الشعر والغناء وترسيخ الثقافة الكونية

تشكو المكتبة المغربية من المؤلفات الخاصة بالموسيقى والغناء، سواء ما تعلق منها بالدراسات أو بالأنطولوجيات، ويكتسي الإصدار الأخير للباحثة الأكاديمية حورية الخمليشي الموسوم ب”الشعر والغناء وترسيخ الثقافة الكونية” أهمية كبيرة بالنظر إلى أنه أتى ليسد الفراغ الذي تشكو منه المكتبة المغربية، وأيضا لكونه لا ينحصر في الإبداع الموسيقي المغربي، بل ينفتح على ما أبدعه العالم العربي في هذا الحقل الفني.

يتوزع هذا الإصدار على أربعة فصول، إضافة إلى المقدمة وملحق خاص بالقصائد المغناة حديثا وقديما، سواء ما تعلق منها بالفصيح أو بالعامي.

تطرق الفصل الأول إلى موضوع الشعر والغناء في الثقافة العربية، حيث تمت الإشارة في مستهله إلى أنه لا يمكن الحديث عن الموسيقى دون الحديث عن الغناء، وأن للغناء قواعد وشروط تتعلق بالأداء ومخارج الحروف وصفاتها، وتتباين قيمة الشعر والأغنية من حيث الرقي والوضاعة لتعدد أغراضها وأنواعها وتأثيرها في المجتمع وتربية النشء، كما تمت الإشارة إلى جذور الغناء والموسيقى عند العرب، بإرجاعها إلى العصر الجاهلي، وتواصل حضور هذه الثقافة خلال الحقب التاريخية المتوالية.

وأبرز هذا الفصل كذلك مدى ارتباط الشعر العربي بالغناء والموسيقى.

وفي الفصل الثاني تمت الإشارة إلى أن بداية القرن التاسع عشر، تعد بداية تاريخ جديد للموسيقى العربية، وأن التطور الحقيقي للموسيقى العربية كان مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، حيث تمكن من إدخال آلات موسيقية جديدة.

كما تطرق هذا الفصل إلى مسألة تلقي الشعر والغناء، حيث خلص إلى أن سياق التفاعل مع المتلقي يظل حاضرا في النص وعنه ينبعث سياق التواصل، فالنص هو عملية إنتاج الكاتب ويخضع لسياق معين، إلا أنه يصبح ملكا للقارئ الذي  يحوله إلى نص ثان بعد عملية التأويل والتفسير، مما يجعل النص الإبداعي يخضع لقراءات متعددة.

وتركز الفصل الثالث على الشعر العامي والأغنية، تمت الإشارة في مستهله إلى أن الشعر العامي هو شعر مكتوب باللغات واللهجات العامية العربية، وأن أكثر الشعر العامي انتشارا في الأقطار العربية هو الذي عمد فيه الشعراء إلى تطويع اللغة العربية الفصحى إلى لهجة الحياة اليومية.

كما ضم هذا الفصل منتخبات من الشعر المغنى، لكل من عمر الخيام وأحمد شوقي وعبد الرفيع جواهري.

وعرض الفصل الأخير من هذا الكتاب نماذج لأغاني من الشعر العربي القديم والحديث ومن الشعر العامي، إلى جانب التعريف بأصحابه.

وجاء في مقدمة هذا الكتاب القيم أن “تاريخ الموسيقى العربية لا ينفصل عن تاريخ الشعر والغناء العربي، وأن الموسيقى كانت دائما رفيقة الشعر تاريخيا، وأن الشعر والغناء في أرقى صوره الإبداعية يتحدى الزمان والمكان وأنه انعكاس للوعي الجمالي السائد، وتعبير عميق عن رسالة إنسانية بلغة سامية التي هي لغة القصيدة، لغة الصدق والجمال، وقد ظلت القصيدة الفصحى على مر العصور تحتل مكان الصدارة، وازدهر الشعر العامي في عصر النهضة بعد أن جعله أعلامه قريبا من اللغة الفصحى ليكون في متناول الناس.

وهذا الكتاب هو دعوة إلى التفكير في وضع أنطولوجيا الشعر المغنى الذي تفتقر له مكتبتنا العربية، فغالبا ما يتعرف الجمهور على المغني الذي تسلط عليه الأضواء، بينما تغيب في معظم الأحيان أسماء الشعراء والملحنين.

وأشارت المقدمة كذلك إلى أن الأغنية تولد دائما بين الشاعر والملحن عبر صوت جميل يطرب له المتلقي الذي غالبا ما يترنم بأغاني لا يعرف عنها إلا صوت المطرب، مع جهل تام بصاحب النص الأصلي الذي أنتج معانيه الجميلة، ولا بملحنه الذي عمل على توزيع مقامات الأغنية وإيقاعاتها.

عبد العالي بركات

Related posts

Top