المغاربة العالقون بالخارج والدستور وحقوق الإنسان

أعداد كبيرة من المغاربة خارج الوطن لم يستطعوا العودة بسبب إقفال الحدود. منهم المعلق في باب سبتة، ومنهم من يتواجد في الخزيرات ومدريد وبرشلونة وجهات أخرى بإسبانيا.. قدرت هذه الأعداد بحوالي 1700 مواطن. كما توجد في عدة دول أخرى كفرنسا وبلجيكا وتركيا والإمارات أعداد قدرت بحوالي 18 ألف. منهم رجال أعمال وطلبة وسواح. ومن تلقى منهم بعض المساعدات والخدمات القنصليات المغربية يصل إلى حوالي 2218 شخصا.
إنها أعداد مهمة تعيش حياة مأساوية خارج الوطن في ظروف جد صعبة، خصوصا وأن معظم البلدان قررت حجز مواطنيها في البيوت وأغلقت الفنادق والمطاعم. ومنهم من بقى بدون نقود، وحتى القرار المتأخر لمكتب الصرف الذي سمح بتحويل 15 ألف درهما لم يحل المشكل لعدة أسباب. والإقامة في البلاد الأجنبية محددة مدتها في التأشيرة وهي عادة ما تكون متراوحة بين شهر وثلاثة أشهر مما يعرض البعض في بعض الدول إلى متاعب مع قانون البلد المضيف… أضف إلى كل ذلك أن هناك غيابا للأخبار وشحا للمعلومات، وشعورهم بعدم المواكبة والتتبع للوضعية اليومية العصيبة التي يعيشونها، ولا يدرون شيئا عن التدابير المزمع اتخاذها لحل هذه الوضعية المأساوية التي يجهلون كم من وقت ستستغرق ومتى ستنتهي.
إن الوضعية القانونية التي يعيشها اليوم هؤلاء المغاربة ينبغي تناولها من زاوية حقهم المشروع للعودة إلى أرض الوطن، ومن جهة أخرى، الأخد بعين الاعتبار الإجراءات الملائمة التي اتخذتها الحكومة من إجبار المواطنين على المكوث في بيوتهم، وغيرها من القرارات بهدف حماية صحة المواطنين بما فيها إغلاق الحدود. لكنها قرارات تبقى دائما في إطار المشروعية المنبثقة عن الدستور والمواثيق الدولية وعلى الخصوص المتعلقة بحقوق الإنسان..
فالمواطنون العالقون بالخارج والممنوعون، عمليا، من العودة إلى ديارهم، لهم الحق المشروع في العودة إلى وطنهم بموجب الفصل 21 من الدستورالذي ضمن “لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه…” بحيث وجودهم في هذه الظروف الوبائية يعرضهم لمخاطر محدقة. وتضمن السلطات العمومية هذا الحق، بحكم نفس الفصل، “في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”. كما نصت الفقرة الأولى من الفصل 22 على أنه “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة”
هؤلاء المغاربة لهم الحق في أن تضمن لهم السلطات العمومية بحكم الدستور سلامتهم، “في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”. منها ما جاء به الدستور نفسه ومنها ما نصت عليه المواثيق الدولية ذات الصلة وخاصة المرتبطة بحقوق الإنسان.
فالدستور نص في الفقرة 4 من الفصل 24 على أن “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”. كما نصت الفقرة 2 من المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده”.
فحق عودة المواطن إلى بلده حق من حقوق الإنسان الذي أولاه الدستور أهمية خاصة. فمنظومة حقوق الإنسان ذكرت ثلاثة مرات في تصدير الدستور وجعلها تسمو على القانون الوطني.
ومن جهة أخرى، فمرسوم القانون الصادر في 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها أشار في أول فقرته “بناء على الفصول 21 و24 (الفقرة 4) ….” وهما الفصلان المشار إليهما سلفا والمتعلقان بحق كل مواطن في السلامة الجسدية أو المعنوية وحق المواطن في العودة إلى بلده.
والمرسوم الصادر في 24 مارس 2020 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ لمواجهة فيروس كورونا أعلن عدة تدابير منها عدم مغادرة ألأشخاص محل سكناهم مع اتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة، ولم يشر مطلقا إلى منع المواطنين العالقين بالخارج من الالتحاق بوطنهم.
المغرب كان سباقا في اتخاد قرار صائب وحاسم، جنب البلاد والعباد تداعيات جائحة كورونا. وهو القرار السيادي المتعلق بإغلاق الحدود. لكننا لم نعثر على نص القانون الذي بموجبه أتخد قرار إقفال الحدود سوى بيان وزارة الخارجية المؤرخ في 14 مارس (2020) الذي يعلن أنه “في إطار التدابير الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا، قررت السلطات المغربية تعليق الرحلات الجوية للمسافرين من وإلى عدد من الدول، حتى إشعار آخر”. باختصار، فكل قرار يكون قد صدر فإنه بدون شك سيكون كالنصوص التي سبق ذكرها والصادرة في إطار الدستور وليس خارج نطاقه.
وفي كل الأحوال على الحكومة الإسراع بوضع حد لهذه الوضعية المزرية والسماح للمواطنين بالعودة إلى وطنهم، مع اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية. ويتعين على المؤسسات الدستورية، كالبرلمان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إطلاع الرأي العام، وخاصة ضحايا هذه المأساة، عن مدى دستورية إجراء المنع من العودة للوطن، وذلك ضمانا لسيادة الدستور وحقوق الإنسان، ومن أجل قطع الطريق على بعض وسائل الإعلام المغرضة التي انتهزت هاته الفرصة لتسويد صورة المغرب والتنقيص من قيمة المجهودات الجبارة والإجراءات المهمة المتخدة في الوقت المناسب لمواجهة الجائحة.

الوضعية القانونية التي يعيشها اليوم هؤلاء المغاربة ينبغي تناولها من زاوية حقهم المشروع للعودة إلى أرض الوطن، ومن جهة أخرى، الأخد بعين الاعتبار الإجراءات الملائمة التي اتخذتها الحكومة من إجبار المواطنين على المكوث في بيوتهم، وغيرها من القرارات بهدف حماية صحة المواطنين بما فيها إغلاق الحدود. لكنها قرارات تبقى دائما في إطار المشروعية المنبثقة عن الدستور والمواثيق الدولية وعلى الخصوص المتعلقة بحقوق الإنسان..

 بقلم: جمال مشبال

Related posts

Top