في الامتحان الجهوي الموحد لنيل شهادة السلك الإعدادي، التعليم العام، دورة يونيو 2021 “لمادة اللغة العربية” وردت أخطاء نحوية هذه السنة – في نص الانطلاق المعنون بـ: “مبتكرات عربية في هندسة الري، وإدارة المياه”، وفي أسئلة التطبيق كذلك- دفع التلاميذ ثمنها أنصاف نقط خُصِمت من محصلة مجهودهم في هذه المادة، لأنها مستهدفة بالشكل الذي يعتمد أساسا على فهمهم واستيعابهم لموقع الكلمة المطلوب إعرابها في سياق الجملة انطلاقا من تلكم القواعد النحوية التي تعرفوا عليها في مكون الدرس اللغوي طيلة السنة الدراسية، أو خلال الدورة الثانية بالتحديد .
أقول:” أخطاء نحوية دفع التلاميذ ثمنها”لأن دروس قواعدها محذوفة أصلا من المقرر الدراسي منذ سنوات، وأن التلاميذ غير ملزمين بمراجعتها، ولا مطالبين بالإجابة عنها في امتحانهم هذا (…)، ومنها كلمة:” أَعَزَّ” الواردة- قبل كلمتين من آخر السطر الثاني، “من الفقرة الأولى ” وتحتها خط لحصر انتباه التلميذ الممتحن ومطالبته بشكلها لوحدها فقط. وقد وردت في سياق الجملة التالية: “… باعتبار الماء أعز ما في الوجود”.
*وكلمة ” سواقي ” التي وردت ثامنة في السطر الثالث من (الفقرة الثانية)، وتحتها هي الأخرى خط لحصر انتباه التلميذ ومطالبته أيضا بشكلها لوحدها فقط، والتي وردت في سياق الجملة مكتوبة هكذا : ” … بناء سدود لرفع المياه من الأودية إلى سواقي باطنية … ”
*فلكي يشكل التلميذ كلمة : “أعَزَّ ” فإنه لابد وأن يربطها بسياقها في الجملة التالية: …باعتبار الماء أعزَّ …” ، حيث إنه يجب عليه أن يدرك بأن كلمة ” اعْتِبَار” : مصدر مؤول من فعل: ” اِعْتَبَرَ – يَعْتَبِرُ – اعْتِبَاراً ” ، أو “اعْتُبِرَ يُعْتَبَرُ – اعْتِبارا” ، ولكي يشكلها هكذا : ” أَعَزَّ ” كما هو مطلوب منه في السؤال رقم – 1) من أسئلة الدرس اللغوي، عليه أن يكون قد درس طيلة هذه السنة، أو خلال الدورة الثانية أصعب درس في السنة الثالثة ثانوي إعدادي هو” إعمال المصدر” الذي حذف من المقرر منذ سنوات لصعوبة استيعاب التلاميذ لقاعدته النحوية؛ ذلك أن المصدر المؤول يعمل عمل الفعل فيرفع الفاعل إذا كان الفعل منه – في سياق الجملة – مبنيا للمعلوم، وينصب المفعولات به الموالية للفاعل إذا كان الفعل متعديا، أما إذا كان هذا الأخير مبنيا للمجهول ، فإنه يرفع نائب الفاعل، وينصب المفعولات به الموالية لنائب الفاعل.
*وعلى هذا الأساس يتمكن التلميذ من ضبط كلمة ” أَعَزَّ “بالشكل التام انطلاقا من مدخلاته المفترضة في القواعد النحوية السابقة كما يلي : – باعتبار : (ب) حرف جر، اعتبارِ: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وهو مصدر مؤول يعمل عمل فعله، وهو مضاف.
* الماءِ: اسم مجرور بالإضافة لفظا، وعلامة جره الكسرة الظاهرة…، مرفوع محلا على أنه نائب الفاعل للمصدر المؤول – إذا اعتبر التلميذ الفعل منه مبنيا للمجهول-،على تقدير مايلي: ” يُعْتَبَرُ الماءُ عزيزاً، أو “أَعَزَّ ” ما في الوجود .
