الإشهارات الجنسية تكتسح منصات الألعاب الإلكترونية ومطالب بتجويد الترسانة القانونية لحماية الأطفال والقاصرين
لا يخفى علينا أن الفضاء الرقمي أصبح يكتسح حيزا مهما من حياة الفرد داخل المجتمع. كما أنه أضحى الوجهة الرئيسية للتعلم و تطوير المهارات الفردية للشخص. فتعامل الجمهور مع شبكة الانترنيت بشكل متزايد، أثر على طريقة استهلاكنا للمعلومة كما أنه غير العدسة المفاهيمية للتعامل مع الآخر و مع كل ما هو مقروء و مرئي و مسموع.
إن شساعة الرقمي وعدم قدرة ضبط محتوياته قد يؤدي لا محالة إلى ظهور إشكالات، لها انعكاسات سلبية على جميع فئات المجتمع. وتضل فئة الأطفال هي الشريحة الأكثر عرضة للاستغلال داخل الفضاء الرقمي.
فمجموعة من المؤسسات المنتجة لمواد جنسية تجعل من الشبكة العنكبوتية الدعامة الأولى لها من أجل إشهار منتجها. ليس هذا فقط، بل إن مستغلي الأطفال لن يفوتوا هذه الفرصة من أجل استغلال و التجارة في الأطفال جنسيا. خاصة مع تزايد العزلة الاجتماعية و قضاء وقت أكبر أمام أجهزة الكمبيوتر مع قلة الرقابة من طرف أولياء الأمور.
فالإشهارات الجنسية أصبحت تكتسح منصات الألعاب الإلكترونية و مواقع مشاهدة الأفلام مما يجعل الطفل أكثر عرضة للاستغلال و الإدمان على الإباحية.
والدان أمريكيان يؤكدان عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن اكتشاف بعض الإشهارات و مقاطع فيديو ذات الطابع الجنسي، تظهر لابنتهم البالغة من العمر 7 سنوات وهي منغمسة في لعب أحد ألعابها الإلكترونية المفضلة. هذه ليست الحالة الوحيدة، فمجلة للعلم أكدت هي الأخرى أن صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت قضية إحدى الأمهات التي كانت تترك ابنها أمام بعض الألعاب الالكترونية، لتكتشف في وقت لاحق مقطع فيديو لممارسة البهيمية أثناء لعبه و محادثته مع لاعبين آخرين.
محسن بن زاكور: غياب التربية الجنسية والحديث حول الموضوع قد يؤدي إلى اكتشاف الطفل للعادة السرية في وقت مبكر.
ظاهرة طفت على السطح ستؤثر سلبا على الحياة الاجتماعية للطفل ونفسيته، الشيء الذي جعل التواصل مع أستاذ علم النفس الاجتماعي السيد محسن بن زاكور أمرا في غاية الأهمية.
فهذا الأخير أكد، في تصريح حصري خص به جريدة بيان اليوم، أن تأثير هذه الاشهارات أو المقاطع الإباحية التي تظهر للأطفال تختلف من فئة عمرية إلى أخرى. “فمن الملاحظ أن حصول الأطفال دون خمس سنوات على الهاتف في وقت مبكر أصبح أمرا شائع داخل الأسر. مما سيجعل من مشاهدة الصور والاشهارات ذات المضمون الإباحي شيئاا حتميا”، معتبرا في تصريحه “أن الخطورة تكمن في تشكل صور عنفية داخل لا وعي الطفل التي كلما تكررت تزيد من احتمالية ممارستها على أفراد أسرته. على اعتبار أن تلك الصور تشبع بها دون تحليل أو تفكير”. كما أن غياب التربية الجنسية و عدم الحديث حول مثل هذه المواضيع داخل الأسرة من شأنها “أن تكون صور مغلوطة سيتم استثمارها داخل المجتمع بشكل سلبي مستقبلا”.
