تحل اليوم (2 دجنبر) الذكرى العاشرة لرحيل فقيدنا العزيز المناضل والقيادي شمعون ليفي، وهي مناسبة نستحضر من خلالها بعض الخصال التي كان يتميز بها هذا الأستاذ المثالي.
هل سنتذكر شمعون الإنسان، من خلال استعراض شيمه وسعة صدره وطيبوبته، ودماثة أخلاقه؟ أم نتذكر الباحث والمثقف الذي خط أعمالا لا تعد ولا تحصى في مجالات التاريخ واليهودية والثقافة خصوصا في سنواته الأخيرة؟ أم ينبغي أن نذكّر بالمعلم المربي الذي ساهم في تأطير آلاف الشباب في كلية الآداب بالرباط، والذي كان من الأساتذة المرموقين فيها؟ أم يجب أن نتحدث عن النقابي المخضرم الذي كان حاضرًا على جميع جبهات النضال، سواء داخل الاتحاد المغربي للشغل أو داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي؟ أم يجب أن نتحدث عن الناشط السياسي المنخرط منذ صغره في صفوف الحزب الشيوعي المغربي، والذي أصبح على التوالي حزب التحرر والاشتراكية وحزب التقدم والاشتراكية، ليصعد إلى منصة المكتب السياسي ويصبح من كبار قادته إلى جانب الراحل علي يعتة وعبدالله العياشي وعبد السلام بورقية وعزيز بلال وغيرهم؟
لقد عاش الراحل شمعون ليفي حياة طبعها العمل والنجازات. حيث لم تعوزه القدرة والجرأة على قيادة المعارك والكفاح في مختلف الجبهات. كان الرجل حاضرا في جميع المحطات الهامة التي ميزت تاريخ المغرب الحديث: لقد ناضل وقاوم من أجل الاستقلال، ودافع بقوة عن القضية الفلسطينية، وشارك في المسيرة الخضراء المظفرة، وحاضر في النضالات الديمقراطية من خلال خوضه الانتخابات المحلية الأولى لعام 1976، وفوزه بعضوية المجلس البلدي لعين دياب، التي كانت تجربة نموذجية لتدبير الشأن المحلي، كما كان الراحل عنصرا نشيطا في منتديات النقاش الفكري، حيث حظيت آراءه التي دافع عنها بجرأة وإيمان صادق باحترام خصومه قبل أصدقائه.
كل هذا، والجوانب الأخرى التي سقطت سهوا، جعلت من الراحل شمعون ليفي الرجل كما كان.
أمام استحالة الغوص في كل المجالات التي ألم بها الرجل ووسمت مساره الحافل.
اسمحوا لي، أن أدلي بشهادتي المتواضعة في حق الفقيد، وأنا شاهد على مساهماته في التفكير السياسي، بعدما حالفني الحظ، على غرار باقي المناضلين الآخرين، في الحضور مع رفيقنا الراحل في الاجتماعات السياسية، ومتابعة دروس التكوين الإيديولوجي التي قدمها بسخاء للمناضلين الشباب بالحزب، إذ مكنتني هذه الفرص النضالية من تقييم منهجيته التربوية والتعمق في معرفته الموسوعية.
كانت لدى الراحل قدرة لبسط القضايا المعقدة للغاية بأسلوب سلس وواضح من خلال محاضراته الخاصة بشرح التكتيكات والاستراتيجيات، والتحالفات الطبقية، واليسار في المغرب، ومفهوم الحزب والنقابة. كانت هذه المواضيع وغيرها نوعًا من اللبنات الأساسية في حزبنا التي كان لازما على كل ناشط استيعابها للتناغم مع خط الحزب.
تمسك بوحدة اليسار وآمن بها حتى جعلها عقيدة. أتذكر سلسلة من المقالات التي نشرها حول هذا الموضوع ردًا على بعض السلوكيات السياسية التي تتعارض مع هذا الاتجاه.
كان يؤمن بالنضال الجماهيري المنظم، ومكان الفعل النضالي بالنسبة للراحل، هو النقابة التي دافع عن وحدتها مؤمنا بأن الطبقة العاملة وحدة غير قابلة للتجزئة. داعيا جميع أعضاء الحزب إلى الانخراط بشكل جماعي في مختلف المنظمات الجماهيرية للقيام بالفعل النضالي، عملا بعبارة ماو تسي تونغ المفضلة “المناضل مثل السمك يجب أن يكون في الماء”.
بالنسبة للراحل، لا يوجد “فعل ثوري، بدون نظرية ثورية” كما قال أميلكار كابرال. لقد استلهم مصادره من كل تجارب الحضارات المختلفة. يهودي الديانة، مفتخر بها، تمكن بكل ذكاء من الاطلاع واستيعاب مختلف الديانات والحضارات الأخرى إلى درجة صار معها منظرا لحوار الحضارات. بفضل شمعون، استطاعت أجيال بأكملها أن تدرك أن التناقض الأساسي ليس هو التناقض بين الأديان والثقافات، كما يدعي الأصوليين من جميع الأطياف، بل التناقض الحقيقي يكمن في تضارب المصالح السياسية والاقتصادية. وبفضل مساهمات الراحل وغيره من اليهود المغاربة أمثال إدمون عمران المالح وابراهام السرفاتي… استطاع المغرب أن يكون نموذجًا يحتذى به في مجال التعايش بين الأديان.
رجل الثقافة والذاكرة، كان ملتزمًا بالحفاظ على الذاكرة والثقافة اليهودية المغربية من خلال إدارة متحف اليهود المغاربة، الذي كان أمينًا عامًا له.
رجل مبادئ وقناعات ظل وفيا لالتزاماته على الرغم من التقلبات و”الهزات الإيديولوجية” التي أحدثها سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وانتصار الفكر الواحد مع إجماع واشنطن. ولتأكيد قناعاته، لم يسلك الطريق السهل، لكنه فضل إنشاء تيار داخل حزب التقدم والاشتراكية سماه “لازلنا على الطريق”.
نعم شمعون، لقد كنت محقًا، فنحن ما زلنا على الطريق: مسار النضال من أجل العدالة الاجتماعية، والكرامة، وحرية الرجال والنساء، والتضامن والصداقة بين الشعوب.
فلترقد روحك بسلام، لقد قمت حقا بواجبك كمواطن ملتزم. ستبقى موشوما في ذاكرة المغاربة عامة وسيظل رفاقك، أصدقاؤك، طلابك السابقين وكل من خبر دربك، يوجهون لك تحية إجلال وإكبار …
< بقلم: عبد السلام الصديقي