* أَعَزَّ: مفعول به للمصدر”اعتبار “، منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره، وهو اسم تفضيل على وزن ” أَفْعَلَ” ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره “هو”.
*أما إذا اعتبره مبنيا للمعلوم، فإنه يعرب كلمة ” الماءِ ” في محل نصب مفعولا به أول، والفاعل ضمير مستتر تقديره “أنا، أو نحن، أو أنتَ ..”، ويعرب “أَعَزَّ ” مفعولا به ثانيا ، منصوبا ..، فيقدر الجملة في هذه الحالة على غرار مايلي: يَعْتَبِرُ العلماءُ الماءَ عزيزاً، أو أعزَّ شيء …، ومعظم التلاميذ شكلوها منصوبة بالفتحة ، وعندما استفسرتهم عن ذلك … أجابوني بأنه منصب وها بالصدفة والتلقائية لا غير ! ، علما بأن اسم التفضيل لا يكون دائما منصوبا، وإنما قد يرد كذلك مجرورا، أو مرفوعا -حسب موقعه فيالجملة -، أما التلاميذ الذين شكلوها مرفوعة بالضمة فقد أجابوني بأنهم قدروها على أنها مبتدأ مؤخر، وشبه الجملة من “باعتبار” في محل رفع خبر مقدم ، وهؤلاء – على الأقل – ارتكنوا في تقديرهم هذا إلى قاعدة نحوية معلومة لديهم، لكنهم للأسف الشديد أخطأوا الهدف!، بيد أن الصواب هو ما ذكرته أعلاه .
*أما الخطأ الثاني الذي طولب التلاميذ بشكله فهو كلمة “سواقي” التي وردت حسب سياقها في الجملة مجرورة بحرف الجر ” إلى”، فمن التلاميذ من شكلها “سَوَاقِيَ ” بفتح الياء على اعتبار أنها مجرورة بفتحة نيابة عن الكسرة لكونها ممنوعة من الصرف : على صيغة منتهى الجموع، وهذا ما ورد في عناصر الإجابة التي وزعت على السادة الأساتذة المصححين، ومنهم من شكلها سَوَاقِي بكسر حرف القاف فقط، وإهمال حرف الياء، واعْتُبِر لذلك خاطئا !
*والصواب هو أن كلمة ” سواقي” المكتوبة في النص – ربما خطأً عفويا – يجب أن تكتب هكذا : “سَوَاقٍ ” بتنوين الكسر لحرف (القاف) ، لأن جمع التكسير (لساقية) هو : ” سَوَاقٍ ” ، وجمع المؤنث السالم هو : ساقيات ، ونكتب الكلمة المستهدفة بالشكلفي سياقها كالتالي : ” … من الأودية إلى سَوَاقٍ باطنيةٍ ” ؛ ومن تم فإنه يصعب على التلميذ أن يدرك أن “سَوَاقٍ ” : اسم مجرور بفتحة نيابة عن الكسرة ، لأنه ممنوع من الصرف على صيغة منتهى الجموع : (فَوَاعِلَ)، وأن هذه الفتحة النائبة عن الكسرة مقدرة على الياء المحذوفة التي ناب عنها تنوين العوض، ولا تظهر إلا في حالة النصب ؛ كقولنا مثلا : حفرتُ سَوَاقِيَ كثيرةً، أما في حالة الرفع فنقول : ” هذه سواقِي عذبةٌ ” : فترفع بضمة واحدة مقدرة على الياء المانع من ظهورها الاستثقال ، لكونها تعامَل معاملة الإسم المنقوص، في مثل قولنا : – ( رأيتُ قاضياً ومحامياً، وراعياً )، (وسلمت على قاضٍ، ومحامٍ، وراعٍ )، و( جاء قاضٍ، ومحامٍ، وراعٍ )، وهذه كلها قواعد نحوية صعبة – إلى حد ما – تم حذفها من المقرر الدراسي منذ سنوات ، ويطالب التلاميذ هذه السنة بالإجابة عن مثيلاتها : (سَوَاقٍ ) في الإمتحان الجهوي .