أما بالنسبة للشريحة العمرية ما فوق خمس سنوات، فيقر الدكتور بنزاكور بأنها هي الفئة الأكثر عرضة للتأثر بمثل هذه الاشهارات، خاصة وأنها تشبعت بالثقافة المجتمعية و أضحت أكثر معرفة بجهازها التناسلي، و هنا تكمن خطورة الوضع.
فحسب المتحدث عينه “فإن ارتباط الطفل بجسده في هذه المرحلة العمرية قد يكون غير صحي. مما قد يطور في مخيلته علاقات من الممكن فهمها بشكل عكسي أو منحرف”.
و شدد الدكتور محسن بن زاكور، في حديثه، أن هنالك أثار وخيمة تنعكس على الأسرة. فمن جهة ” تكون ردة فعل الأسر أثناء اكتشافها الأمر، غير سليمة. تتطور في بعض الأحيان إلى ممارسة تعنيف الطفل. علاوة على هذا فإن الطفل يمكن أن يسلك سلوكات سلبية من حيث لا يدري، قد تدعو أحيانا إلى اكتشاف الجهاز التناسلي للشخص الآخر. بالإضافة إلى وجود احتمال أن تتطور لديه الرغبة الجنسية بالرغم من عدم وصوله بعد إلى مفهوم التحكم في الغريزة كما أنه من الممكن تكون سلوكا شاذا تكون سبيلا للانحراف مستقبلا”.
وفي الأخير أقر الدكتور في علم النفس الاجتماعي أنه لا يمكن تخيل مجتمع بدون تربية جنسية. “فعدم الحديث في مثل هذه المواضيع من طرف الأسر وترك الطفل يواجه لوحده هذه المشاهد والاشهارات قد تؤدي إلى اكتشافه للعادة السرية قبل الأوان”. ، موضحا أن المسؤولية تقع على عاتق الأسرة والدولة التي يجب أن تجعل من نظام الحماية الأمنية داخل شبكة الانترنيت أمرا مجانيا ومن حق الجميع من أجل حماية الأطفال من مثل هذه الاشهارات كما أن التربية الجنسية للطفل تظل أمرا في غاية الأهمية من أجل تجاوز الانحرافات والمشاكل المستقبلية.
عبد النبي خلق الله: حماية الطفل مسؤولية مشترك تقوم على عاتق الأسرة والدولة
من جهته صرح المختص في علم النفس السيد عبد النبي خلق الله في تصريح حصري لجريدة بيان اليوم أن تعرض لَلَطفل بشكل متكرر لبعض المشاهد والمحتويات الجنسية في الإعلانات قد يخلق انعاكاسات على شخصيته “كتركيز انتباهه الطفولي بشكل قهري أحيانا على كل ما يحدث داخل العلاقة الحميمية للوالدين أو الأزواج في محيطه, الإغراق في إثارة جسده و العمل على إنتاج المتعة الاستمنائية بشكل متكرر, وضعف الانتباه المعرفي وتراجع تحصيله العلمي في حالة الإدمان علي رؤية هذه المحتويات, بالإضافة إلى العمل على تعبئة أطفال آخرين والتاتير عليهم بمثل هذه المحتويات والعمل على إقحامهم أو استعمالهم في تمثيل هذه الممارسات”. هذه التأثيرات لا تقتصر فقط على شخصية للطفل بل ستمس الجانب النفسي له أيضا فحسب الأخصائي في علم النفس السيد عبد النبي فمشاهدة هذه المحتويات من شأنها أن “تنعكس على النمو الجنسي للطفل مستقبلا من قبيل خلق الالتباس و صعوبة الفصل بين الجنس والحب في العلاقة مع الجنس الآخر زيادتا على انه قد يمس ببناء الهوية الجنسية للطفل والمساهمة في تطوير بعض السلوكات الجنسية المنحرفة او العنيفة مع إضعاف الوازع القيمي والأخلاقي وصعوبة تقبل الاحباط و الضوابط والحدود”.
