أزمة تواصل تلك التي أبان عنها أعضاء حكومة التجمعي «عزيز أخنوش». وتصريحات متسرعة وغير محسوبة عند بروز كل حدث أو حادث «التلقيح، الجواز، ارتفاع الأسعار..». أزمة كشفت عن قصور وسائل وأساليب التواصل لدى بعض الوزراء.. وحاجة هؤلاء إلى تعابير منقحة تحفظ كرامة المواطنين، وتضمن حقوقهم في المطالبة والاحتجاج.
خرجات إعلامية أو داخل قبة البرلمان، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها لا تمت بصلة لوزن وقيمة تلك الحقائب الوزارية التي يحملونها، ولا حتى لمنصب «وزير» السامي والمفروض أن يكون صاحبه هادئا ومتزنا ومتفهما لكل ما يمكن أن يصدر عن المواطنين أغلبية أو أقلية. سواء كان ذلك المواطن خاطئا أو مصيبا.
مؤسف جدا أن يلبس وزير الصحة رداء القمع والتهديد والوعيد، بإقصاء من سماهم بالأقلية الرافضة لجواز التلقيح، علما أن الرافضين لفرض جواز التلقيح كوثيقة للتنقل وممارسة الحياة الخارجية، بينهم الملقحون وغير الملقحين. وبينهم مرضى لا حول لهم ولا قوة، ينتظرون حماية الحكومة ورعايتها لهم، وليس إهانتهم.
سبب الرفض يعود أصلا لعدم قانونية القرار الصادر بدون آليات قانونية للتطبيق. الصادر بعيدا عن الجهاز المشرع الممثل في البرلمان. قرار يضرب في عمق الحريات الفردية للأشخاص؛ علما أن جواز التلقيح ليس أداة فعالة للحماية من الإصابة بفيروس كورونا ومتحوراته، بدليل أن هناك ملقحين بالجرعتين الأولى والثانية أصيبوا بالفيروس ومنهم من توفوا بسببه. كما أن الحكومة واللجنة الوطنية الصحية لا تمتلك تأكيدات علمية تفيد بأن حامل الجواز لا ينقل عدوى الفيروس.
مؤسف جدا أن تتوحد تصريحات مجموعة من الوزراء حول ما تعتبره أزمة عالمية، لتبرير الارتفاعات المهولة والمتزايدة لأسعار المواد الاستهلاكية.. وفي مقدمتها الوقود ومشتقاته والمواد الغذائية الأساسية من زيت وسكر ودقيق و… إذ يفاجأ المواطن في كل عملية تسوق بأثمنة جديدة مرتفعة، تختلف باختلاف محلات البقالة والأسواق..
صمت المواطن عندما ارتفعت أسعار المواد الغذائية في الفترة ما بين نهاية ولاية الحكومة السابقة والإعداد لتشكيل حكومة جديدة. لكن هذا الصمت لن يطول، ونحن أمام حكومة مكتملة الأركان. عليها أن توقف عمليات استنزاف جيوب الأسر وتدقق بجدية في الأسباب الحقيقية وراء هذه الموجة من الأسعار الملتهبة، حيث تضاعف الوسطاء والسماسرة بين المنتج والمستورد وبين المستهلك. وسطاء باتوا أكثر ثراء من المنتجين من الفلاحين وأصحاب الشركات الغذائية. وغياب المراقبة للأسعار وجودة السلع المعروضة زاد من انتشار باعة المواد الغذائية الفاسدة ومنتهية الصلاحية.
بالأمس خرج المحتجون ممن وصفهم وزير الصحة بالأقلية، وعوض أن تمتد إليهم الأيادي الحكومية من أجل التواصل والإقناع، يبرز وزير للصحة بلسانه السليط ليتفوه بكلام من غير المعقول والمقبول أن يصدر عن وزير. ومن غير المعقول والمقبول أن يصدر داخل المغرب الذي قطع مع الماضي الأليم ويسعى إلى إنصاف كل المغاربة. وزير ينفث من حيث لا يدري كلمات (جمر)، أضرت بنفسية المحتجين وأحرقت قلوب بعضهم. ضمنهم الآلاف من المصابين بالأمراض المزمنة الذين ينتظرون من وزارته توفير الحماية والعلاج لهم.
للأسف قبلنا بأغلبية بنيت على مقاعد برلمانية في معظمها تعود لأثرياء البلاد، بعضهم غير سياسيين وبعضهم دخلاء على الأحزاب السياسية الحاكمة. وقبلنا بوزراء نزلوا بمظلات الأمناء العامين لتلك الأحزاب، بعد ما ألبسوهم جلابيب أحزابهم. لكن أداءهم الفاتر، سيجعل الشعب يعود لمناشدة الملك محمد السادس من أجل الأخذ بزمام الأمور في كل صغيرة وكبيرة. إلى حين أن يتحسن الأداء الحكومي ويعي الوزراء بأن حقائبهم سياسية، تعود بالأساس إلى المواطنين. وأن عليهم أن يوفوا بوعود أحزاب الأغلبية المسجلة بالصوت والصورة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية والمنابر الإعلامية الرقمية. الوعود التي قطعوها بالشارع العام وأمام ميكروفونات المنابر الإعلامية لعدة فئات مجتمعية والمغاربة قاطبة. وأن يدركوا أن مهمتهم خدمة الشعب، وليس التنقيص والاستهزاء به أو بفئة منه.
أعضاء حكومة أخنوش في حاجة إلى جوازات للتنقيح، حتى لا تتعثر ألسنتهم من جديد، وحتى يدركوا فن الخطابة الأخلاقي والسياسي الذي يضع سمعة وكرامة الشعب فوق كل اعتبار. على الحكومة أن تعي بالتهديدات التي تستهدف المغرب والمغاربة في أمنهم واستقرارهم من طرف قادة (جار السوء) وأنظمة الدول التي تتغذى من نفط الشعب الجزائري وغازه. وأن تحرس على ألا تخدم بدون وعي أو شعور أجندات من يسعون إلى رفع سقف المحتجين. الذين أثثوا آلاف الصفحات داخل مواقع الفايسبوك والتويتر واليوتوب بأسماء مستعارة ومزورة من أجل التحريض على البلبلة والفوضى داخل المغرب.
وحتى لا ينسينا نضالنا من أجل العيش الكريم، وحتى لا يلهينا واجب التصدي والصمود في وجه فيروس كورونا وباقي متحوراته، وما نعيشه من فر وكر ومواجهات مجانية بين القوات العمومية والمحتجين الغاضبين من بعض القرارات الحكومية المتسرعة؛ لابد أن نضع أمن واستقرار بلدنا في مقدمة الأولويات.. وأن نعمل معا من أجل أن تكون الاحتجاجات سلمية وهادفة وسليمة، وأن يكون لها الأثر الإيجابي البالغ والصدى الطيب وطنيا ودوليا حتى نسوق الوجه الحقيقي للمواطن المغربي الجاد والقادر على فرض التغيير والبديل بالطرق الحضارية، وبموارد بشرية مغربية خالصة. وأن نغلق الأبواب والثقوب والشقوق حتى لا يندس الجواسيس والعملاء… وإليكم الخط..
بقلم: بوشعيب حمراوي