ارتبطت الفرجة بالعرض الفني الذي يقدم سواء على الركح أو في الساحة العمومية.
العرض المسرحي مثلا، عرض فرجوي، سواء في صيغته المعاصرة أو في الصيغة الما قبل مسرحية، المسماة الحلقة، كما يسمى من ينشطها الحلايقي.
عندما نقول إننا سنتفرج على العرض الفلاني، فمعنى ذلك أننا نتوقع أن نجد في ذلك العرض ما يسلينا، ما يدعو للفرجة.
العرض الفرجوي، هو بمثابة شيء يفرج عنا أحزاننا، بمعنى أنه يزيلها عنا. فعوض أن نكتفي بالتضرع إلى الله لكي يفرج عنا غمنا وحزننا، نذهب لنتفرج على عرض فرجوي، سواء بمقابل أو بدون مقابل.
قد نقول إنه الارتياح نفسه الذي نشعر به حين نتوجه إلى العلي القدير لكي يفرج عنا همومنا.
في ظل الأزمة الصحية التي نعيشها بسبب وباء كورونا الذي طال أكثر من المتوقع، وفي ظل ندرة العروض الفنية التي تقدم الفرجة في قاعات المسرح وفي غيرها من الفضاءات الثقافية، صرنا نتعطش إلى الحصول على الفرجة في أي عرض كيفما كان نوعه أو شكله.
هل يصح أخلاقيا القول على سبيل المثال:
أنا سأفتح التلفاز على قناة معينة لكي أتفرج على عملية الحفر لإخراج الطفل ريان من تحت الأرض؟
نحن هنا أمام حادث واقعي، لا بل مأساوي، وليس أمام عرض فني، يتولى تقديمه ممثلون فنانون يوزعون الأدوار في ما بينهم لخلق الفرجة.
المتفرج على عرض ريان، سواء في عين المكان الذي حج إليه العشرات من المواطنين، أو من خلال القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية التي تابعها الملايين إن لم أقل الملايير من مختلف القارات؛ هذا المتفرج يتصور أن الطفل ريان هو الشخص الذي لا يظهر على خشبة المسرح، وعلي الصحراوي حفار الآبار هو البطل الذي سينقذ الطفل ريان، وهناك باقي الممثلين: الحفارون بواسطة الجرافات، المهندسون الطوبوغرافيون، قوات الأمن، الأطقم الطبية، أسرة ريان، أبوه وأمه، إلى آخره.
حتى المواطنون الذي يتابعون هذا الحادث المأساوي، يصيرون هم كذلك جزءا من العرض بالنسبة للمتفرج عليه عبر الشاشات.
المتفرج على عرض ريان، يتصور كذلك الديكور كما لو كان داخل قاعة مسرح، أستحضر بالمناسبة مسرحية خبز وحجر التي كانت قد قدمتها فرقة شمس بالمركب الثقافي سيدي بليوط، كانت وقائعها كلها تدور حول بئر. كان عرضا رائعا من تشخيص محمد خيي ومحمد بسطاوي رحمه الله.
الأتربة التي تم استخراجها من عمق الأرض بالقرب من البئر الذي سقط فيه الطفل ريان، يدرك المتفرج أن هذه التربة هشة ويمكن أن تنهار في أي لحظة، إنه يعيش حالة من التشويق الهيتشكوكي، لا ينبغي أن ننسى الكاميرا التي كانت تصور الطفل المختفي تحت الأرض وهو في حالة حركة، إن المتفرج يتصورها جزءا من ديكور العرض، لا ننسى الإشارة كذلك إلى اللباس، لباس علي الصحراوي لا يشبه ألبسة المتدخلين الآخرين رغم أنهم يقومون بالمهمة نفسها تقريبا، إلى غير ذلك من الملاحظات. هكذا يجد المشاهد نفسه أمام عرض غني بالأحداث والدلالات، مما يجعله يتابعه ولو طال لعدة ساعات وأيام، الحادث الذي نحن بصدده امتد لأزيد من خمسة أيام، وقد تم تصويره وعرضه بالكامل. يمكن القول إن هذا النوع من العروض يتفوق على العروض الفنية التي تقدم على خشبات المسرح.
من هو هذا المخرج العبقري الذي بمقدوره أن يشد اهتمام المتفرج لعدة ساعات، فأحرى أيام؟
نستنتج من كل ذلك أن الحدث رغم مأساويته، كما هو الحال بالنسبة لحادث الطفل ريان، يصير في ذهنية المتابع، عرضا فرجويا، مما يعني أننا بصفة كلية، طبعنا مع المآسي كيفما كانت قوتها وفظاعتها، وأن ذلك ما كان يمكن أن يحصل، لولا انتشار وهيمنة وسائط الاتصال الرقمية.
> عبد العالي بركات