وفي آخر تصريحه شدد المتحدث على أنه “لا يمكن أن نحد من هذه الظاهرة نهائيا بل يمكن أن ننقص من تمظهراتها وانعكاساتها. فبالإضافة للبعد التقني من خلال تشديد الرقابة على مثل هذه المحتويات على مستوى الإعلام والشبكة العنكبوت ية والذي يبقى أمرا صعبا، يمكن الحديث بالموازات مع، ذلك عن الجانب التربوي والتوعوي المنوط بالوالدين والمؤسسات السياسية للدولة والمجتمع المدني على حذ سواء، وذلك من خلال تعزيز التأطير التوعوي بآثار ذلك على الأطفال من خلال تسخير الآليات الإعلامية واليات البحث العلمي الجامعي لتعزيز الوعي بهذه المخاطر. كما يتطلب من الآباء تجويد حضور هم بجانب أطفالهم ومواكبتهم وعدم تركهم لوحدهم أمام مخاطر الشبكة العنكبوتية والحرص على حماية عالمهم الطفولي من كل المواضيع و الاهتمامات التي تخص عالم الراشدين فقط، مع مراقبة كل التغيرات على مستوى سلوك الطفل ومسائلتها ومحاولة فهمها”.
مهدي الودي اليزيدي: العقوبات المنصوص عليها في القانون المغربي غير كافية ولا تتلائم مع فظاعة هذه الجرائم.
أمام كل هذه المخاطر المحدقة بالطفل سواء على صحته النفسية أو السلوكية، عمل القانون المغربي على صياغة ترسانة من القوانين الجزرية في حق مستدرجي الأطفال و مستغليهم عبر الانترنيت.
مهدي الودي اليزيدي فاعل مدني ومحامي بهيئة الرباط يؤكد بأن هذه الجرائم تعد الأخطر على الإطلاق عندما تستهدف الأطفال عبر تحريضهم لمشاهدة مواد إباحية وذلك عن طريق استدراجهم بواسطة إشهارات أو إعلانات تظهر لأطفال خلال تصفحهم للانترنت.
موضحا أن “المشرع المغربي لم يظل مكتوف الأيدي أمام تنامي الجرائم السيبرانية ومنها على وجه الخصوص جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال عن طريق الانترنت ذلك أن القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر قد نص في فصله 79 على عقوبة مالية ما بين 100 000 و 500 000 درهم على مرتكبي جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال كما نص المشرع المغربي على عقوبات حبسية ثقيلة في حق مرتكبي هذه الجرائم ذلك أن هذه العقوبات قد تتراوح من سنتين إلى عشر سنوات مع الغرامة المالية في حق كل من حرض القاصرين دون الثامنة عشرة على الدعارة أو البغاء أو شجعهم عليها أو سهلها لهم كما نص الفصل على 503-2 على عقوبات حبسية تتراوح من سنة إلى خمس سنوات في حق مرتكبي جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال”. بالإضافة إلى أن الودي اليزيدي -محامي بهيئة الرباط- اقر في تصريحه “إن المشرع المغربي قد بذل مجهودات كبيرة من أجل ملائمة الترسانة القانونية مع الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن والتي يبقى أهمها اتفاقية حقوق الطفل والتي صادق عليها المغرب سنة 1993 وكذا اتفاقية لانزاروت والتي صادق عليها المغرب سنة 2014 والتي تعد من أهم الاتفاقيات في مجال حماية الأطفال من الاستغلال والاعتداء الجنسي”.
وفي الاخير شدد المتحدث عينه إلى أن “العقوبات المنصوص عليها في القانون المغربي في هذا الخصوص لا تتلاءم مع فظاعة هذه الجرائم التي تستهدف الأطفال في المجال الرقمي، كما أن هذا النوع من الجرائم تستعرضه إكراهات عملية يبقى أهمها صعوبة تحديد الجنات ورصدهم لاسيما وأن الأمر يتعلق بجرائم ذات طابع إلكتروني والتي تستهدف الأطفال”
مروان حميدي “صحافي متدرب”