*أما الخطأ النحوي الثالث فيتمثل في كلمة ” الكندي” التي وردت مشكولة – ربما عفويا – هكذا : ” الكنْدِيِّ ” بكسر ياء النسبة وتضعيفها ، والواقعة فيما قبل الكلمات الثلاثة الأخيرة من السطر السادس (من الفقرة الأولى ) في الجملة التالية : ( … أما ماكتبه فيلسوف العرب أبو يوسف الكُنديِّ … ) هكذا تم شكلها في نص الإنطلاق – كما أشرتُ إلى ذلك أعلاه والصواب هو : ( الكنْدِيُّ) – بضم ياء النسبة وتضعيفها ، لأنها بدل مطابق ل ( فَيْلَسُوفُ) التي هي فاعل مؤخر للفعل: ( كتب) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، وبدل كذلك ل (أبو) المرفوع هو الآخر، وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الخمسة .
* وأما فيما يتعلق بتحديد نوع الإضافة الواردة في الجملة التالية بالسؤال رقم (4) من أسئلة الدرس اللغوي : ” العرب منشئو السدود ” ، فإن مانقوله عن إعمال المصدر نقوله كذلك عن إعمال اسم الفاعل ، وأسم المفعول ( إذا أضيفا إلى معمولهما ) ، بحيث يعرب الإسم الأول – ظاهرا كان أو مستترا – مضافا مجرورا لفظا ، مرفوعا محلا على اعتبار أنه فاعل لأسم الفاعل، والذي يأتي بعده مفعولا به – إن كان متعديا – ، أما الذي يأتي بعد أسم المفعول فإنه يكون في محل رفع نائب الفاعل ، ومايليه مفعولا به إن كان متعديا ؛ وحينما يدرك التلميذ هذه القاعدة النحوية يتأكد معها بأن نوع الإضافة في هذه الحالة : (لفظية ) ، وذلك بإضافة مشتق إلى معموله ، وهذا المشتق قد يكون مصدرا أو اسم فاعل ، أو أسم مفعول ، أو صفة مشبهة … ، وهذه خاصية تتميز بها الإضافة اللفظية عن المعنوية،ولذلك فقد وردت كلمة: (منشئو) : اسم فاعل صيغ على صورة مضارعه بإبدال حرف المضارعة ميما مضمومة ، وكسر ماقبل الآخر ، ويعرب هنا خبرا للمبتدإ الذي هو (العربُ) مرفوع ، وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم ، وقد أضيف هذا المشتق إلى (السدودِ) : اسم مجرور بالإضافة لفظا ، منصوب محلا على اعتبار أنه مفعول به ،وواو الجماعة في : (منشئو) مبني على السكون في محل رفع فاعل .
*إلا أن خلاصات بعض المقررات الدراسية – للأسف الشديد – لم توضح ذلك لتلاميذ هذه السنة؛ الأمر الذي جعلنا نستشف ذلك من خلال مراجع أخرى لتتمتها ؛ ومع ذلك تم تركيز بعض التلاميذ في مراجعتهم للقواعد النحوية على تلك الإستنتاجات المبتورة الواردة في بعض المقررات الدراسية التي بين أيديهم ، فكانت إجاباتهم خاطئة ! .
*وعلى هذا الأساس وجب علينا -كمدرسين- مراعاة التقيد بالدروس والتوجيهات الواردة في الإطار المرجعي للغة العربية ، وتوخي الدقة والحذر في وضع الأسئلة المزمع طرحها على الممتحنين ، وإعادة مراجعتها … تفاديا لما ينتج عن ذلك من إحراج ، وإرباك يمكن أن يحدث لهم أثناء حسمهم في كتابة الأجوبة الصحيحة المتوخاة منهم .
> الأستاذ: امحمدالناوي