مقطع الفيديو الذي جرى تداوله عبر تطبيقات التراسل الفوري، ويظهر تعرض فتاة للتحرش بالشارع العام بطنجة، خلف غضبا واسعا وسط الناس، واستنكارا لتنامي العنف ضد الفتيات والنساء في الشارع العام، وضعف إحساسهن بالأمان والسلامة.
يتعلق الأمر هذه المرة بفتاة تسير في الشارع العام، ولم تضايق أحدا، ولم يصدر عنها ما يهدد حرية وسلامة الآخرين، ورغم ذلك هاجمها فتى قاصر، ولاحقها ورفع فستانها وضربها، وكان صديقه يوثق هذه المشاهد بكاميرا هاتفه، قبل أن يلوذا بالفرار.
مصالح الأمن، وحتى من دون تلقي أي شكاية، تفاعلت مع مقطع الفيديو الرائج، وباشرت تحقيقاتها، وتمكنت أولا من توقيف مصور الاعتداء…
الواقعة تبرز طبيعتها الجرمية الواضحة، وتعتبر سلوكا مدانا ومرفوضا، ويجب التصدي له بكامل الصرامة القانونية المطلوبة، والحرص على حماية ضحايا هذه الأشكال من العنف في الشارع العام.
من المؤكد أن جريمة طنجة لها مثيلاتها في مدن أخرى، ويروي الجميع حكايات مماثلة لها أو أكثر بشاعة منها، لكن ذلك لا يعني الاستمرار في التعاطي مع هذه الاعتداءات فقط عبر مقاربتها نظريا وتحليليا، والاكتفاء بالاستسلام لها، أو إنتاج الخطب والبلاغات حولها، وإنما يجب تعزيز ذلك بتدخلات قانونية وقضائية وأمنية وإدارية مباشرة وصارمة للتصدي لها، ولتفعيل دور مؤسسات الدولة وتطبيق القانون في حق المعتدين والمجرمين، وحماية الضحايا هنا والآن.
في طنجة، وأيضا في باقي جهات بلادنا، تكثر مظاهر العنف بشتى أنواعه، وضمن ذلك العنف المستشري في الشارع العام، وإحساس العديد من الفئات، وخصوصا النساء والفتيات، من مضايقتهن والاعتداء عليهن وحرمانهن من الإحساس بالحرية في التمتع بالفضاء العام، الذي هو حق لكل المواطنات والمواطنين، وكل هذا العنف القيمي والسلوكي والمجتمعي، بلا شك، ناجم عن تفشي التهميش والإقصاء والخيبة، وعن انتشار آفات اجتماعية مثل استهلاك المخدرات والهدر المدرسي، وتدني الوعي الثقافي والتفكك الأسري، وتوسع دوائر الفقر والتهميش وسط شعبنا وشبابنا…، وكل هذا يستوجب الانكباب على الانتظارات الاجتماعية للمغاربة، والسعي لتطوير مستويات عيش شعبنا، ولكن أيضا يقتضي تعبئة مختلف الأطراف، أسرة ومدرسة وإعلام وباقي مؤسسات التنشئة والتأطير، للقيام بأدوارها التعبوية والإصلاحية والإدماجية، ودعمها للنجاح في ذلك، علاوة على ترسيخ إصرار مؤسسات الدولة على حماية المواطنات والمواطنين من كل مظاهر العنف، والدفاع عن الحريات، وعن المساواة، واليقظة تجاه أي استهداف نكوصي أو باتولوجي لحقوق المرأة وحريتها، ولحقها في ممارسة حياتها وفق كل مقتضيات المواطنة.
صحيح أن المصالح الأمنية تبذل جهودا أساسية بشكل يومي في مختلف أقاليم المملكة لمواجهة استشراء العنف والاعتداء على الناس، ولكن، مع ذلك، يعتبر هذا الملف اليوم من الانشغالات الأساسية لدى الأسر المغربية، ويجب تقوية الانكباب عليه من لدن السلطات القضائية والأمنية والإدارية، وذلك لتفعيل حلول ناجعة تتيح إحساس المغاربة بالأمن داخل أحيائهم وشوارعهم ومنازلهم، والاطمئنان على حياتهم وممتلكاتهم وسلامتهم.
الكثير من مدننا الكبيرة والمتوسطة، وحتى الصغيرة، باتت شوارعها والعديد من أحيائها بمثابة نقاط سوداء للجريمة والاعتداء والسلب والنهب، ولم تعد الكثير من الأسر تحس بالاطمئنان في الشوارع والأزقة القريبة منها، ويتملكها خوف مستمر على فلذات أكبادها لما يذهبون إلى المدارس أو لما يعودون منها، وفتيان منحرفون أو مدمنو مخدرات يفرضون شروطهم الإجرامية في الشوارع وداخل الأحياء وزوايا الأزقة، وما حدث اليوم في طنجة سبقته حالات مماثلة عديدة في مناطق أخرى، ويمثل فقط عينة معبرة عما يشهده واقعنا اليومي في أغلب المدن.
ولهذا، الأمر يعتبر أكبر من تركيز النظر على طنجة أو إبداء الاستغراب للواقعة الأخيرة كما لو أنها فاجأتنا كلنا، ذلك أن الأمر يتعلق فعلا بظاهرة حقيقية تعم جغرافيتنا الوطنية وتبعث على الخوف وسط الأسر، وتتطلب اليوم مقاربة شمولية ووطنية والتقائية وشجاعة.
<محتات الرقاص