقات التالية تعريف بهذه المؤسسات المالية التي تحكم العالم وتتحكم في رقاب البلدان النامية؟
البنك الدولي الشريك “فوق العادة” للدول النامية
اتفق على إنشاء هذه المؤسسة مع صندوق النقد الدولي في المؤتمر الذي دعت إليه هيئة الأمم المتحدة في بريتون وودز بالولايات المتحدة الأميركية في يوليو 1944، وقد حضر المؤتمر 44 دولة.
والبنك الدولي مجموعة مؤلفة من خمسة منظمات عالمية، مسؤولة عن تمويل البلدان بغرض التطوير، بالإضافة إلى تشجيع وحماية الاستثمار العالمي. وهو يقدم قروضًا للدول من أجل مشروعات التنمية. أما اسمه الرسمي فهو البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية، ويضم في عضويته مائة وخمسين دولة. يحصل البنك الدولي على موارده من الدول الأعضاء، أو من الاقتراض من السوق العالمي.
ويبلغ عدد الدول الأعضاء في البنك الدولي 185 دولة تصب مصالحها وآراؤها في مجلس المحافظين ومجلس الإدارة ومقره واشنطن. ومن ضمن شروط انضمام أي دولة كعضو في البنك الدولي للإنشاء والتعمير يجب أن تكون أولا عضوا كامل العضوية في صندوق النقد الدولي ومؤسسة التنمية الدولية ومؤسسة التمويل الدولي وهيئة ضمان الاستثمار المتعدد الأطراف.
وقد بدأ البنك الدولي أشغاله في يونيو 1946 . ويعمل في مقره الرئيسي في واشنطن ثمانية آلاف موظف وحوالي ألفين في العمل الميداني. ويأتي ما يزيد على نصف العاملين في البنك من الأميركيتين والبقية من جميع أنحاء العالم.
من جهة أخرى يكمن الهدف العام من إنشاء البنك الدولي في تشجيع استثمار رؤوس الأموال بغرض تعمير وتنمية الدول المنضمة إليه والتي تحتاج لمساعدته في إنشاء مشروعات ضخمة تكلف كثيرا وتساعد في الأجل الطويل على تنمية اقتصاد الدولة، وبذلك تستطيع أن تواجه العجز الدائم في ميزان مدفوعاتها. وتتجلى مساعدة البنك في إقراضه للدول من أمواله الخاصة، أو إصدار سندات قروض للاكتتاب الدولي.
وتقدم كل دولة عضو في البنك من اشتراكها المحدد في رأس مال البنك ذهبا أو دولارات أميركية ما يعادل 18% من عملتها الخاصة، والباقي يظل في الدولة نفسها، ولكن البنك يستطيع الحصول عليه في أي وقت لمواجهة التزاماته.
وبشكل عام يقوم البنك بإقراض الحكومات مباشرة أو بتقديم الضمانات التي تحتاجها للاقتراض من دولة أخرى أو من السوق الدولية. لكن ممارسة البنك لأعماله أظهرت أنه كان متحيزا في إقراضه بعض الدول وعدم إقراضه دولا أخرى وكمثال على ذلك مشروع السد العالي في مصر.
مؤسسات البنك الدولي
تتكون مجموعة البنك الدولي من خمس مؤسسات هي:
• البنك الدولي للإنشاء والتعمير
• مؤسسة التنمية الدولية
• مؤسسة التمويل الدولي
• هيئة ضمان الاستثمار المتعدد الأطراف
• المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار
وتختص هذه المؤسسات بجوانب مختلفة من التنمية، لكنها تستخدم إفاداتها النسبية للعمل بطريقة متعاونة نحو الهدف الأساسي نفسه ألا وهو تقليل نسبة الفقر.
وينتخب مجلس المحافظين الرئيس لفترة مدتها خمس سنوات، قابلة للتجديد. ويشير تقرير البنك للعام المالي 2001 إلى قيام المؤسسة بإقراض الدول الأعضاء ما يزيد على 17 مليار دولار.
شغل منصب رئيس البنك الدولي كل من:
1 – يوجين ماير 1946- 1946
2 – جون جاي ماكلوي 1947-1949
3 – يوجين آر بلاك 1949-1963
4 – جورج ديفيد وودز 1963-1968
5 – روبرت أس مكنامارا 1968-1981
6 – ألدين وينشيب كلاوسن 1981-1986
7 – باربر بي كونابل 1986-1991
8 – لويس تي بريستون 1991-1995
9 – جيمس دي وولفينسون 1995-2005
10 – بول وولفويتز 2005- 2007
11 – روبرت زوليك 2007- 2012
12 – جيم يونغ كيم: 2012 –
ويتمتع البنك الدولي للإنشاء والتعمير بدرجة التصنيف الائتماني AAA منذ عام 1959. وتتيح له هذه الدرجة المرتفعة الاقتراض بتكلفة منخفضة، وتمكين البلدان النامية متوسطة الدخل من الحصول على رأس المال بشروط غالبا ما تكون صعبة ومحرجة مما يساعد على ضمان مضي المشروعات الإنمائية قدمًا على نحو أكثر استدامة، مع استكمال أو حفز تمويل القطاع الخاص في أغلب الأحيان.
ويحقق البنك الدولي للإنشاء والتعمير دخلاً سنوياً من العائد على حقوق ملكيته، ومن هوامش أسعار الفائدة الصغيرة التي يحتسبها على القروض التي يقدمها. وتغطي هذه العائدات مصاريف التشغيل الخاصة بالبنك الدولي، وتذهب إلى الاحتياطات لتعزيز الموقف المالي له، كما أن جزءاً منها يتم تحويله سنوياً إلى المؤسسة الدولية للتنمية، وهي صندوق مجموعة البنك الدولي لمساعدة البلدان الأشد فقرا.
ويعد البنك الدولي شريكا أساسيا للبلدان متوسطة الدخل التي تمثل أكثر من 60% من حافظة مشروعات البنك الدولي للإنشاء والتعمير. وتجعل هذه الشراكة منه أبرز المتدخلين في السياسات الاقتصادية والاجتماعية للبلدان.
للتذكير ففي البلدان متوسطة الدخل يقطن أكثر من 70% من فقراء العالم، وغالبًا في المناطق النائية. وتعاني هذه البلدان من أخطار التعرض للصدمات والأزمات الاقتصادية العابرة للحدود، ومن بينها تغير المناخ، والتهجير القسري، وتفشي الأوبئة بسبب محدودية القدرة على الوصول إلى التمويل الخاص.
> عبد الحق ديلالي