يعترينا أحيانا خوف قاتل، يكسونا كما يكسو الجليد الجبال، فلا تذيبه حتى حرارة الشمس الحارقة. وما إن يبدأ في الاختفاء، حتى تتساقط الثلوج بكثافة ثانية.. فندير وجهنا باحثين عن توهج شمس طفيف يخفف عنا ولو قليلا.
لكننا نجد أنفسنا حبيسي وحدة باردة أحيانا، فتلك التجارب السابقة هي تجاربنا وحدنا وليست تجارب الغير. ونحن فقط من بوسعهم معرفة مقدار الخوف من تكرارها مرة أخرى.
نخاف من أن نخطئ الاختيار ثانية، نخاف من سلك المسلك الخطأ، نخاف من اتخاذ قرار قد يغير مجرى حياتنا تماما فلا نتمكن من العودة إلى الوراء…
نخاف ونخاف ونخاف…
نخاف من إعادة بعض التجارب، أو بالأحرى من تدفق تلك المشاعر القوية والجياشة التي كانت تصاحبها والتي تغرقنا في متاهة تفكير لا مخرج منه ولا مفر.
نرجح كفة عدم الاختيار، نفضل السكون فلا نغامر أبدا. نقبع ثابتين في منطقة راحتناcomfort zone . نرفض التغيير ونميل إلى الركون والروتين المعتاد، لا لأننا نحب نمط العيش هذا، بل لأننا وببساطة نرغب في حماية أنفسنا من كل تيار قد يجرفنا إلى مستقبل شبيه بماض بعيد. فنبتعد ونلزم صدفتنا حاملين درعا واقيا من كل هجوم مرتقب.
ابتسامة منتظمة، قلق أقل وخوف ضئيل. هاته هي نتائج ابتعادنا عن مضمار المخاطرة.
مع مرور الزمن، تفقد تلك الابتسامة نكهتها، تصبح رتيبة رغم انتظامها. ذلك القلق يتفاقم لأن حياتنا صارت مهددة بفقدان طعم التحدي ومذاق التجديد. حينها لا نخاف من أن يجتاحنا الماضي وذكراه ويكتسحا مستقبلنا، بل نخاف من أن نخسر ما بين أيدينا بينما نحن نحاول حماية ما لم يأت بعد والاحتماء من مستقبل مجهول.
«لن تغير حياتك أبدًا حتى تخرج من منطقة الراحة الخاصة بك»، روي بينيت.
قد تكون المجازفة أمرا خطيرا يدعو إلى تولي زمام الحذر وقد يكون التغيير أمرا مرهقا أيضا. لكننا وبمجرد ما أن نراهن على القفز من منطقة راحتنا حتى تداعبنا سعادة من نوع آخر.
قد تعترض طريقنا عقبات وقد نختبر بإخفاقات شتى، كلها لكي نتمكن يوما من معرفة طعم الانتصارات مهما كانت صغيرة.
الخوف من أن يكون القادم كالذي مضى، أن نحيى التجارب السيئة من جديد.. هذا الخوف رفيق وفي لا يفارقنا ولن يفارقنا أبدا، يشد على أيدينا ويصاحبنا أينما حللنا وارتحلنا.
لا حياة بدون خوف، هي حقيقة حقيقية وواقعية ينبغي التعايش معها. والقوي هو الذي ينتصر على مكامن خوفه ويؤمن أن كل ما مضى قد مضى.. وأن كل يوم هو بداية لحلم جديد..
«تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف، ولكن الانتصار عليه»، نيلسون مانديلا.

بقلم: هاجر أوحسين